على مر التاريخ، لعبت كل حقبة من عصورنا الحاسمة دوراً في تشكيل العمل الخيري. إذ جلبت الثورة الصناعية معها إعادة توزيع الثروة على نطاق واسع، وأنجبت عقود ما بعد الحروب مؤسسات مكرسة للتنمية العالمية، وفتح العصر الرقمي أبواباً لنماذج جديدة من العطاء.
واليوم، نقف على أعتاب آفاق جديدة: النمو والتطور السريع للتقنيات الجديدة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، والقادر على إحداث أثر أعمق وأكثر شمولاً واستعداداً للمستقبل. وبينما الفرص لا تعد ولا تحصى، لكن المخاطر قائمة دائماً.
وغالباً ما كانت الأعمال الخيرية تتبني التكنولوجيا لزيادة الكفاءة؛ على سبيل المثال، باستخدام منصات جمع التبرعات الرقمية، أو تقنية «البلوك تشين» للتبرعات الشفافة، أو تحليلات البيانات لقياس النتائج.
ولكن ظهور الذكاء الاصطناعي وغيره من الابتكارات القوية يمثل أكثر من مجرد فرصة لتحسين الكفاءة؛ إنه يتطلب إعادة النظر في كيفية ممارسة العمل الخيري.
ولم يعد السؤال الجوهري هو: "كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعدنا على فعل المزيد؟"؛ بل بالأحرى السؤال هو "كيف يمكن للتكنولوجيا أن تساعدنا على فعل الخير بطريقة مسؤولة ومستدامة؟"
ويجب أن يكون الاستخدام الأخلاقي للتقنيات الناشئة في صميم العمل الخيري الجاهز للمستقبل. وبدونه، فإننا نخاطر بترسخ أوجه عدم المساواة، أو المساس بالخصوصية، أو خلق انقسامات جديدة في إمكانية الوصول إلى الفرص.
إن الذكاء الاصطناعي بالفعل يعمل على إعادة تشكيل قطاعات متنوعة مثل الرعاية الصحية والتعليم والعمل المناخي. وفي العمل الخيري، يُبشر الذكاء الاصطناعي بمستقبل واعد في المجالات التالية:
- التحليل التنبؤي للاحتياجات الإنسانية: يمكن الذكاء الاصطناعي أن يتوقع مواطن تفاقم الجوع أو التشرد أو الأزمات الصحية، مما يُمكّن الجهات الفاعلة الخيرية من التدخل في وقت مبكر وبشكل استراتيجي أكثر.
- رحلات عطاء خيري مخصصة: يُمكن للمنصات التي يحركها الذكاء الاصطناعي أن تطابق المانحين مع القضايا التي تتوافق بشكل وثيق مع قيمهم، مما يعزز المشاركة والولاء.
- الكفاءة التنظيمية للجمعيات الخيرية: تسمح أتمتة مهام المكتب الخلفي للمؤسسات من تخصيص المزيد من الموارد لإحداث أثر في الخطوط الأمامية.
ومع ذلك فإن المخاطر حقيقية. فكروا في التحيز المُتأصل في الخوارزميات، أو تسلل المراقبة إلى تقديم الخدمات، أو الاعتماد المفرط على منطق الآلة على حساب الكرامة الإنسانية.
وفي الواقع، من خلال الهجمات على المدنيين في فلسطين بطائرات مسيّرة ومدرعة، فإنه يُمكننا أن نرى أن الذكاء الاصطناعي يُشكّل أيضاً تهديداً حقيقياً للحياة البشرية نفسها. ولقد قُتل عدد لا يحصى من عمال الإغاثة في عمليات قتل مستهدفة، ويجب مواجهة هذا الأمر.
ولذلك، فإنه من الضروري جداً وضع حواجز حماية أخلاقية — مثل الشفافية والمساءلة والشمولية — لتوجيه اعتماد الذكاء الاصطناعي في هذا القطاع.