أزمة تعليم

تركت جائحة كوفيد-19 ملايين الأطفال اللاجئين خارج المدرسة. ويقول الرئيسان التنفيذيان لمنظمة إنقاذ الطفولة في المملكة المتحدة ومؤسسة عبد الله الغرير للتعليم أن الاستجابة العالمية لهذه الأزمة تهدد الجيل الحالي والأجيال القادمة على حد سواء.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في مارس 2020 أن كوفيد-19 أصبح جائحة عالمية. وبعد مرور عامٍ كاملٍ على ذلك الإعلان، أودى فيروس كورونا بحياة أكثر من 2.5 مليون شخص على مستوى العالم، وقلب الاقتصادات وسبل العيش رأساً على عقب، وأدى إلى تعميق أوجه عدم المساواة في العالم.

كما كشف الفيروس عن هشاشة منظومة التعليم على المستوى العالمي. فقد تركت إجراءات الإغلاق أكثر من 1.5 مليار طفل في جميع أنحاء العالم خارج مقاعد الدراسة. وبعض هؤلاء لن يعودوا أبداً إلى صفوفهم، ما يعرّض المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في الوصول إلى التعليم للخطر. وتتزايد هذه المخاطر بشكل خاص بالنسبة للأطفال اللاجئين والنازحين الذين كانوا قبل الأزمة يقبعون على هامش نظام التعليم العام.

في أكتوبر الماضي، عقدت منظمة ’إنقاذ الطفولة‘ غير الحكومية الدولية وصندوق ’التعليم لا يمكن أن ينتظر‘ والبنك الدولي ومؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً لها، مائدة مستديرة افتراضية مع مجموعة من الجهات المانحة والقطاع الخاص والشركاء في مجال الإغاثة. وتركّز النقاش حول أفضل السبل التي يمكن اتباعها لتلبية الاحتياجات التعليمية للأطفال اللاجئين في ظل الجائحة، وشمل موضوعات متنوعة بدءاً بنقل التدريس من الفصول الدراسية إلى المجتمع وانتهاءً بآليات التمويل الجديدة اللازمة للتصدي لمشكلة نقص التمويل.

تحدثت "زمن العطاء" عقب الاجتماع مع سونيا بن جعفر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة عبدالله الغرير للتعليم، وكيفن واتكينز، الرئيس التنفيذي لمنظمة ’إنقاذ الطفولة‘ في المملكة المتحدة لاستكشاف التحديات والفرص التي فرضتها جائحة كوفيد-19 وفهم تداعياتها على الأطفال والشباب اللاجئين.

تسبب كوفيد-19 في تعطيل التعليم في جميع أنحاء العالم. فكيف أثر الوباء على اللاجئين، هذه الفئة التي لطالما واجهت عقبات متعددة في مجال التعلم؟
كيفن واتكينز: إذا عدنا سنة ونصف إلى الوراء، فسنجد أن وضع اللاجئين كان قاتماً بالفعل. ولإعطاء فكرة عن ذلك الوضع بالأرقام، إذا اعتبرنا جميع اللاجئين في العالم بمثابة دولة، فإن نحو 13 في المئة من الأطفال في سن الدراسة الابتدائية فيها سيكونون متسربين من المدارس. ويلتحق ثلث هؤلاء فقط بالمدارس الثانوية، ومن ثم يتسرب أكثر من نصف هذه الفئة قبل تخرجهم من هذه المرحلة. بوجه عام، كان نحو 3.4 مليون لاجئ في سن الدراسة غير ملتحقين بالمدارس.

وإذا قمت بوضع مجتمع اللاجئين على مقياس عالمي لفرص التعليم، فسوف يأتي في ذيل القائمة. هذه لمحة سريعة عن الفرص المتوفرة للاجئين في مجال التعليم.

أشعر أن ما فعله الوباء يشبه عمل آلة تصوير بالأشعة السينية لديها القدرة على تكبير الصور. فقد كشف عن الشروخ الموجودة في المجتمع وقام بتكبيرها وتوضيحها. لقد بيّن لنا أن الأطفال اللاجئين كانوا متخلفين بالفعل عن الركب. غير أن ارتفاع مستويات الفقر قد دفع المزيد منهم إلى ترك المدرسة - حتى في المناطق التي لا تزال فيها المدارس مفتوحة – ومن ثم إلى سوق العمل أو الزواج المبكر بالنسبة للفتيات. كما أن هؤلاء الأطفال هم في الغالب الذين لم يتم الوصول إليهم من خلال فرص التعلم عن بُعد. في الحقيقة، إن ما نشهده حالياً هو أكبر تراجع في المكاسب التي حققها التعليم منذ عدة أجيال.

"لم يكن لدينا خطة متماسكة بشأن تعليم اللاجئين قبل الأزمة. واليوم، وفي الوقت الذي نحتاج فيه وبشدة إلى مثل هذه الخطة للتعافي، فإننا لا نجدها بين أيدينا".

كيفن واتكينز، الرئيس التنفيذي لمنظمة ’إنقاذ الطفولة‘ في المملكة المتحدة.

نبذة عن مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم

الاسم: مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم.
رائد العطاء المؤسس: عبدالله الغرير.
رئيس مجلس الأمناء: عبد العزيز الغرير.
المقر: دبي، الإمارات العربية المتحدة.
سنة التأسيس: 2015، بتمويل بلغت قيمته 1.1 مليار دولار.
التركيز: إطلاق العنان لإمكانات الشباب العربي المحروم وذي الأداء العالي من خلال توفير إمكانية الوصول إلى التعليم.
مجالات النشاط: المنح الدراسية والتعلُم عبر الإنترنت وتنمية المهارات والإرشاد والدعم الوظيفي.
جهود الاستجابة للجائحة: في أبريل 2020، أطقت مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم صندوق الطوارئ للتعلم عن بُعد في ظل فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) لتقديم الدعم لـ 6,000 طفل وشاب من المعرضين لخطر الانقطاع عن التعليم في الأردن ولبنان. وقد تم استخدام الأموال المقدمة من الصندوق لتوفير الإنترنت للطلاب وتزويدهم بأجهزة الكمبيوتر المحمولة والأجهزة اللوحية، فضلاً عن المحتوى الرقمي والدروس الخصوصية عبر الإنترنت، والتي تم تقديمها من خلال مزودي الخدمات المحليين.

وتعد هذه المبادرة جزءاً من صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين الذي تم إطلاقه في العام 2018 لمساعدة اللاجئين في لبنان والأردن، بالإضافة إلى الشباب المتأثرين بالصراعات القاطنين في دولة الإمارات العربية المتحدة، في الحصول على التعليم.

توّفر مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم التمويل لعدد من المنظمات التي تقدم الدعم للاجئين في مجال التعليم. فكيف استجابت هذه المنظمات – وكيف استجابت مؤسستكم أيضاً – للتحديات التي يفرضها هذا الوباء على الخطوط الأمامية؟
سونيا بن جعفر: يبذل شركاؤنا الجهود في الميدان، وكان أول ما قاموا به هو تقييم سريع للاحتياجات. أعتقد أن اثنين أو ثلاثة من شركائنا فقط كانوا يقدمون خدمات التعلُم المختلط أو التعلُم عبر الإنترنت في الفترة التي سبقت الجائحة. إذا نظرت إلى الفئات السكانية التي نعمل معها من خلال صندوق تعليم اللاجئين، فستدرك أن فكرة امتلاك كل طفل من هؤلاء الأطفال جهازاً خاصاً به أو حتى الوصول إلى الإنترنت غير واردة.

لقد عادوا إلينا سريعاً وأخبرونا قائلين: "نحن بحاجة لإيجاد حلول تعليمية تتطلب مستوىً منخفضاً من الاتصال السريع بالانترنت أو لا تتطلب ذلك على الإطلاق. كما يتوجب علينا توفير حزم البيانات والأجهزة لهذه الأسر لأنها ببساطة لا تمتلكها".

في بعض الحالات، لم تكن هناك حلول للمشاكل التي نواجهها، وهو ما تطلب منا القيام بالأمور بطرق مختلفة والعمل على إعادة تصميم البرامج. أود هنا الإشارة إلى مؤسسة ’لومينوس للتعليم‘ في الأردن على وجه التحديد التي لم تتحول فقط إلى تقديم الدورات عبر الإنترنت، بل استطاعت الوصول إلى طلابها في المناطق الريفية وقامت بتوزيع الأجهزة وحزم البيانات عليهم. لا يمكنك الحصول على هذا النوع من الاستجابة السريعة إلا من خلال المنظمات المتواجدة على الأرض.

هل قمتم بتوجيه تمويلكم استجابةً للمعلومات الواردة من الجهات المستفيدة؟
سونيا بن جعفر: من واجبنا، بصفتنا جهة مانحة، الوثوق بشركائنا وتقديم التمويل بسرعة وكفاءة حتى يتمكنوا من القيام بعملهم على أفضل وجه. لقد كان ذلك أمراً مهماً. أفادت بعض الملاحظات التي حصلنا عليها حتى الآن، بعد مرور عدة أشهر، أن ما أحدث فرقاً كبيراً بالنسبة للشركاء هو تمكنهم من الرجوع إلينا والقول: ’لا يمكننا الوفاء بهذا الجانب من المنحة، ولكن إذا سمحتم لنا بإعادة توظيف تلك الأموال، فيمكننا القيام بهذا التدخل عوضاً عن ذلك‘. لقد لعب هذا النهج دوراً مهماً للغاية في ضمان استمرار الشراكة ونجاحها، وكل ذلك يصب في مصلحة المستفيدين.

"من واجبنا، بصفتنا جهة مانحة، الوثوق بشركائنا وتقديم التمويل بسرعة وكفاءة حتى يتمكنوا من القيام بعملهم".

سونيا بن جعفر، الرئيس التنفيذي لمؤسسة عبدالله الغرير للتعليم.

image title image title image title
تركت إجراءات الإغلاق المترتبة على انتشار فيروس كورونا المستجد أكثر من 1.5 مليار طفل في جميع أنحاء العالم خارج مقاعد الدراسة. الصورة: غيتي إميجيز؛ بانوس.

كيف تصفون الاستجابة العالمية فيما يتعلق بتوفير التعليم للاجئين؟
كيفن واتكينز: أرى أنها كانت بين ضعيفة وغائبة تماماً. فلم يضع سوى عدد قليل جداً من الدول خطط استجابة للتصدي لتبعات كوفيد-19 على التعليم بحيث يكون اللاجئون جزءاً منها. وعلى الرغم من وجود بعض المبادرات – حيث قامت الشراكة العالمية من أجل التعليم، والبنك الدولي كذلك، ببذل المزيد من الجهود في هذا الإطار– لكن لم تقم أي جهة بدور ريادي حقيقي لمساندة اللاجئين على مستوى العالم، كي نتمكن من القول لهم أن المجتمع الدولي سيساندكم ويضعكم على مسار التعليم من جديد.

لم يكن لدينا خطة متماسكة بشأن تعليم اللاجئين قبل الأزمة. واليوم، وفي الوقت الذي نحتاج فيه وبشدة إلى مثل هذه الخطة للتعافي، فإننا لا نجدها بين أيدينا.

ما هي التحديات الأكثر إلحاحاً برأيكم، في ظل غياب استجابة موحدة؟
كيفن واتكينز: ليس لدينا صورة كاملة من حيث البيانات، لكن بوسعنا أن نفترض أن أكثر من نصف اللاجئين غير موجودين حالياً في بيئة تعليمية. من هذا المنطق، فإن أحد التحديات البديهية التي نواجهها هو ضرورة الوصول إلى هؤلاء الأطفال - سواء من خلال التعليم عن بُعد أو التعليم بوساطة الراديو أو المكتبات المتنقلة أو غيرهما من الخيارات.

ثانياً، وبعيداً عن التركيز على الفصول الدراسية، فإن اللاجئين يعيشون واقعاً تتفاقم فيه مستويات الفقر وسوء التغذية. فالأطفال الجياع لا يستطيعون الاستفادة جيداً من التعليم، ولذلك هناك أزمة فقر لا بد من التصدي لها.

وأخيراً، وهذه نقطة يتم إهمالها كثيراً، تعرض العديد من هؤلاء الأطفال لصدمات نفسية. فنحن في الحقيقة نعيش في عصر الإفلات من العقاب لارتكاب جرائم ضد الأطفال في الحروب. لقد رأينا ذلك في سوريا، ورأيناه كذلك في جنوب السودان. ولذلك يحتاج هؤلاء الأطفال في الكثير من الأحيان إلى الحصول على خدمات المشورة بشأن الصدمات النفسية كي يصبحوا قادرين على التعلُم.

ولا تعد الاستجابة لهذه المسائل بالضرورة مهمة صعبة، ولكنها تتطلب تخطيطاً متسقاً والتزاماً مالياً وإرادة سياسية، وهناك افتقار لجميع هذه العناصر من وجهة نظري.

سونيا بن جعفر: عند إلقاء نظرة شاملة على التحديات، فسنجد أن 80 في المئة من اللاجئين يعيشون على 3 دولارات في اليوم في كل من الأردن ولبنان، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وهناك تأثير غير متناسب على الأطفال اللاجئين، لاسيما الأكثر تهميشاً منهم، بمن فيهم الفتيات والأطفال العاملون وذوو الإعاقة. كما تبرز هذه التحديات الحواجز الثقافية القائمة. فنحن نشهد الآن زيادة في خطر تسرب الذكور من المدارس، كما أن زواج الأطفال آخذ في الارتفاع مرة أخرى، حيث بات تزويج الفتيات الصغيرات وسيلة لسد احتياجاتهن المعيشية - وهكذا، تستمر هذه القضايا في التراكم، الواحدة تلو الأخرى.

نحن بحاجة إلى التفكير على بطريقة أشمل. فأقل من 2 في المئة من اللاجئين فقط، على ما أظن، يلتحقون بالتعليم العالي. وقد لا يتمكن أولئك الذين يحالفهم الحظ ويحصلون على شهادة جامعية من الحصول إلى عمل في المناطق التي يعيشون فيها. فهذه البيئة غير متاحة لهم. ولذلك لا يتعلق الأمر بالنسبة لنا بتأمين حصولهم على التعليم فقط، بل علينا أيضاً فتح الآفاق أمامهم لرفع مستوى المعيشة وتأمين سبل كسب العيش، فذلك قد يكون بمثابة تغيير جذري بالنسبة للأسر والمجتمعات، وما التعليم إلا جزء واحد فقط من المشكلة.

كيف يمكنكم القيام باستجابة إنمائية شاملة؟
سونيا بن جعفر: نحن بحاجة إلى تعزيز الترابط بين الشركاء العالميين والإقليميين، والقطاع الخاص، وإلى ردم الفجوات بين أنظمة التعليم وأسواق العمل. كما أننا بحاجة إلى شركات تنضم إلى الجهود من خلال توظيف اللاجئين وتدرك بأنها إذا كانت حقاً ملتزمة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فعليها الانخراط في العمل. نحن بحاجة إلى مشاركة الجميع - الحكومات والشركات والجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية – وإلى الاستماع إلى الأشخاص الذين نحاول مساعدتهم.

كما نحتاج إلى إشراك التعليم الحكومي لأننا نريد أن يكون اللاجئون مشمولين في أنظمة التعليم الوطنية من أجل توفير الحماية لهم.

هل أتاح الوباء أي فرص لتوسيع نطاق الوصول إلى التعلم الرقمي؟
كيفن واتكينز: إنه لمن المغري للغاية البحث عن الجوانب المشرقة، لكنني سأكون حذراً من المبالغة في قيمة الحلول التقنية لأزمة التعليم. ففي عملي اليومي، غالباً ما أتعرض لوابل من الأفكار الرائعة التي صُممت في وادي السيليكون أو في أي مكان آخر، كابتكار تطبيق يعد بتمكين كل لاجئ من القراءة والكتابة، على سبيل المثال. لكن التعليم لا يتم بهذه الطريقة. فالعلاقة بين المعلم والمدرسة والمجتمع والطفل مهمة للغاية. كما تصبح الحلول ناجعة عندما نتواصل ونتفاعل حقاً مع المجتمع لفهم ما الذي يمكننا القيام به وما هي الاحتياجات المطلوبة.

ما أود قوله هو أننا، وكثيرين غيرنا، قد بينّا على نطاق مصغر ما هي الحلول الممكنة. فبرنامجنا الذي يطلق عليه اسم ’تري‘ Tree [مبادرة بناء قدرات المعلمين والعملية التعليمية في المدارس الحكومية] على سبيل المثال، يركّز على تدريب المعلمين لتحسين جودة التعليم ونتائجه. يتميز هذا البرنامج بتأثير إيجابي مضاعف، فكل معلم قد يتواصل مع 30 أو 40 طفلاً، ومع توفر التعليم عبر الإنترنت والدعم من جانب السلطات الوطنية، قد يصبح برنامجاً قابلاً للتوسع. 

سونيا بن جعفر: أعتقد أن الجائحة قد أوضحت أن بعض الأفكار قد تم التراجع عنها لأن صانعي القرار لم يكونوا مستعدين لاستثمار أموالهم في تكنولوجيا المعلومات باعتبارها أداةً [للتعليم]. كما بيّن لنا أن الحصول على اتصال سريع بالإنترنت مسألة تنظيمية أخرى لا بد من الاهتمام بها، ولذلك لا يمكن أن تكون تكنولوجيا المعلومات هي الحل الوحيد في الوقت الذي لا يستطيع الكثير من الأشخاص الوصول إلى الفضاء الرقمي. لكن عندما يتم أخذ هذا الحل على محمل الجد، فإنه قادر على العمل بشكل جيد.

إن جميع الاستجابات التي نعتقد أنها قابلة للتوسع عبارة عن برامج تم إنشاؤها على الأرض لخدمة المجتمعات. غير أن نهج "النسخ واللصق" لا يمكن ينجح في تطوير التعليم، لأن الثقافة وإمكانية الوصول إلى الموارد والسياق عوامل تختلف كثيراً من مكان إلى آخر.

تتطلب الحلول الشعبية شركاء من المجتمعات المحلية، مع ذلك غالباً ما يتم تجاهل هذه المنظمات من قبل الجهات المانحة الكبرى والعالمية. فهل تساهم جائحة كوفيد-19 في تغيير هذه الدينامية؟
كيفن واتكينز: أعتقد أننا جميعاً نتذكر القمة العالمية للعمل الإنساني في اسطنبول، حيث تم إطلاق مبادرة "الصفقة الكبرى"، التي تضمنت الالتزام بتوفير المزيد من أموال المانحين للجهات التي تتصدى للأزمات على المستوى المحلي. غير أن المانحين يضعون الكثير من العقبات أمام تحقيق ذلك. ويرجع سبب تقديمهم الكثير من الأموال عبر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية إلى رغبتهم بتحويل المخاطر إلى مكان آخر. لكن متطلبات الإبلاغ المتعلقة بالمخاطر الائتمانية أو "تشريعات مكافحة الإرهاب" معقدة للغاية ومن المستحيل بالنسبة للمنظمات المحلية تلبيتها. نحن نتحدث عن إنهاء "الهيمنة" على قطاعي المساعدات الإنسانية والتنمية، لكن هذا ما يعرقل السير بهذا الاتجاه.

علينا جميعاً، بما في ذلك منظمة إنقاذ الطفولة، لعب دور في حل هذه المشكلة. علينا بذل المزيد من الجهود.

"لا يزال هناك تصور بأن جائحة كوفيد-19 تمثل أزمة صحة عامة، لكنها في واقع الأمر أزمة تعليمية ستترك ندوباً عميقة وآثاراً مدمرة على الأطفال".

كيفن واتكينز، الرئيس التنفيذي لمنظمة ’إنقاذ الطفولة‘ في المملكة المتحدة.

ما الدور الذي يجب أن تلعبه الجهات المانحة في إعادة هيكلة نظام التمويل؟
سونيا بن جعفر: أعتقد أن هناك العديد من الجوانب. أولاً، يمكننا تعزيز القدرة على الابتكار في المجتمعات المحلية وحشد الدعم للبرامج التي نشعر أنها تعمل بشكل جيد. كما يمكننا العمل بطريقة أقل بيروقراطية والسعي لبناء قدرات الجهات المستفيدة من المنح. وكلما سنحت لنا الفرصة بالمساعدة في رفع معاييرها في الإبلاغ أو نهجها في تقديم طلبات المنح، فعلينا القيام بذلك. يجب علينا أيضاً أن نتوخى السرعة في اتخاذ القرارات وتحويل الأموال لدعم شركائنا.

ثانياً، عندما نعقد اجتماعات مع البنك الدولي أو المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو جهات مانحة أخرى، يمكننا استخدام تأثيرنا لنكون صوت شركائنا المتواجدين في الميدان.

أما على الصعيد المحلي، فنحن نشهد زيادة في التمويل المشترك والعمل الجماعي. فقد قمنا بإطلاق الصندوق العالمي الإسلامي الخيري بالتعاون مع اليونيسف والبنك الإسلامي للتنمية، وقد انضم مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلينا للتو. وسيتم تقديم تمويل مشترك لثلاثة مشاريع في كل من الأردن وبنغلاديش وباكستان، ونأمل أن نرى المزيد من هذا النوع من العمل المشترك.

كيفن واتكينز: بعض أفضل أشكال العطاء هو ذلك الذي يعمل بطريقة رأس المال الاستثماري. فهو يُقبل على المجازفة ولا يخشى من الفشل ويبقى تركيزه منصباً على العوائد المرتفعة - وإن لم تكن على شكل أرباح. إن أفضل الأعمال الخيرية هي تلك التي ترتكز على الابتكار لحل المشاكل التي يواجهها المجتمع الذي تدعمه.

كما يعد تأييد ومناصرة الحلول الناجحة أمراً مهماً للغاية. فإذا اعتبرنا نظام التمويل بمثابة سلسلة من الروافع والبكرات، فإن الأموال الخيرية ليست فقط رافعة صغيرة، بل رافعة مرتبطة أيضاً ببكرات أكبر بكثير. على سبيل المثال، يحمل البنك الدولي في جعبته مبالغ كبيرة جداً من التمويل الذي يمكن تعبئته لمشاريع ثبُت نجاحها. يعد هذا المزيج من الأدلة وجهود المناصرة الفعاّلة أمراً مؤثراً للغاية.

ماذا يمكننا أن نفعل أيضاً لتلبية الاحتياجات التعليمية للاجئين الشباب؟
كيفن واتكينز: يتعلق الأمر بالاستجابة الدولية للتعليم التي اتسمت بالفوضوية. لا يزال هناك تصور بأن جائحة كوفيد-19 تمثل أزمة صحة عامة، لكنها في واقع الأمر أزمة تعليمية ستترك ندوباً عميقة وآثاراً مدمرة على الأطفال. فنحن ندرك أنه عندما يتم ترك أفقر الأطفال خارج المدرسة لمدة ستة أشهر، فسيترتب على ذلك فقدان فرصهم في التعلُم على المدى الطويل. لا يوجد زر يمكننا الضغط عليه لإرجاع الوضع إلى ما كان عليه. مع ذلك، لم يتم إنفاق أموال جديدة أو إضافية لجهود تعافي القطاع التعليمي على مستوى العالم.

نبذل الجهود لحث اللاعبين الرئيسيين على القيام بما كان عليهم فعله قبل عام وذلك ضمن خطة عالمية لوضع التعليم على مسار التعافي بحيث يكون اللاجئون مشمولين فيها. يعني ذلك تقديم التحويلات النقدية للحد من الفقر. ويعني أيضاً ضمان حصول الأطفال على التغذية السليمة. كما يعني القيام بتقييمات التعلم وبرامج التعلم السريع. ولذلك نرى أن هناك حاجة إلى ما يزيد قليلاً عن 50 مليار دولار لتحقيق كل ذلك.

ما الذي تأملون تحقيقه في عام 2021 فيما يتعلق بهذه القضايا؟
كيفن واتكينز: أولاً، أتمنى أن نشهد خلال هذا العام خطة عالمية تستهدف تعافي التعليم بحيث يحتل اللاجئون موقعاً بارزاً فيها. ولا أقصد هنا الإدلاء بالخطب البلاغية في مجموعة السبع أو مجموعة العشرين، فإن لم تكن هذه البيانات مدعومة بالتمويل والجهود المنسقة، فلا طائل منه. ثانياً، أشعر أننا نعيش في عالم بات يتسم بعدائية متزايدة تجاه اللاجئين، وعلينا أن نعترف بأن توفير التعليم والخدمات الأخرى لهذه الفئة يعتبر منفعة عامة ومسؤولية عالمية. لدينا جميعاً دور نؤديه لبناء تلك الروح الجماعية.

سونيا بن جعفر: في الواقع، أصبحت أزمات اللاجئين التي نشهدها اليوم أزمات ممتدة. فهي لم تعد تستدعي استجابة طارئة وإنما استجابة على المدى الطويل. وما لم نبدأ في التعامل معها على أنها كذلك، فسوف تؤثر علينا جميعاً بطريقة سلبية للغاية. أتمنى أن يتم إدراك تبعات أزمات اللاجئين وأثرها الاقتصادي على الشرق الأوسط وأن تقوم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتكثيف جهودها لتقديم المساعدة.

لنأحذ لبنان على سبيل المثال، الذي يعد واحداً من الدول التي تستضيف أعلى عدد من اللاجئين مقارنة بعدد السكان. وفي الوقت الذي يحاول فيه استيعابهم في نظام التعليم الحكومي المنهك بالفعل، لماذا لا تقدم الجهات المانحة الدولية المساعدة؟

كما أتمنى الاعتراف بأنه لا يمكن إعطاء قيمة نقدية لبعض الحقوق. إذا كنا نقول أن التعلم الرقمي والمساحات الرقمية هما الحل - ويجب أن يكونا كذلك إذا كنا نتوقع حدوث نزاعات مستقبلية وغيرها من أشكال التعطيل والاضطراب، فيجب أن يكون التركيز على كيفية جعلهما في متناول الجميع، فهذه هي الطريقة التي يمكننا من خلالها إيجاد حلول شاملة للجميع. – PA

اقرأ المزيد