التحديات العالمية تحتاج حلولاً عالمية

إيرنا سولبيرج ونانا آدو دانكوا أكوفو-آدو يتحدثان في هذه المقالة عن تداعيات جائحة فيروس كورونا ولماذا ستساعدنا أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بالخروج من هذه الأزمة وإعادة بناء حياتنا بشكل أفضل.


image title

تعصف بعالمنا اليوم أزمة حادة ذات أبعاد هائلة، إذ تعيث جائحة كوفيد-19 الفوضى وتخلف الأضرار في حياة الإنسان ومعيشته في كل بقعة من بقاع العالم. ولا شك أن الخسائر في الأرواح جراء الوباء مؤلمة، لكن ما يدعو للقلق كذلك هو أثر الأزمة على اقتصاد العالم وتداعياتها على آفاق التنمية المستدامة. فوفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن العالم قد دخل اليوم في حالة ركود اقتصادي، وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بالأثر النهائي للأزمة على الاقتصاد العالمي، إلا أن التقديرات الأولية تشير إلى خسائر بقيمة 2 ترليون دولار.

لقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن وجود خلل جوهري في النظام العالمي. فقد أثبتت لنا كيف يؤدي تفشي الفقر، وتراجع الأنظمة الصحية، ونقص التعليم، وقلة التعاون بين دول العالم إلى تفاقم الأزمة.

وإذا كانت هناك أية شكوك في أن عالمنا يواجه تحديات مشتركة بين كل البشر، فهذا الوباء هو الدليل القاطعالذي يبدد هذه الشكوك. لقد أكدت هذه الأزمة على واقع اعتمادنا المتبادل كدول ومجتمعات في عالم متكامل. كما أكدت على ضرورة أن يتخذ عالمنا خطوات جدية لتلبية الاحتياجات الأساسية لكل شعوب العالم، وإنقاذ كوكبنا، وبناء عالم يتصف بالمرونة عند الشدائد ويسوده الإنصاف. نحن نواجه تحديات عالمية مشتركة لا يمكننا التغلب عليها إلّا من خلال حلول عالمية نشارك بها جميعاً، ويجب ألٌا ننسى أنه في أزمة مثل هذه قوّتنا هي بقوة أضعف حلقة بيننا. وهذا ما تتمحور حوله أهداف التنمية المستدامة، فهي المخطط المبدئي لإنهاء الفقر، والحفاظ على بيئتنا، وضمان الازدهار لنا وللأجيال القادمة.

من المؤسف أن فيروس كورونا قد ضرب العالم في الوقت الذي بدأت فيه أهداف التنمية المستدامة تكسب المزيد من الدعم، وتمكن العديد من الدول من إحراز تقدم ملموس نحو تحقيقها. ومع انشغال العالم باحتواء الفيروس والتعامل مع آثاره السلبية، أصبحت الدول تعيد جدولة أولوياتها وتعيد تخصيص الموارد للحد من آثار الفيروس. وهذا هو التصرف الحكيم في مثل هذه الظروف لأن الأولوية الآن هي لإنقاذ الأرواح، وهذا ما يجب علينا فعله مهما كان الثمن غالياً.

لذا، يتوجب علينا جميعاً تلبية نداء الأمم المتحدة لزيادة زخم الاستجابة الصحية وتوسيع نطاقها للحد من انتشار الفيروس، وإنهاء الوباء، والتركيز على وقاية البشر، لا سيما النساء والشباب، والعمال ذوو الدخل المتدني، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، والقطاعات غير الرسمية، والفئات المهمشة التي هي في الأساس عرضة للمخاطر. عندما نعمل معاً يداً واحدة يمكننا إنقاذ الأرواح، واستعادة معيشتنا، وإعادة الاقتصاد العالمي إلى مساره الطبيعي.

لكن ما لا يمكننا التخلي عنه، حتى في مثل هذه الظروف الحرجة، هي الخطوات المرتبطة بالأهداف الأساسية للتنمية المستدامة، إذ لا يمكن فصل الاستجابة لجائحة كوفيد-19 عن أهداف التنمية المستدامة. بل على العكس، لأن تحقيق هذه الأهداف يضعنا على مسار يمكننا من خلاله التعامل بفعالية مع المخاطر الصحية والأمراض المعدية الناشئة عالمياً. فعندما تنجح الدول في تحقيق الهدف الثالث (الصحة الجيدة) من أهداف التنمية المستدامة، هذا يعني أنها رفعت من قدرتها على الإنذار المبكر، وتخفيض المخاطر، وإدارة المخاطر على المستوى الوطني والعالمي.

لقد كشف فيروس كورونا عن الأزمة الحاصلة في أنظمة الصحة العالمية. ومع أنه يضعف أو ينهي أية بوادر لتحقيق الهدف الثالث بحلول عام 2030، إلّا أن آثاره السلبية تطال في الحقيقة جميع أهداف التنمية المستدامة بالعمق.

ترسم لنا الأدلة الأولية الصادرة حول أزمة كورونا صورة قاتمة تدعو للقلق حول إمكانية تحقيق أهداف التنمية المستدامة في موعدها. فمثلاً، تشير تقديرات منظمة اليونسكو إلى أن عدد الطلاب الذين تأثرت دراستهم بالأزمة بلغ نحو 1.25 مليار طالب، ما يشكل تحدياً كبيراً للهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة (التعليم الجيد)؛ من جهتها، تشير منظمة العمل الدولي إلى أن ما يقدّر بـ 25 مليون موظف وعامل قد يخسرون عملهم، وستكون المعاناة الأكبر مع فئة العمالة غير الرسمية بسبب عدم توفر حماية اجتماعية لها. ولسوء الحظ، هذه الأخبار السيئة هي غيض من فيض، فالتداعيات الأكبر للأزمة لم تكتشف بعد.

إن ارتباط أهداف التنمية المستدامة بتفادي أو معالجة الأزمة الحالية يبدو جلياً عندما نرى أن جائحة كوفيد-19 تفاقمت في أجزاء عديدة من العالم حيث لم تتحقق بعد أهداف توفير المياه النظيفة للسكان أو الصرف الصحي (الهدف الثامن)، أو حيث تتفاقم أوجه عدم المساواة (الهدف العاشر)، والأهم من ذلك حيث يترسخ الفقر (الهدف الأول) وينتشر انعدام الأمن الغذائي (الهدف الثاني). ووفق تقديرات البنك الدولي، فإن الأزمة ستدفع بنحو 11 مليون شخص إلى الفقر.

وحتى في هذه المرحلة من انتشار الوباء، لا يمكننا التغاضي عن أن الأزمة في الحقيقة قد علمتنا جميعاً كمواطنين عالميين قيمة تكاتفنا مع بعضنا البعض، وأن لا نتخلى عن أي إنسان، وأن نعطي الأولوية لاحتياجات الفئات الأقل حظاً.

ما نحن بحاجة ماسة له الآن هو إرادة سياسية والتزام متجددان وقويان. نحن نمتلك الكفاية من المعارف والقدرات والابتكارات، وإذا كان لدينا القدر الكافي من الطموح، فسوف نتمكن من استجماع الموارد المطلوبة لتحقيق الأهداف.

لقد مكّنت روح التضامن التي سادت خلال هذه الأزمة الحكومات والشركات والمنظمات المتعددة الجنسيات والمجتمع المدني من جمع مليارات الدولارات – وأحياناً تريليونات – في أقصر وقت ممكن دعماً لجهود مكافحة الوباء. ولو علّقنا ذات المستوى من الأهمية والحاجة الملحّة على مكافحة الفقر والجوع وتغير المناخ، فسنحقق النجاح في مساعينا خلال هذا العقد من الزمن. — PA

 


عن الكاتبين

إيرنا سولبرغ هي رئيسة وزراء النرويج والرئيس المشارك لـ 'دعاة أهداف التنمية المستدامة' التابع لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة. أما نانا آدو دانكوا أكوفو-آدو، فهو رئيس جمهورية غانا، والرئيس المشارك لـ 'دعاة أهداف التنمية المستدامة'. وكانت هذه المقالة قد نشرت لأول مرة من قبل مؤسسة تومسون رويتيرز.


image title image title
تشكل جائحة كوفيد-19 تهديداً لما تم تحقيقه حتى الآن على صعيد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، كحصول الجميع على المياه النظيفة والتعليم.