تسليط الضوء على العاملات الصحيّات

تقود النساء الكفاح العالمي ضد الأمراض لكن قد حان الوقت لمنحهن المزيد من التقدير والتمويل، كما تقول ديانا يوسف من المعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية (غلايد).

تتحمل النساء في جميع أرجاء العالم العبء الاجتماعي والاقتصادي الناجم عن الأمراض المُنهكة، كالملاريا والعمى النهري والتراخوما، التي قد تتسبب في إبعاد الأطفال عن مقاعد الدراسة وقد تحول دون تمكّن الآباء والأمهات من العمل.

كما تقف النساء على الخطوط الأمامية في الحرب ضد هذه الأمراض، إذ يكافحن من أجل السيطرة على هذه الظروف المدمرة والتغلب عليها. فهن القلب النابض لأنظمتنا الصحية ويشكّلن سبعين في المئة من القوى العاملة الصحيّة على مستوى العالم.

لكن على الرغم من كل ذلك تغيب أصواتهن عن المناقشات الرئيسية ويتم التقليل من دورهن الحاسم في القضاء على الأمراض، وهو دور يعاني أيضاً من نقص التمويل.

في اليوم العالمي للمرأة، ينضم المعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية (غلايد) إلى المجتمع الدولي للاحتفاء بالنساء وأدوارهن الحاسمة كرائدات في الكفاح من أجل القضاء على الأمراض المدارية المُهملة وغيرها من الأمراض مثل الملاريا وشلل الأطفال.

وتم إطلاق معهد غلايد، الذي يقع مقره الإمارات العربية المتحدة، عام 2019 بتمويل بقيمة 20 مليون دولار من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس.

ويهدف المعهد إلى تسريع التفكير العالمي والتقدم المُحرز في القضاء على الأمراض مع التركيز بشكل خاص على الملاريا وشلل الأطفال وداء الفيلاريات اللمفاوي والعمى النهري. ويقوم المعهد بذلك من خلال توفير الدعم لتدريب العاملين الصحيين المجتمعيين، ومعظمهم من النساء، لتحفيز جهود القضاء على الأمراض المدارية المُهملة واجتثاثها من البلدان التي تتوطن فيها.

ويؤمن معهد غلايد أنه لا بد من الاعتراف بالنساء كعوامل للتغيير والاحتفاء بدورهن كرائدات في رحلة الكفاح من أجل القضاء على الأمراض المدارية المُهملة في جميع أنحاء العالم، وتسخير خبراتهن وتجاربهن من أجل الصالح العام.

image title
تشكل النساء 70 في المئة من القوى العاملة الصحية على مستوى العالم. الصورة: غيتي إميجيز.

"إذا كنا نسعى حقاً لتقليل عبء الأمراض مثل شلل الأطفال والملاريا والأمراض المدارية المهملة الأخرى، فنحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتمكين النساء والاعتراف بعملهن البالغ الأهمية كعوامل للتغيير".

ساهمت عاملات الصحة المجتمعية على الخطوط الأمامية بالفعل في السيطرة على العديد من الأمراض المدارية المُهملة والقضاء عليها تقريباً وأصبحن قاعدة الهرم الذي تقوم عليه الصحة العالمية. ولذلك من الأهمية بمكان أن يعكس التمويل المقدم للاستجابة للقضايا الصحية هذا الدور.

ففي باكستان على سبيل المثال، تشكّل النساء نحو ثلثي القوى العاملة على الخطوط الأمامية لتقديم اللقاحات ضد شلل الأطفال. فنجاح حملات التلقيح في بلد يعد فيه التردد في أخذ اللقاحات مشكلة لأسباب ثقافية ودينية يتوقف في أغلب الأحيان على استفادة هؤلاء النساء من شبكاتهن وعلاقاتهن لكسب تأييد المجتمعات المحلية. بل في الحقيقة، تظهر الدراسات أن تدخلات الصحة العامة وأنشطة التحصين تكون أكثر فعالية عندما يتم تنفيذها على أيدي النساء.

لكن رغم كل التقدير الذي تحظى به المرأة لقاء دورها في حملات التلقيح ضد شلل الأطفال التي تتم من منزل لآخر في باكستان وأفغانستان، تبقى معظمهن متطوعات فقط ولا يحصلن غالباً على أدوار في مجال تصميم البرنامج والإشراف عليها.

تلعب المرأة أيضاً دوراً مهماً في الوقاية من الملاريا ومكافحتها وعلاجها. فالنساء يشكلّن نحو 70 في المئة من العاملين الصحيين المجتمعيين على مستوى العالم ويلعبن دوراً حيوياً في اكتشاف الملاريا وعلاجها ومراقبتها، وهو ما أدى إلى إحراز تقدم كبير في مكافحة هذا المرض.

ويشمل عملهن المنقذ للحياة: التثقيف بشأن الوقاية؛ وتوزيع الناموسيات المعالجة بمبيدات الحشرات (والتأكد من تعليقها بشكل سليم)؛ والتخطيط للرش الموضعي للأماكن المغلقة؛ وإجراء فحوص التشخيص السريعة؛ وتقديم العلاج المضاد للملاريا.

ولذلك فإن الاستثمار في هؤلاء النساء وعملهن هو استثمار في الحد من الوفيات التي تسببها الملاريا. كما يُسهم في تقليل العبء الاجتماعي والاقتصادي الذي تتحمله النساء، اللواتي يقع على عاتقهن في العادة رعاية الأطفال وكبار السن لدى إصابتهم بالملاريا، وهو ما يمنعهن من العمل أو مواصلة الدراسة.

مع ذلك، وعلى الرغم من أن النساء هن العوامل المحفزة لتحقيق نتائج صحية أفضل على مستوى العالم، إلا أنه يتم - إلى يومنا هذا - تجاهُل جزء كبير من البحوث والحوارات السياساتية حول الدور المهم والفعّال الذي يقمن به. فضلاً عن ذلك، لا تزال المرأة غير ممثلة بالقدر الكافي في المناصب القيادية وتحصل على مستويات أقل من التمويل بشكل غير متكافئ مقارنة بنظرائها من الذكور.

وإذا كنا نسعى حقاً لتقليل عبء الأمراض مثل شلل الأطفال والملاريا والأمراض المدارية المُهملة الأخرى، فنحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتمكين النساء والاعتراف بعملهن البالغ الأهمية كعوامل للتغيير.

ولا يكفي الاحتفاء بإنجازات النساء في اليوم العالمي للمرأة. فقد حان الوقت لإسماع أصواتهن من خلال منحهن مقاعدهن الخاصة على الطاولة. – PA