لماذا لا يكفي الأمل وحده لإعادة بناء سوريا

يدعو الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان إيغلاند، المانحين الإقليميين إلى دعم العائدين إلى سوريا في بداية رحلة التعافي.

 في زيارة قمت بها مؤخراً إلى سوريا، رأيت آلاف العائلات تعود إلى مجتمعاتها، من داخل البلاد ومن الدول المجاورة. وهؤلاء أناسٌ مفعمون بالأفكار والآمال بعد أكثر من عقد من الصراع والنزوح والبؤس.

ولكن من اللامعقول هو أنه لا توجد أي مساعدة ملموسة لمعاونة الناس على إعادة بناء حياتهم ومنازلهم وسبل عيشهم بعد سنوات من الاستثمارات الضخمة في جهود الإغاثة الطارئة، وذلك حينما كانت العودة ليست أكثر من مجرد حلم بعيد المنال. ولذا، فإنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن يخذل السوريين الآن، ليس مع اقتراب التعافي.

في جميع أنحاء البلاد،  يمتد الدمار على مد البصر.

إنني التقيتُ بعائلات قد عادت من مخيمات النازحين فلم تجد شيئاً متبقياً من منازلها: لا جدران أو أبواب، لا كهرباء، لا مياه نظيفة، لا مدارس، ولا وظيفة تُُمكّنها من دفع تكاليف أي إصلاحات.

وبعضهم يعود ليجدوا منازلهم محتلة، ويجدون أنفسهم بدون آليات قانونية لاستعادة ما هو حقهم. وإنني التقيت بأطفال يتعلمون في فصول دراسية ذات أسقف وجدران متداعية، وهذا نتيجة لأضرار ناجمة عن سنوات الحرب.

هذه ليست طريقة للعودة، وهذه ليست طريقة لإعادة بناء سوريا؛ خاصة وأن هذه هي اللحظة التي كنا نتوق إليها جميعاً، أي اللحظة التي نتمكن فيها من دعم السوريين بالاستثمارات اللازمة للعودة بكرامة ولإعادة بناء حياتهم.

 إن الضغط على مناطق العودة قد ازداد بشكل كبير، وذلك مع مغادرة أكثر من 800,000 شخص لمخيمات اللاجئين في جميع أنحاء سوريا للعودة إلى ديارهم منذ ديسمبر من العام الماضي، وعودة ما يقارب هذا العدد أيضاً عبر الحدود من الدول المجاورة.

وتعمل المنظمات الإنسانية، بما في فيها منظمتي، المجلس النرويجي للاجئين، في المجتمعات المحلية لدعم إعادة بناء البنية التحتية للمياه، وإعادة تأهيل المدارس، وتقديم المساعدة القانونية. ولكن هذا لا يكفي.

إن التنافس الناتج عن ذلك على الموارد القليلة الموجودة سيؤدي إلى تأجيج الصراعات ويصعّب جهود الاندماج. وسوف تتفاقم التوترات المحلية بسبب نقص الخدمات المتاحة لمن يحاولون إعادة بناء حياتهم.

قال لي النازحون الذين قابلتهم في مخيمات إدلب إنهم يتوقون إلى اليوم الذي يمكنهم فيه من العودة إلى مجتمعاتهم المحلية؛ وتساءلوا: "لماذا لا تساعدوننا في إعادة البناء؟".

وبلا شك إن كل من أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج سوف يرتكبون خطأ استراتيجياً فادحاً إذا لم يغتنموا هذه الفرصة الحاسمة للاستثمار في حل إحدى أكبر أزمات اللاجئين والنزوح في العالم.

أزمة سوريا بالأرقام

عاد ما يقرب من 2.5 مليون سوري إلى ديارهم منذ 8 ديسمبر 2024، وهذا وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويشمل هذا العدد 779,473 سورياً عادوا من الخارج.

كما عاد نحو 1.7 مليون نازح داخلياً إلى ديارهم، بمن فيهم أكثر من 800 ألف نازح من مواقع النازحين داخلياً.

وتم تمويل 414 مليون دولار أمريكي فقط من أصل 3.2 مليار دولار أمريكي مطلوبة للاستجابة الإنسانية لسوريا لعام 2025، وهذا وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

إن الآن هي اللحظة الحاسمة، وإننا ندعو الجهات المانحة إلى الاستثمار في مشاريع التعافي طويلة المدى، بما في ذلك إعادة بناء البنية التحتية المدنية والمنازل.

ولدول الخليج على وجه الخصوص دورٌ حيويٌ أن تؤديه. وبالفعل قد تعهدت دولة قطر بتقديم دعم أساسي للمساعدة في إعادة تأهيل عدد من المستشفيات والمراكز الصحية، وساعدت المملكة العربية السعودية في تأمين تعهدات كبيرة من القطاع الخاص بتقديم دعم مالي. كما مهدت هذه الدول معاً الطريق لسوريا لتتمكن من تلقي تمويل من البنك الدولي. ولا شك إن دول الخليج تمتلك القدرة والنفوذ لصياغة مرحلة جديدة من إعادة البناء، ولتمهيد الطريق أمام دول أخرى للمساهمة في ضمان ترجمة الخطاب الداعم إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع.

هذه لحظةٌ للقيادةِ الجريئةِ ولتحقيقِ الوعود. وبعد أربعة عشر عاماً من الصراع، فإن السوريون يتوقون إلى إعادة بناء بلدهم وحياتهم؛ ويجب ألا يبقي هذا مجرد حلم. ولا يُُمكننا أن نساعد في تحويل حلمهم إلى واقعٍ ملموسٍ إلا إذا تحركنا الآن: فلا أحد سيكسب من ترك هذه اللحظة تفوت.

"لا يمكن للمجتمع الدولي أن يخذل السوريين الآن، ليس مع اقتراب التعافي"

إن الآن هي اللحظة الحاسمة، وإننا ندعو الجهات المانحة إلى الاستثمار في مشاريع التعافي طويلة المدى، بما في ذلك إعادة بناء البنية التحتية المدنية والمنازل.

ولدول الخليج على وجه الخصوص دورٌ حيويٌ أن تؤديه. وبالفعل قد تعهدت دولة قطر بتقديم دعم أساسي للمساعدة في إعادة تأهيل عدد من المستشفيات والمراكز الصحية، وساعدت المملكة العربية السعودية في تأمين تعهدات كبيرة من القطاع الخاص بتقديم دعم مالي. كما مهدت هذه الدول معاً الطريق لسوريا لتتمكن من تلقي تمويل من البنك الدولي. ولا شك إن دول الخليج تمتلك القدرة والنفوذ لصياغة مرحلة جديدة من إعادة البناء، ولتمهيد الطريق أمام دول أخرى للمساهمة في ضمان ترجمة الخطاب الداعم إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع.

هذه لحظةٌ للقيادةِ الجريئةِ ولتحقيقِ الوعود. وبعد أربعة عشر عاماً من الصراع، فإن السوريون يتوقون إلى إعادة بناء بلدهم وحياتهم؛ ويجب ألا يبقي هذا مجرد حلم. ولا يُُمكننا أن نساعد في تحويل حلمهم إلى واقعٍ ملموسٍ إلا إذا تحركنا الآن: فلا أحد سيكسب من ترك هذه اللحظة تفوت.