من النزاع إلى التعافي

قول جيمس كوان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «هالو ترست»، إن التمويل المستدام لأفغانستان ليس مجرد واجب أخلاقي—ولكنه واجب استراتيجي.

في وقت سابق من هذا الصيف، كنت قد عدت إلى ولاية هلمند—وهو مكان أعرفه جيداً؛ في عام 2009، كنت أقود القوات البريطانية هناك خلال فترة العنف الشديد. ولقد قُتل أربعة وستون من جنودي، وأصيب عدة مئات آخرون، بينما عدد الأرواح الأفغانية التي أزهقت خلال تلك الفترة هو غير معروف، ولكنه بالتأكيد يصل قدره إلى الآلاف.

وبالنسبة للعديد من الجنود البريطانيين، فإن حملة هلمند تُثير مشاعر مختلطة للغاية. ولقد تم نشرنا هنالك لحماية الشعب الأفغاني، وليس للقتل—وبالرغم من ذلك كان القتل بلا هوادة. ومع ذلك، فإنني أفتخر بحقيقة أنه خلال فترة وجودنا هناك، بدأت الأمور في التغيير للأحسن. وانخفضت الخسائر في الأرواح؛ وللحظة ما، بدا السلام في متناول اليد.

وعندما عدت من جولتي الأولى في هلمند، دعاني رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون لحضور أول اجتماع له لمجلس الأمن القومي. وكان من ضمن جدول الأعمال: قضية البقاء في هلمند أو الانسحاب. ولقد جادل بعض كبار السياسيين لأجل المغادرة. ولكن حثثتُ أنا وجنرال آخر على توخي الحذر—إذ كنا نعتقد أنه يجب علينا سيطرة أعصابنا والبقاء في هلمند. وفي النهاية اختار كاميرون مساراً وسطاً، وحدد عام 2014 كموعد للخروج. وتم تحديد التاريخ، ولكن كما أشارت جماعة طالبان مازحة: "لديكم الساعات، ولدينا الوقت".

وعلى مدار العقد الماضي، لقد ترأست مؤسسة «هالو ترست»، وهي أكبر مؤسسة خيرية لإزالة الألغام الأرضية في العالم، والتي نفذت أول—وأكبر—برامجها لإزالة الألغام في أفغانستان، وكانت العودة إلى هناك تجربة سريالية على أقل تقدير.

ولقد سافرنا بالطائرة إلى مدينة لشكر كاه أولاً، ثم سافرنا بالسيارة عبر ضواحي باباجي إلى مدينة شاه أنجير، حيث انضم إليَّ أحد مؤيدي مؤسسة «هالو ترست» الذي قاتل أيضاً في حملة هلمند. ووقفنا في نفس المكان الذي أصيبت فيه مجموعة قيادة فصيلته بقذيفة آر بي جي—مما أسفر عن مقتل جنديين وإصابة آخرين.

ومن هناك، سافرنا إلى مدينة كرشك ثم إلى مدينة سنجين، حيث قُُتل نصف الجنود الذين كانوا تحت قيادتي في بعض أعنف المعارك. وتوقفنا بجانب المياه الصافية لنهر هلمند، وشاهدنا فرق إزالة الألغام التابعة لمؤسسة «هالو ترست» وهم يعملون—أي ينقذون الأرواح في حقبة السلام أينما لم يكن هنالك سوى الحرب سابقاً. وواصلنا رحلتنا شمالاً نحو سد كاجاكي، ووصلنا إليها منتصف النهار.

وفي عام 2008، سلمت القوات البريطانية توربيناً جديداً إلى كاجاكي في عملية كانت مخططة بدقة. ولكن التوربين لم يعمل أبداً، بل ظل يصدأ لسنوات—حتى العام الماضي، وذلك عندما قامت مؤسسة «هالو ترست» بتطهير المنطقة من العبوات الناسفة المرتجلة. وسمح هذا ببناء خطوط الكهرباء من السد إلى مدينة قندهار. واليوم، بُنيت قاعة توربينات جديدة، وأخيراً بدأ التيار الكهربائي بالتدفق.

ومن المعتاد أن يتم تعليم الجنود ألا يستعدوا أبداً لحرب أخيرة؛ وفعلاً ليست أفغانستان أو ما سبقتها بالحرب الأخيرة. وكل أسبوع يجلب معه أزمة جديدة—أوكرانيا، غزة، سوريا، السودان. وفي عصر الطوارئ الدائمة هذا، فإن آفاق الانتباه تصبح قصيرة. ومن الذي لا يزال يهتم بأفغانستان؟

image title image title
جيمس وفريق هالو خلال زيارة إلى سد كاجاكي. الصورة: هالو ترست.

وفي اليوم الذي زرت فيه كاجاكي، كان حلفاء الناتو يجتمعون لوضع أهداف جديدة للإنفاق الدفاعي. وكان ذلك أيضاً هو اليوم التالي من بعد توسط الرئيس ترامب لوقف إطلاق نار هش بين إيران وإسرائيل. وبينما ترتفع الميزانيات العسكرية، فإنه يتم خفض ميزانيات المساعدات—مما يهدد عمل مؤسسة «هالو ترست» المنقذ للحياة.

وبصفتي جنديا سابقاً، فإنني أؤيد الإنفاق الدفاعي المسؤول. ولكن القوة العسكرية وحدها لا تكفي، إذ الاستجابة للأزمات دون الوقاية منها هي مكلفة وغير فعالة. ومن منطقة الساحل إلى ميانمار، فإن العالم يمر بأزمة شاملة. ولا يمكننا أن نشق طريقنا نحو السلام بالقنابل.

وتوظف مؤسسة «هالو ترست» 10,000 شخص ما حول العالم—منهم 1,000 في أفغانستان. وفي العام الماضي، كان هذا العدد 2,300، قبل أن يُحدث خفض المساعدات آثاره السلبية. وهذا اقتصاد زائف؛ إذ مقابل 2.7 مليون دولار فقط سنوياً، فإنه يمكن لأربعة ملايين أفغاني زراعة أراضيهم بأمان. وقد يبدو هذا المبلغ كبيراً—إلا إذا تأملنا في المليارات التي تُنفق سنوياً على إيواء المهاجرين، وكثير منهم أفغان، في الفنادق ونزل الشباب الأوروبية.

وفي ظل هذا المناخ الذي يتسم بتقلص ميزانيات المساعدات وتغير الأولويات السياسية، فإن العمل الخيري يلعب دوراً حاسماَ. وعلى العكس من التمويل الحكومي، الذي غالباً ما يكون قائماً على رد الفعل ومقيداً بدورات قصيرة المدى، فإنه يمكن للاستثمار الخيري أن يكون مرناً وطويل المدى واستراتيجياً للغاية.

ويمكن للاستثمار الخيري الحفاظ على الخدمات الأساسية عندما يتعثر الدعم المؤسسي، وتمويل الابتكار في البيئات الهشة، وتمكين المنظمات المحلية من القيادة. وفي أفغانستان، يمكن للدعم الخيري أن يضمن استمرار العمل المنقذ للحياة دون انقطاع—مثل عمليات إزالة الألغام في مؤسسة «هالو ترست».

ومن خلال دعم جهود الخطوط الأمامية والاستثمار في القدرة على الصمود، فإنه يمكن للأعمال الخيرية أن تساعد في سد الفجوة المتزايدة بين الاحتياجات الإنسانية والموارد المتاحة، مما يضمن أكثر من مجرد إحراز التقدم، بل الحفاظ عليه.

وما زلت على اتصال وثيق بمحاربي هلمند القدامى. ويتساءل الكثيرون عن معنى تضحياتهم؛ بعد كل هذا القدر من الدماء والثروة، كيف يمكننا الآن أن نتخلى عن الشعب الأفغاني بقطع المساعدات؟ وفي أحداث 11 سبتمبر، اضطر العالم إلى الانتباه إلى أفغانستان؛ ولا يمكننا تحمّل تكرار نفس الخطأ.