العد التنازلي لأزمة المناخ

تغير المناخ هو أكبر حالة طوارئ تواجه البشرية، بحسب إليانور دلانوي وتشارلز سيلين وآرثر غوتييه. ومع تقلص الفرصة المتاحة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لاحتواء هذه الأزمة، لا بد من تكثيف العطاء والعمل الخيري.

كانت حرائق الغابات التي اجتاحت أستراليا في عامي 2019 و2020 شرسة لدرجة يصعب فهمها. وبحلول نهاية شهر مارس، كانت قد أجهزت على أكثر من 72,000 ميل مربع من الأراضي، وأحرقت ما لا يقل عن 3,500 منزل، وتسببت في نفوق أكثر من مليار حيوان ودفعت ببعض الأنواع الحيوية إلى حافة الانقراض.

وقد أثار حجم الحرائق – الذي يعتبره الكثيرون مؤشراً أولياً لما سيحدث عند ارتفاع درجات الحرارة على الصعيد العالمي - تدفقاً عالمياً من الكرم والسخاء. وقامت مجموعة من المشاهير والشركات والأفراد بالتعهد بنحو 500 مليون دولار على شكل تبرعات لخدمات الإطفاء والمنظمات غير الربحية في البلاد.

وفي فبراير عام 2020، أعلن بيل غيتس أن المناخ سيصبح أولوية بالنسبة لمؤسسته وبعد ذلك بوقت قصير، أعلن جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، عن دخوله مضمار العمل الخيري بصندوق قيمته 10 مليارات دولار للتصدي للتحديات المتعلقة بالمناخ.

وعلى الرغم من أهمية هذه الأخبار، إلا أنه بعيداً عنها، تبقى قضية المناخ خارج جدول أعمال العديد من رواد العطاء والمحسنين، إذ لا تجذب سوى جزء صغير جداً من التمويل والتزامات المانحين. بل تطغى على قضية الاحتباس الحراري في الغالب الأزمات البيئية التي تحظى بتغطية إعلامية أفضل كحماية المحيطات أو تحسين جودة الهواء - وهي جميعاً قضايا مرتبطة بها ولكنها لا تتداخل معها.

وفي عام 2015، جاء 0.1 بالمئة فقط من التمويل الذي تم تقديمه على مستوى العالم للتصدي لقضايا المناخ من الأعمال الخيرية. وفي العام نفسه، قدم أعضاء جمعية مقدمي المنح البيئية - وهي مجموعة من رواد العطاء والمؤسسات الرائدة التي تركز على حماية البيئة - منحاً بلغ مجموعها 1.54 مليار دولار. مع ذلك، لم يتم تخصيص سوى 142 مليون دولار من تلك الأموال للإجراءات المتعلقة بالمناخ.

وقبل وقت قصير، أفادت دراسة أجرتها مؤسسة ’كلايمت وركس‘ ClimateWorks، التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، أن أقل من 2 بالمئة من التمويل الخيري العالمي الذي تم تقديمه في عام 2019 والبالغ 730 مليار دولار قد تم توجيهه نحو التخفيف من آثار تغير المناخ.

وعلى الرغم من أن المجتمع المدني قد كثّف جهود الدعوة والمناصرة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التبرعات الخيرية لم تسر على نفس المنوال. فعلى سبيل المثال، يوجه الأمريكيون 3 بالمئة فقط من تبرعاتهم للقضايا البيئية، وهو ما يعني أنهم يتبرعون بنسب أقل لقضية المناخ بمفردها.

ويتعارض هذا العجز بشكل كبير مع حجم التمويل اللازم للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وخفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر والبالغ نحو 50 تريليون دولار. فالاستثمار العالمي الذي تم تحديده في تقرير صدر في أكتوبر عن مؤسسة ’مورغان ستانلي‘ (Morgan Stanley) يتطلب توفير التمويل لتقنيات الطاقة المتجددة والوقود الحيوي وغيرها حتى عام 2050، وذلك من أجل إزالة ما يعادل 53.5 مليار طن متري من ثاني أكسيد الكربون سنوياً.

وبالإضافة إلى العواقب الاجتماعية والبيئية للإخفاق في التصدي لتغير المناخ، أشار التقرير إلى أن ارتفاع درجة الحرارة إلى ما يزيد عن درجتين مئويتين – وهو الحاجز المنصوص عليه في اتفاقية باريس - قد يؤدي إلى خسارة ما بين 10 إلى 20 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2100.

خارج دائرة الاهتمام

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا توجد هذه فجوة بين ما تتسم به قضية المناخ من أهمية ملحّة وضعف استجابة المانحين لها؟

يرجع ذلك جزئياً إلى أن الكثيرين منا يفضلون تقديم المنح والهبات لقضايا يمكنهم لمس نتائج عطائهم لها. فالطبيعة المعقدة والمتغيرة لتغير المناخ تتطلب مزيداً من التفكر والدراسة من قبل المانحين مقارنة بقضايا أخرى يسهُل فهمها، كتقديم المساعدة لضحايا كارثة طبيعية.

كما غالباً ما يكون الدافع وراء تقديم التبرعات هو الشفقة والتعاطف مع المتضررين - في حين يُنظر إلى تغير المناخ في كثير من الأحيان على أنه تهديد بعيد من دون ضحايا مباشرين في الوقت الحالي. ويُلاحظ هذا التناقض أيضاً لدى الدول التي تتخذ مبادرات قوية لتقليل انبعاثات الكربون بينما تواصل في الوقت ذاته تصدير المواد الهيدروكربونية التي تشكل جزءاً كبيراً من ناتجها المحلي الإجمالي.

تترك هذه اللامبالاة تأثيراً سلبياً هائلاً. فأزمة المناخ تشكل خطراً شديداً على كوكبنا قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وجعل أنماط الطقس أكثر شدة وقسوة، مما سيلحق الضرر بأفقر المجتمعات وأكثرها ضعفاً. وفي ظل هذه التهديدات من حرائق الغابات المستعرة إلى الجفاف والفيضانات وندرة الغذاء والمياه والهجرة البشرية الجماعية تصبح الحاجة إلى اتخاذ إجراءات جريئة ومتضافرة وفعّالة بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري أمراً ملحّاً.

"يتعارض هذا العجز بشكل كبير مع حجم التمويل اللازم للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وخفض صافي انبعاثات الكربون إلى الصفر والبالغ نحو 50 تريليون دولار".

image title

عكس المسار

يلعب رواد العطاء دوراً رئيسياً في التصدي لتغير المناخ، وقد بدأ المزيد منهم بتلبية النداء. فقد رصدت المنظمات غير الربحية، ومن بينها مؤسسة ’كلايمت وركس‘، زيادة في التمويل، حيث أفادت تقديراتها أن الجهات المانحة، الكبيرة منها والصغيرة، تساهم اليوم بأكثر من 7 مليارات دولار سنوياً في إطار الجهود الرامية للتصدي لأزمة المناخ.

وعلى الرغم من أن هذه الجهود ما تزال بعيدة عن الزخم المطلوب، لكننا نشهد توجهاً تصاعدياً وهو في تزايد في جميع أنحاء العالم.

ففي الصين حيث يعزز ظهور طبقة فاحشة الثراء تقاليد العطاء الراسخة هناك، بدأت قضية المناخ تكتسب بعض الاهتمام أيضاً. فقد اتخذ الملياردير نيو جينشنغ، مؤسس مؤسسة ’لاو نيو‘ Lao Niu Foundation وأحد الموقعين على تعهّد العطاء، له مكانة كشخصية رئيسية في العطاء وعمل الخير في مجال البيئة، حيث قام  بتمويل مشاريع حفظ الأراضي الرطبة والتخضير وغيرها.

في أثناء ذلك، تعهدت سيدة الأعمال هي كياونف التي تتخذ من بكين مقراً لها بتقديم 1.5 مليار دولار لحماية التنوع البيولوجي، بدءاً بتقديم 20 مليون دولار للمساعدة في حماية نمور الثلوج الصينية وغيرها من القطط الكبيرة الحجم.

وعلى الرغم من أن تغير المناخ لا يحظى باهتمام كبير في الهند، إلا أن التهديد المتزايد الذي يشكله على المنطقة قد دفع بعض رواد العطاء إلى التحرك. يعتقد فيديا شاه، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ’إيدل غيف‘ (EdelGive)، التي شاركت في إطلاق المبادرة التعاونية المعنية بالمناخ في الهند Indian Climate Collaborative، وهي مجموعة تسعى لتوجيه التمويل والأضواء على تغير المناخ في الهند، أن كل هذا سيتغير لا سيما أنه بات من الصعب تجاهل آثار الاحتباس الحراري.

وعن ذلك قال: "نادراً ما تركز المؤسسات الخيرية في الهند على المناخ، ولكن أنشطتها الرئيسية ستتأثر بتبعات تغير المناخ، كقدرة المجتمعات الريفية على الصمود أمام الأعاصير، على سبيل المثال".

فرصة لاتخاذ إجراءات ملموسة

في الشرق الأوسط، حيث تبعث التنبؤات بالأثر المترتب على الاحتباس الحراري على القلق، شقت القضية طريقها إلى جداول أعمال الشركات والحكومات. ففي يناير، احتل التصدي لتغير المناخ مركز الصدارة في أسبوع أبوظبي للاستدامة، وهو منتدى افتراضي لصناعي القرار والمستثمرين والمبتكرين العالميين، بينما تعهدت دولة الإمارات العربية المتحدة بتلبية أكثر من نصف احتياجاتها من الكهرباء من مصادر نظيفة بحلول عام 2050.

كما كشفت صناديق الثروة السيادية في المنطقة، بما في ذلك تلك الموجودة في المملكة العربية السعودية وصندوق مبادلة في أبوظبي عن تدابير ملموسة لجعل استثماراتها صديقة للبيئة، من بينها تمويل حلول الطاقة المتجددة والتكنولوجيا النظيفة - وهو تحوّل ضروري للحد من اعتماد المنطقة على الوقود الأحفوري. 

وهناك العديد من الطرق التي يمكن للعطاء أن يسهم من خلالها بالدفع بهذا الاتجاه. وتشمل هذه الطرق دعم المنظمات غير الحكومية، على سبيل المثال، من خلال إنشاء شبكات الخبراء أو إطلاق المبادرات التعاونية في أوساط المانحين، وتمويل البحوث وإنتاج البيانات كمبادرة كينغ لمواجهة تغير المناخ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وتشجيع المبادرات المحلية والاستثمار في الشركات التي تقدم حلولاً لأزمة المناخ.

تقف منطقة الشرق الأوسط اليوم على الخطوط الأمامية في مواجهة تغير المناخ. فوفقاً لمعهد الموارد العالمية، تقع 12 دولة من الدول الـ 17 التي تعاني من الإجهاد المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما يقدّر البنك الدولي أن ندرة المياه المرتبطة بتغير المناخ ستكلف المنطقة من 6 إلى 14 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي بحلول عام 2050.

وسيتطلب عكس هذا المسار أن تقوم العديد من الجهات الفاعلة بتقديم الدعم في وقت أصبحت فيه الفرصة الممنوحة للعطاء والعمل الخيري للمساهمة أكبر من أي وقت مضى. فمن خلال اتخاذ خطوات فعّالة في الوقت الحالي، يمكن للمانحين المساعدة في إحداث التغيير وتحفيز إيجاد الحلول والإسهام في إطلاق العنان لمستقبل آمن ومزدهر ومستدام لسكان المنطقة وخارجها. - PA