براعم خضراء

بعض المنظمات غير الربحية والشركات الخاصة تتصدى لجذور الفقر المتعمق بين صفوف صغار المزارعين في الهند.

لا شك أن الوقت قد حان للنهضة الاقتصادية التي تشهدها الهند منذ سنوات عديدة، والتي يصفها البعض بالمعجزة الاقتصادية أن تعود بالنفع على أنحاء مختلفة من شبه القارة، مثل "يلوفاهالي". هذه القرية التي لا تبعد أكثر من مسافة 108 كيلومترات عن بنغالور - القلب النابض لثورة التكنولوجيا في الهند - هي موطن للعشرات من صغار المزارعين الذين يكافحون للحصول على لقمة العيش من مساحات صغيرة من الأرض. 

يكاد لا يكفي الحصاد السنوي الذي يجنيه شيفانا، البالغ من العمر 50 عاماً، لإطعام أسرته، كما أنه يُعتبر شحيحاً إذ لا يوفر لهم الغذاء خلال فترة الجفاف التي تتربص بهم كل ربيع. وعند محاولته رفع إنتاجية الأرض، اضطر شيفانا لتحمل عبء الديون من أجل شراء السماد الكيماوي. وعن ذلك، يقول: "قلَّت الأمطار بشكل كبير، خاصة خلال الأربع أو الخمس سنوات الماضية. كما أصبح الصيف أشد حرارةً … ما يعني نضوب مياه البرك في القرية قبل انقضاء فصل الجفاف".

سوء حظ شيفانا هو شاهد على حقيقة تدعو إلى القلق، وهي أن الهند، رغم طموحاتها وصعودها كعملاق اقتصادي على الصعيد العالمي، لا تزال تتخبط في محاولتها لتحسين حياة الفقراء من المزارعين في الأرياف.

ويسكن ما يعادل 70 بالمئة من سكان هذه الدولة الآسيوية البالغ تعدادهم 1.2 مليار نسمة اليوم في المدن الصغيرة والقرى، ويعاني الكثير منهم من فقر مدقع. كما يعيش ثلاثة من كل خمسة هنود بالقرب من خط الفقر الذي يعادل 1.17 دولار في اليوم، في حين ما تزال نسبة النمو في القدرة الشرائية لـ 40 بالمئة من أفقر سكان الهند منخفضة مقارنة بمعدل نمو القدرة الشرائية على الصعيد الوطني. وفي الوقت الذي تنعم فيه فئة نخبة حضرية محدودة من الهنود برغد العيش، فشلت فئة أخرى من الهنود في الالتحاق بركب الثراء الذي أدى إلى تحول بارز في المدن. وينتمي معظم صغار المزارعين إلى المعسكر الثاني.

ويقول سوميتر بروكا، مسؤول السياسات لدى مكتب آسيا-المحيط الهادي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة: "إن نمط النمو الاقتصادي غير متماثل … إذ لم يحظ بثمرة النمو هذا سوى أولئك الذين يمتلكون شيئاً من المؤهلات الدراسية أو بعض المهارات، أو أصحاب رأس المال".

ويعمل أكثر من نصف سكان الهند في الزراعة، لكن هذا القطاع لا يشكل إلا حوالي 13 بالمئة من حجم الاقتصاد. ويفيد بروكا بقوله: "بالكاد يستطيع الكثير من فقراء الأرياف القراءة والكتابة، كما أنهم معزولون جغرافياً عن باقي البلاد. ولا يمتلكون الكثير من الخيارات. فواحد بالمئة من سكان الهند فقط قد تغيرت حياتهم للأفضل".

وتتضح معالم هذا التباين الاقتصادي بشدة في معظم قرى الهند، حيث يعيش المزارعون في أراضٍ متناثرة من دون خدمات ماء أو كهرباء. كما تستفحل الأميّة، ويعتمد المزارعون على الغريزة للقيام بأعمالهم اليومية.

وفي ظل انعدام الموارد المالية وصعوبة الحصول على القروض، لا يتمكن إلّا القليل منهم من الاستعانة بطرق الزراعة الحديثة أو الحصول على معدّات وأدوات زراعية حديثة. وتعتمد أكثر من نصف الأراضي المزروعة في الهند على الأمطار عوضاً عن الري، وهكذا تبقى المحاصيل من القطن والأرزّ تحت رحمة أمطار المونسون الموسمية. وحتى لو حالف الحظ المزارعين، فإن ضعف المحاصيل الزراعية يظل حقيقية ثابتة.

كما تشير البيانات الحكومية إلى حقيقة مقلقة. فهي تفيد بأن هناك ما يزيد عن 15,400 حالة انتحار بين مزارعين منعهم الجفاف من تسديد ديونهم في العام 2012 وحده. وهنا يحذر بروكا قائلاً: "الزراعة مهنة صعبة وشاقّة جداً … إلى درجة المجازفة بالنفس، إن كان بالتعرض للإصابات أو حتى الموت، ولذلك لا يجب النظر إليها من منطلق رومنسي إطلاقاً".

"إن نمط النمو الاقتصادي غير متماثل … إذ لم يحظ بثمرة النمو هذا سوى أولئك الذين يمتلكون شيئاً من المؤهلات الدراسية أو بعض المهارات، أو أصحاب رأس المال".

سوميتر بروكا، مسؤول السياسات، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

يتطلب التعامل مع هذا الوضع إعادة تنظيم شاملة لقطاع الزراعة في الهند، ابتداءً بأفقر المزارعين. "صندوق المساعدات الاسكتلندي الكاثوليكي العالمي" (SCIAF) هو إحدى المنظمات الخيرية التي تبحث في جذور مشكلة الفقر في الأرياف وتحاول أن ترفع من دخل صغار المزارعين. وتتعاون المنظمة مع المنظمات غير الربحية في شمال وجنوب الهند لتحسين مهارات هؤلاء المزارعين، والرفع من إنتاجهم عن طريق تقنيات أساسية، كما تمول قروضاً صغيرة بشكل جزئي لمساعدتهم في شراء البذور أو المعدّات الجديدة. بالإضافة إلى هذا، تعمل هذه المنظمات على جمع المزارعين ضمن تعاونيات، ما يمكّنهم من اكتساب قدرة اقتصادية تسمح لهم بالتفاوض مع التجار الذين يشترون محاصيلهم ومع السلطات أيضاً. 

ويقول برسي باتريك، مدير البرامج لدى المنظمة في الهند: "يواجه غالبية المزارعين المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ذاتها. لكن عندما يوحدون جهودهم في التجارة أو عند التحدث مع الحكومة المحلية، يصبح احتمال ايصال صوتهم أكبر". 

وتعمل المنظمة مع أكثر من 3,400 أسرة في أرجاء الهند، بالأخص في مقاطعات جهارخاند، وتاميل نادو، وكارنتاكا. وتتشكل غالبية هذه الأسر من خمسة أفراد وما فوق، تعيش كل منها على أقل من هكتارين من الأرض وبضعة دولارات من الدخل في اليوم. وتمثل النساء أكثر من نصف هؤلاء المزارعين، كما أن  معظمهم أُمّيون.

وتلعب التعاونيات دوراً إضافياً كمصدر للاقتراض أو من خلال تقديم برامج للادخار. فالمصارف النظامية تتحفظ كثيراً على مدّ المزارعين الهامشيين بالقروض بسبب عدم امتلاكهم لأية أصول يمكن اللجوء إليها في حال عدم السداد. ولهذه الأسباب، يعاني هؤلاء المزارعون كثيراً لإيجاد النقد اللازم لشراء البذور والسماد عند اقتراب موسم زرع البذور. وكبديل للمصارف يقع البعض من هؤلاء المزارعين في فخ المُقرِضين الأفراد الذين يشترطون فوائد عالية جداً وبإمكانهم المطالبة بكامل المحصول أو حتى الأرض إن فشل المزارع في تسديد القرض في موعده المحدد.

ويقول باتريك: "مع التعاونيات قد تدفع نسبة مئوية صغيرة كفائدة، لكنها تظل أكثر أماناً من التعامل مع المُقرِضين الانتهازيين … نشجع التعاونيات على اتباع سياسة ادخار النقود بين أعضائها، ويمكن إنفاق هذه النقود ليس على الزراعة فحسب، بل على التعليم أو الصحة أو أي غرض آخر. 

ويوضح باتريك بأن بعض أهم المكاسب جاءت بفضل تحسين طريقة الوصول إلى مياه الري، ويتم هذا الأمر إما عن طريق إعادة إحياء برك أو أحواض المياه المشتركة، أو حفر الآبار، أو تشييد سدود صغيرة لحجز مياه الإمطار. ويقول: "تعتمد هذه القرى بشكل كلي على مياه الأمطار. فإن استطعنا تحسين عملية الوصول إلى المياه، يمكن لبعض هؤلاء المزارعين زراعة محصول ثاني أو حتى ثالث كل عام، أو يمكنهم إنشاء حديقة خضروات صغيرة لمطبخهم، مما يعني أنهم لن يكونوا معتمدين كلياً على حصاد واحد في السنة، بل سيتوفر لهم الغذاء على فترات أطول على مدى العام".

كما تقدم بعض شركات التكنولوجيا الناشئة حلولاً مبتكرة في قطاعي المشاريع الاجتماعية والأعمال المربحة ذات أثر على صغار المزارعين. وتُعد "ديجيتال غرين" (Digital Green) التي تأسست كشركة تابعة لـ "بحوث مايكروسوفت" (Microsoft Research) من الأمثلة على ذلك، حيث تعمل اليوم مع المزارعين في كافة أنحاء الهند. وتقوم الشركة بإنتاج أفلام فيديو تعليمية قصيرة توضح كيفية تطبيق مهارات زراعية معينة أو تقنيات زراعية حديثة، وتعرض هذه الأفلام لمجموعات من المزارعين في مختلف القرى. ويقوم مزارعون محليون بأداء الأدوار في هذه الأفلام، وتُسجل على كاميرات بسيطة وتُعرض باستخدام آلات عرض بحجم الجيب. وتهدف هذه الأفلام إلى حث المزارعين على تبني أساليب حديثة، وتُستخدم الأسئلة التي يطرحها المزارعون خلال العرض لتحضير المواد للأفلام التالية. وأهم ما يميز هذه الفكرة أنها تتخطى عقبة كبيرة وهي الأمية التي يعاني منها ما يقدر بـ 40 بالمئة من سكان الهند. 

ويوضح ريكن غاندي، الرئيس التنفيذي لـ "ديجيتال غرين"، قائلاً: "إذا كنا نعرض فيديو عن المواشي، وطرح أحد المزارعين سؤالاً عن مكافحة الآفات التي تهدد زراعة القرنبيط مثلاً، فهذا قد يساهم في تحديد موضوع الفيديو القادم الذي سنصوره. لكن السؤال الأول عادة ما يكون عن اسم الشخص الذي ظهر في الفيديو ولأية قرية ينتمي، إذ أن العامل المحلي مهم جداً".

وقد شاهد أفلام "ديجيتال غرين" لغاية اليوم ما يزيد عن 150,000 مزارع في الهند وغانا وأثيوبيا، ويحتوي أرشيف الشركة على أكثر من 2,600 فيلم فيديو. ويحظى المشروع بتمويل جزئي من مؤسسة بيل ومليندا غيتس ومؤسسة فورد الخيريتين، وتقدر كلفة جعل مزارع يتبنى ممارسة جديدة واحدة بين 3.5 و4 دولارات. ويضيف غاندي: "يحتاج المزارعون إلى رفع إيراداتهم من المحصول الذي يزرعونه. يُعتبر هذا الأمر صعباً، لكن تعليمهم ممارسات أفضل يساعدهم على تحقيق هذا الهدف".

وتقوم شركة تكنولوجيا أخرى تدعى "رويترز ماركت لايت" (RML) باختراق قرى الهند. فنظراً للنسب العالية لانتشار استخدام الهواتف النقالة في البلاد، تُستخدم خدمة الرسائل النصية القصيرة (SMS) لإرسال معلومات عن أسعار المحاصيل وتوقعات الطقس ونصائح عملية للمزارعين. ولقاء ما يعادل 1.6 دولار في الشهر، حيث يتلقى المشتركون في المناطق الريفية ثلاث أو أربع رسائل في اليوم على هواتفهم النقالة، ويكون محتوى هذه الرسائل متناسباً مع نوع المحصول الذين يقومون بزراعته وموقعهم. 

ويوضح آميت مهرا، الرئيس التنفيذي لشركة "رويترز ماركت لايت"، قائلاً: "نعمل على تغطية كل ما يحتاجه المزارع من معلومات، من مرحلة ما قبل زرع البذور إلى ما بعد الحصاد، ليتمكن من اتخاذ قرارات أفضل. نتابع صعود وهبوط الأسعار، ونحذر المزارعين في حال بدء تفشي مرض في محصول ما، ونعلمهم إن كان السوق سيغلق يوم الثلاثاء القادم. إنها معلومات محددة جداً".

ويقوم فريق نشط يصل عدد أعضائه إلى 400 مراسل يجوبون الأسواق لإرسال المعلومات لحظة تلقيها من مصادرها بجمع هذه المعلومات. وقد حظيت هذه الخدمة بقبول واسع، حيث بلغ عدد المشتركين فيها 1.3 مليون مزارع من أكثر من 50,000 قرية، لكن الشركة تفيد بأنها تكافح لكي تصل إلى أفقر المزارعين. ويقول مهرا: "لا نزال نعمل لإشراك الفئات الأفقر من المزارعين، فبالرغم من الكلفة المتدنية للخدمة قد يعتبرها البعض غير اقتصادية". 

وتقوم الشركة بدراسة جدوى إطلاق اشتراك بالخدمة لفترات أقصر بكلفة أقل تغطي موسم الحصاد فقط لتشجيع هؤلاء المزارعين. كما تقوم بمحادثات مع الحكومات المحلية بهدف دعم كلفة الاشتراك في الخدمة. وفي حالة إيصال الخدمة إلى جمهور أكبر من المزارعين، ستغدو المنافع أهم بالنسبة للشركة ولصغار المزارعين في الأماكن النائية على حد سواء. ويقول مهرا: "يستفيد المزارعون الحديثو العهد بالزراعة، حيث ترتفع أسعار محاصيلهم بمعدل 9 بالمئة عند استخدامهم لمعلوماتنا. كما حظي المشتركون الذين قاموا بالبيع مباشرة للتجار بزيادة في السعر قدرها 8 بالمئة".

ويفيد جاسويندر سنغ، وهو يعمل في زراعة البطاطس والأرُزّ، بأنه استخدم المعلومات التي تلقاها من خدمة الرسائل النصية في الحصول على سعر أفضل لمحصوله. ويقول: "اقترح علي أحد التجار المحليين مبلغ 365 روبية (5.90 دولار) للشوال الواحد من محصولي من البطاطس. لكن بما أنني كنت أعلم بالسعر المتداول في السوق، تمكنت من بيع الشوال بسعر 427 روبية".

وقد تشكل مشاركة شركات القطاع الخاص مع المنظمات غير الربحية عاملاً حاسماً في مسألة تطور ونمو قطاع الزراعة في الهند. فقد ضخت الدولة مليارات الدولارات في شتى أشكال الدعم في المناطق الريفية في محاولة لتخفيف الأضرار الناتجة عن ندرة مياه الري، وتضارب الأسعار والنقص الكبير في البنية التحتية. لكن هذه الجهود لم تثمر إلّا القليل من جهة تحسين قطاع الزراعة بشكل عام. ويعود السبب جزئياً إلى الفساد المستفحل ونقص الكفاءات.

ويعلق برسي باتريك، بقوله: "توجد مخططات لدعم المزارعين، لكن المشكلة تكمن في المساءلة، إن كان على صعيد تخصيص التمويلات أو الفساد ... هذا على افتراض أن المزارعين على علم بمثل هذه الخطط وبكيفية التقدم بالطلب للحصول على المساعدات".

وفي هذا السياق يسرد باتريك قصة حدثت عندما قامت منظمة محلية غير ربحية شريكة تدعى "براكروتهي" بمساعدة أكثر من 500 أسرة في ولاية جهارخاند على ملء وتقديم الطلبات للحصول على بطاقات تموين تمكن حاملها من شراء مواد غذائية مدعومة من الدولة من متاجر "الأسعار المعتدلة". وبعد انقضاء عام كامل على استلام الطلبات كانت السلطات المحلية في عاصمة الولاية، رانشي، لا تزال بصدد إصدار أول بطاقة. ويضيف باتريك: "لدى لقائنا بالمسؤولين المعنيين، أعلمونا بأنهم قد استلموا الطلبات، لكنه لم يكن في حوزتهم أية بطاقات تموين جديدة". واستمر الحال كما هو عليه لمدة ثلاثة أعوام.

"تبقى النساء في وضعية مهملة ... فعلى الرغم من اهتمامهن بكل شؤون الأرض وتوليهن مسؤولية غالبية الإنتاج الزراعي، إلا أنه لا يتم الاعتراف بهن كمزارعات".

سابيتا باريدا، منسقة مشاريع، أوكسفام الهند.

تدرك المنظمات غير الربحية أنه عليها أن تحاول ممارسة الضغط أو التأثير على الحكومة لوضع سياسات أفضل في قطاع الزراعة. وتشمل هذه المنظمات "أوكسفام الهند"، التي تساعد 69,000 مزارع من خلال عملها مع مجموعة من الشركاء المحليين، وهي تستخدم الدلائل التي تعثر عليها على أرض الواقع في محاولة لحمل السلطات على إعادة النظر أو إجراء تعديلات في عمليات الدعم والتمويل. وتضم أولويات المنظمة الرفع من إمكانية وصول صغار المزارعين إلى صناديق الاستثمارات العامة وتحسين حقوق النساء المزارعات.

وتقول سابيتا باريدا، وهي منسقة المشاريع المتعلقة بالزراعة الصغيرة وتغير المناخ: "لا ينضم [صغار المزارعين] في الغالب إلى برامج دعم البذور أو الآلات الزراعية، إما لأن الأراضي التي في حوزتهم ليست كبيرة بما فيه الكفاية أو لعدم حصولهم على المعلومات الصحيحة [عن هذه البرامج] … هذا الوضع أشبه بالمتاهة، لهذا هم يكافحون، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية النائية".

وتعاني النساء المزارعات بالأخص من الإهمال المفرط، بالرغم من أنهن مسؤولات عما يقدر بـ 70 بالمئة من مجمل الأنشطة الزراعية. وغالباً ما تمنعهن موازين القوى التقليدية من تشارك ملكية الأرض مع أزواجهن. ومن دون وثيقة الملكية، تجد النساء المزارعات أنفسهن في دائرة مغلقة، حيث لا يسمح لهن بالاستفادة من برامج التدريب الزراعية التي تقدمها الدولة أو المواد المدعومة أو القروض. ويزداد الوضع تعقيداً إن أصبحت أحدهن أرملة أو في حالة انتقال زوجها للبحث عن عمل موسمي في إحدى المدن المجاورة. وتضيف باريدا: "تبقى النساء في وضعية مهملة ... فعلى الرغم من اهتمامهن بكل شؤون الأرض وتوليهن مسؤولية غالبية الإنتاج الزراعي، إلا أنه لا يتم الاعتراف بهن كمزارعات".

تسعى "حملة آروه" التي تديرها أوكسفام في ولاية أوتار براديش الشمالية إلى رفع نسبة الملكية المشتركة وإزالة المحرمات الثقافية بهذا الشأن. وساعدت هذه الحملة منذ العام 2011 أكثر من 600 امرأة مزارعة على اكتساب حق المشاركة في امتلاك الأراضي. ويعود الفضل في تحقيق ذلك إلى حشد جهود المجتمع المحلي لمنح النساء في تلك القرى المهمشة صوتاً واحداً. 

وتزداد الضغوطات على الحكومة الهندية لجعل مصالحها الاقتصادية تتناغم مع مصالح المجتمعات الريفية الفقيرة. وسيتطلب هذا الأمر، من وجهة نظر باريدا، الاستثمار في تعبيد الطرق الريفية وبناء منشآت التخزين، إضافة إلى إتاحة الوصول لبذور وأسمدة من نوعية جيدة والاستخدام الواسع النطاق لأنظمة ري قادرة على زيادة إنتاج المحاصيل لكل قطرة ماء. ويمكن للمنظمات غير الربحية وشركات القطاع الخاص المساهمة في هذه الجهود - وهي بالفعل تقوم بذلك - لكن ضخ الأموال الضرورية لتحسين أحوال فقراء الأرياف تبقى من اهتمامات ومسؤولية الدولة.

وتختتم باريدا بقولها: "لا يستفيد الجميع من النمو الاقتصادي في الهند، إذ ما يزال المزارعون يعانون من الإهمال. وستزداد الفجوة عمقاً إذا لم يقم القطاع العام بالاستثمار في الزراعة، فهو السبيل الوحيد أمام الهند لتحقيق نمو شامل". –PA