تطوير التعليم للارتقاء بالهند

عظيم بريمجي هو الرجل الأكثر سخاءً في الهند، إذ تبرع بأكثر من 8 مليارات دولار من ثروته الخاصة لمؤسسته الخيرية التي تحمل اسمه. وهو يحدثنا في هذه المقابلة الحصرية عن مهمته المتمثلة في النهوض بالتعليم الرسمي، ومساعدة جيلٍ جديد من رواد العطاء في الهند على إحداث تغييرٍ إيجابي.

عظيم بريمجي هو رئيس مجلس إدارة شركة ويبرو، سابع أكبر شركة لتكنولوجيا المعلومات في العالم، وإحدى أكبر الشركات التي يجري تداول أسهمها في الهند. وهو رجلٌ شغوفٌ بأعمال الخير أمضى عقوداً يعمل من أجل التخفيف من حدة الفقر وانعدام المساواة. توجّه إلى العمل الخيري المؤسسي في عام 2001 من خلال "مؤسسة عظيم بريمجي" التي تعمل على مستوى الصفوف الابتدائية في المدارس لتجربة مقاربات تعليمية جديدة لها القدرة أن تقود إلى تغييرات في المناهج، ومن خلال "جامعة عظيم بريمجي" التي تقدم برامج لتطوير مهارات التربويين واختصاصيي التنمية، كما تستثمر في البحوث التربوية.

س. كيف بدأت رحلتك الخيرية وما هي الدوافع وراءها؟

أصبحت مسؤولاً عن شركة ويبرو في أواخر الستينيات، وعلى مر أكثر من ثلاثة عقود، كرست نفسي بشكلٍ شبه تام لبنائها. خلال هذا الوقت تنقلت كثيراً في الهند، ما جعلني ألمس بنفسي النقيضين اللذين برزا في بلدنا: فمن جهة، فرصٌ وتطورٌ سريعٌ يمنح الأشخاص ثراءً فاحشاً، بينما تبقى فئاتٌ من المجتمع غارقةً في الفقر والعوز من جهة أخرى. 

لاحظت أن معظم المحتاجين يفتقرون إلى عددٍ من الاحتياجات الأساسية التي لا بد من أن تتوفر لكل إنسان. شعرت أنهم مظلومون، فعلى المجتمع أن يهتم بالجميع، وتقع على عاتق الميسورين مسؤولية المساهمة في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية للجميع، واستحداث الفرص التي تمكّنهم من التطور والنمو. لذا، عندما بدأت كانت تراودني فكرةٌ واحدة بسيطة: ماذا يمكنني أن أفعل كي أساهم في تطوير بلدنا نحو الأفضل؟ بالنسبة لي، كان لا بد من أن نصب اهتمامنا على الأكثر حرماناً وتهميشاً.

س. لماذا أصبح التعليم الرسمي أولوية بالنسبة لك؟

الطريقة الوحيدة التي قد تمكّنك من إحداث أثر إيجابي هي التركيز على مشكلةٍ اجتماعية محددة. بالنسبة لي، برز التعليم كعملية جوهرية وركيزة من ركائز بناء المجتمع السليم، حيث تتعدى أهميته الفرص الاقتصادية التي يولدها: فالتعليم يؤدي دوراً حيوياً في تمكين الأفراد والمجتمعات في آنٍ واحد، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. إذا أردنا حقاً أن نبني مجتمعاً يتسم بالعدل والإنسانية والإنصاف، كما هو منصوص عليه في الدستور الهندي، فإن التعليم هو القوة القادرة على إحداث هذا التغيير. ولأن أبناء الأسر الأكثر حرماناً يقصدون المدارس الحكومية، أدركنا أنه لا بد لنا من العمل على تحسين نظام التعليم الرسمي.

س. كيف دخلت المؤسسة مجال بناء القدرات؟

نعمل اليوم في ثماني ولايات، تنتشر فيها حوالي 350 ألف مدرسة، لكن يجب ألا ننسى طبعاً وجود 1.5 مليون مدرسة في الهند. تعمل مؤسستنا بشكلٍ وثيق مع نظام التعليم الحكومي على مستوياته كافة؛ وهذا يشمل المستوى التشغيلي في المناطق والأحياء والتجمعات، ومستوى المؤسسات التي تدعم عمليات التشغيل، ومستوى صنع السياسات. كما نشمل في عملنا أبعاد النظام التربوي جميعها، ابتداءً من بناء قدرات الأساتذة والمدرسين رؤساء الأقسام، وصولاً إلى تطوير المناهج وإصلاح عمليات الاختبار والتقييم.

س. ما الأثر الذي ترجونه من عطائكم؟

بالإضافة إلى زيارة المدارس، أتواصل بانتظام مع الطلاب في جامعة عظيم بريمجي. في الجامعة أشخاص استثنائيون كانوا ليشغلوا مناصبَ مجزية جداً [في القطاع الخاص]، لكنهم آلوا على أنفسهم العمل في مجال التعليم بكل تعقيداته. وفي ذلك معنى وهدف، لا بحث عن مكافآت مالية. وأنا فخورٌ جداً أننا ساهمنا في تشجيع أشخاص موهوبين وملتزمين على العمل في هذا القطاع. نحن نأمل أن نرى في يوم من الأيام نظامَ تعليم رسمي ممتاز في البلاد. وعندما أقول "نحن"، لا أعني مؤسستنا فقط، بل الحكومة وشركاءنا جميعهم الذين يعملون يداً بيد. لا يمكن أن ننسى أن المشاكل الاجتماعية معقدة وتحتاج إلى وقت طويل كي تتغير. لذلك لا نتوقع أن نحقق أهدافنا في خمس أو عشر سنوات، بل ندرك أن الأمر سيستغرق عقوداً.

"عندما بدأت كانت تراودني فكرةٌ واحدة بسيطة: ماذا يمكنني أن أفعل كي أساهم في تطوير بلدنا نحو الأفضل؟"

image title image title
تعمل مؤسسة بريمجي مع 350,000 مدرسة في ثماني ولايات في مختلف أنحاء الهند. الصورة: غيتي إميجيز.

س. أشدت بوالدتك لأنها أثرت فيك كثيراً. كيف ألهمتك كي تمد يد المساعدة إلى المحتاجين؟

كانت أمي، غولبانو بريمجي، من أولى الطبيبات المؤهلات في مدينة مومباي. في تلك الأيام كان الرجال يذهبون إلى العمل بينما تبقى معظم النساء في المنازل، لذلك لم تعمل أمي طبيبةً فعلاً بالرغم من أنها تحمل إجازة في الطب. لكنها أرادت أن تساهم في بناء المجتمع، فقررت أن تساعد إحدى المنظمات التي تهتم بالأولاد الذين يعانون إعاقات جسدية.

في الخمسينيات، افتُتح مستشفىً لأمراض عظام الأطفال في حاجي علي جنوب مومباي. عَمِلت والدتي هناك من دون كلل لمدة 50 عاماً تقريباً. في كل صباح، كانت الحافلات تقل أولاداً يحتاجون إلى العلاج والرعاية. وكان معظم هؤلاء الأولاد يأتون من عائلات فقيرة ويحتاجون أيضاً إلى الطعام. 

لم تثن عزيمة أمي بالتحديات التي واجهتها، سواء كانت غياب التمويل أم متاعب إدارة الموظفين. كانت شخصاً ملهماً على غرار أبي، وقد ساهم تواضعهما ونزاهتهما في رسم نمط تفكيري وشخصيتي.

س. ماذا تقول لأولادك عن الإحسان؟

نحن كعائلة نمضي وقتاً طويلاً في مناقشة ما نقوم به وما نطمح إليه، ولكنني لا أتحدث إلى أولادي عن الإحسان بالمعنى الفعلي للكلمة. أظن أن "الحديث" لا ينفع كثيراً، أكنت تتكلم مع أولادك أو أشخاص آخرين. يجب على الأشخاص أن يرَوا ويفكروا ويفهموا بأنفسهم. الاكتشاف والإدراك عملية متأصلة في الذات، ويمكن أن نعزز هذه العملية من خلال الحوار، لكن لا يمكن أن نفرضها. يشارك كلٌ من ولدَيّ بعمق في جوانب مختلفة من العمل الخيري، وهما في طور التعلُم والاكتشاف. 

س. وقّعتَ في شهر فبراير من العام 2013 "تعهد العطاء"، مكرساً القسم الأكبر من ثروتك للأعمال الخيرية. لمَ ألزمت نفسك بذلك؟ 

لطالما اعتبرت نفسي وصياً على هذه الثروة، وكنت أنوي فعلاً التبرع بقسمٍ كبير من ثروتي. كانت المشاركة في "تعهد العطاء" نوعاً من الإعلان الرسمي، وخطوة قد تساعد في إطلاق رسالةٍ عن الإحسان الفردي وتشجيعه في الهند. برأيي، لطالما كان قادة الأعمال في الهند واعين اجتماعياً. إن راجعت تاريخ بعض الأسر العريقة المنخرطة في عالم الأعمال، على غرار تاتا وبيرلا وباجاج وموروغابا، للاحظتَ أنها كانت على مر عقود، أو حتى قرنٍ من الزمن، ناشطةً في مجال العطاء. 

لنكن واضحين، لا يمكن أبداً للإحسان أن يشكل بديلاً عن عمل الحكومة. ففي نهاية المطاف، تتطلب التنمية الاجتماعية الشاملة خدمات عامة متينة توفرها الحكومة. لكن يمكن للإحسان أن يؤدي دوراً بالغ الأهمية في مساعدة النظام الحكومي، عن طريق سد الثغرات التي يعجز هذا النظام عن معالجتها، وتحمل مسؤولية المشاريع التي تحمل نسبة مجازفة عالية إلى درجة لا يمكن للحكومة أن تموّلها.

س. ما مدى أهمية وجود قدوة من فاعلي الخير يحتذي بها الجيل الأصغر؟ 

في العادة، يتكتم المحسنون في الهند عن أعمالهم الخيرية. نحن كشعب نؤمن بأن العطاء يجب أن يوضع في خدمة المحتاجين والمجتمع، لا أن يكون ترويجاً للذات، وهذا منطقي تماماً. لكن خلال العقود الماضية الأخيرة، شهدنا ولادة ثروات طائلة في البلد، ولاحظنا أن عدداً كبيراً من الأثرياء الجدد جديون كل الجدية إزاء فهم المشاكل الاجتماعية والسعي إلى حلها. أشعر أنه من المهم أن نتواصل معهم بشكلٍ فعال بعيداً عن الأضواء من أجل مناقشة أمور العطاء الشخصي. هذا ما نحاول أن نقوم به من خلال "مبادرة الهند للعمل الخيري"، وهي جهدٌ غير رسمي نقوم به أنا وأشخاص يشاركونني الرؤية عينها.

شخصياً، أمتنع عن إعطاء النصائح المباشرة وعن "إعلام" الناس ماذا يجب أن يفعلوا. لكن آمل أن تساعد أفكاري من يفكر في الانخراط في عملٍ خيري. مثلاً، في كل مرة يطلب فيها أحد نصيحتي، أشجعه دائماً على البدء باكراً. فالتغيير الاجتماعي يتطلب وقتاً طويلاً، وكلما بدأنا العمل في وقت مبكر، ازدادت فرص إحداثنا تغييراً إيجابياً.