سباق الحصول على اللقاحات

يقول سايمون بلاند، الرئيس التنفيذي للمعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية (غلايد)، أن التوزيع العادل للقاحات كوفيد-19 هو الانتصار الذي يجب أن نسعى جميعنا لتحقيقه.

عصفت جائحة كورونا بمختلف دول العالم، فعلى مدار العام الماضي، خسر أكثر من مليوني شخص أرواحهم وعانى الكثيرون غيرهم من فقدان مصادر رزقهم أو تعطيلها. كما تعثر السفر والتجارة والنشاط الاقتصادي وبات عالمنا الذي كان مترابطاً في يوم من الأيام يعاني من العزلة والتفكك.

لكن على الرغم من هذه الصورة القاتمة التي شهدناها على مدى الأشهر الماضية إلا أننا حققنا إنجازات أيضاً. فقد تحسنت سرعة ونطاق تشخيص المرض وعلاجه بشكل كبير. بل في الواقع تم تطوير عدد أكبر من وسائل التشخيص لكوفيد-19 على مدار الاثني عشر شهراً الماضية من تلك التي تم تطويرها لجميع أمراض المناطق المدارية المهمَلة العشرين خلال المئة عام الماضية، فضلاً عن اللقاحات ضد هذا الفيروس التي ظهرت بمعدل غير مسبوق.

نرى اليوم زيادة في معدل الإصابات التي يتم التبليغ عنها في أفريقيا التي كانت تشهد أعداداً منخفضة من الإصابة في السابق. وما يستدعي القلق بشكل أكبر اكتشاف سلالات جديدة من الفيروس في كل من الدنمارك والمملكة المتحدة وجنوب أفريقيا والبرازيل واليابان وكاليفورنيا، ما يخلق مخاوف جديدة بشأن قابلية انتقال الفيروس وضراوته وفعالية اللقاحات.

لن يصبح أي شخص في مأمن من هذا الفيروس ما لم يصبح جميع الناس آمنين. ففي تحليل أجرته مجموعة يوراسيا Eurasia Group، وهي شركة استشارية متخصصة في تحليل المخاطر، تبين أن ترك الدول المنخفضة الدخل والدول ذات الدخل المتوسط الأدنى تواجه بنفسها تداعيات كوفيد-19 سيلحق أضراراً اقتصادية كبيرة، وهو ما قد يقوّض عقوداً من التقدم وقد يطيل أمد الوباء على مستوى العالم.

كما تشير العديد من الدراسات أن التوزيع الأكثر إنصافاً للقاحات على العاملين في الخطوط الأمامية والفئات الضعيفة سيؤدي إلى خروج العالم بسرعة أكبر من الوباء.

إننا اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى التضامن والتعاون والتنسيق على المستوى العالمي، فعالمنا بحاجة إلى نهجٍ جريءٍ ومنسقٍ للتصدي لتداعيات كوفيد-19.

وفي محاولة لضمان التوزيع العادل للقاحات، قامت منظمة الصحة العالمي والتحالف العالمي للقاحات والتحصين (غافي) وتحالف الاستعداد والابتكار في مواجهة الأوبئة (CEPI) بإطلاق مبادرة كوفاكس Covax التي تمثّل ركيزة اللقاحات لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد-19 (ACT) Accelerator.

تجمع هذه المبادرة الحكومات والمنظمات الصحية العالمية ومصنعي اللقاحات والعلماء والقطاع الخاص والمجتمع المدني والقطاع الخيري تحت مظلة واحدة من أجل توفير لقاحات كوفيد-19 لمن هم في أمس الحاجة إليها، أياً كانوا وأينما وجدوا. كما تسعى مبادرة كوفاكس إلى حماية ما لا يقل عن 20 بالمئة من السكان في كل دولة من الدول المشاركة فيها بحلول نهاية عام 2021.

بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس (COVAX AMC)، ستقوم الدول المرتفعة الدخل بتوفير التمويل لضمان عدم استبعاد الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل من التحصين لأنها غير قادرة على شراء اللقاحات بكميات كبيرة.

تعتمد آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس على خبرة التحالف العالمي للقاحات والتحصين (غافي) التي اكتسبها على مدى عقدين من الزمن وقدم خلالها اللقاحات المنقذة للحياة لأكثر من نصف سكان العالم، بما في ذلك المجتمعات التي يصعُب الوصول إليها.

وتعد هذه الآلية خطوة في غاية الأهمية لضمان الوصول العادل إلى لقاحات كوفيد-19، بغض النظر عن مستوى دخل البلد، ولكنها تستدعي قيام المانحين السياديين والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص باستثمار عاجل بقيمة ملياري دولار بحلول يونيو 2021 من أجل سد الفجوة في التمويل.

image title
عاملون في قطاع الرعاية الصحية في الكويت يصطفون للحصول على لقاح ضد الفيروس المسبب لكوفيد-19. الصورة: غيتي إميجيز.

"يعتبر توفير اللقاحات للجميع الطريقة الأسرع والأكثر فعالية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش والدفع بعجلة الانتعاش الاقتصادي في كافة أنحاء العالم".

لقد أثبتت آليات التزام السوق المسبق فعاليتها في السابق. ففي عام 2009، دعمت حكومات كل من إيطاليا والمملكة المتحدة وكندا والاتحاد الروسي والنرويج، فضلاً عن مؤسسة بيل وميليندا غيتس، آلية التزام السوق المسبق لتسريع الحصول على اللقاح ضد المكورات الرئوية. وبفضل هذه الآلية أصبح هذا اللقاح الجديد متاحاً للكينيين بعد أشهر فقط من استخدامه لأول مرة في الولايات المتحدة وأوروبا، بدلاً من الانتظار 10 إلى 15 عاماً التي تستغرقها مثل هذه اللقاحات في العادة في الوصول إلى بلد مثل كينيا.

لقد شهدت الأثر الإيجابي لهذه الآلية بشكل مباشر في كينيا ورأيت كيف استطاع الابتكار في التمويل تخطي عقد من التطور في مجال الصحة العامة. واليوم تقوم أكثر من 60 دولة بتحصين سكانها ضد المسببات الرئيسية للالتهاب الرئوي بفضل هذا الابتكار.

من هنا علينا التحرك بأقصى سرعة ممكنة لتوزيع اللقاحات ضد كوفيد-19. ولا تصب آلية التزام السوق المسبق لكوفاكس في مصلحتنا الجماعية فحسب، بل تعد أيضاً الخيار الأخلاقي الصائب. لقد حذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غبريسيس، من أن العالم مهدد بفشل أخلاقي كارثي إذا أهملنا الدول الفقيرة ولم نهرع لمساعدتها في الحصول على اللقاحات.

وحتى كتابة هذه السطور، كانت أكثر من 190 دولة قد تعهدت بالانضمام لمبادرة كوفاكس التي أعلنت للتو عن اتفاقية للحصول على ما يصل إلى 40 مليون جرعة من لقاح فايز-بيونتيك.

وما يبشر بالخير أن مبادرة كوفاكس تواصل السير على الطريق الصحيح لتوفير ما لا يقل عن ملياري جرعة من اللقاح بحلول نهاية عام 2021. ومن المتوقع أن يبدأ طرح اللقاح بنهاية شهر فبراير من هذا العام، مما سيشكل انفراجة تشتد الحاجة إليها في ظل استمرار أعداد الحالات في الارتفاع في جميع أنحاء العالم.

وفي دول مجلس التعاون الخليجي، قدمت المملكة العربية السعودية والكويت وقطر تعهدات مالية، في الوقت الذي تستعد فيه دولة الإمارات العربية المتحدة لتصبح مركزاً دولياً لتوزيع اللقاحات من خلال مبادرة "ائتلاف الأمل". كما يعد إعلان إدارة جو بايدن الجديدة بأن الولايات المتحدة ستساهم في كوفاكس خطوة مشجعة ولكننا بحاجة ماسة لانضمام المزيد من الدول إلى هذه المبادرة إذا أردنا لها أن تنجح.

أما نحن في المعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية (غلايد) في أبو ظبي فنعمل مع شركائنا مثل مؤسسة بيل وميليندا غيتس وتحالف غافي وغيرهما للمساعدة في ضمان توزيع اللقاحات بشكل منصف في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

يلعب العطاء والعمل الخيري دوراً مهماً في دعم إنتاج اللقاحات وتوزيعها. ولذلك نناشد رواد العطاء بتقديم التمويل اللازم لدعم الجهود المبذولة لجعل اللقاحات متاحة لجميع الناس وفي جميع البلدان.

ومما لا شك فيه أن توفير اللقاحات للجميع هو الطريقة الأسرع والأكثر فعالية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش والدفع بعجلة الانتعاش الاقتصادي في كافة أنحاء العالم. فكلما حدثت فجوة في التضامن على مدى العام ماضي كان المستفيد الأول هو الفيروس.

إننا نملك اليوم الفرصة لإنهاء هذا الوباء وإعادة البناء بطريقة تجعل الصحة ركيزةً للتنمية البشرية والتنشيط الاقتصادي والأمن القومي.

لكننا لن نستطيع تحقيق هذا التعافي إذا تخلّف نصف العالم عن الركب. – PA