مؤسسة إماراتية لدعم الجهود العالمية لمكافحة الأمراض المدارية

انطلاقاً من أبوظبي، ستعمل المؤسسة على دعم الأبحاث وتعزيز تآزر الجهود وبناء القدرات للقضاء على شلل الأطفال والملاريا والأمراض المتفشية في المناطق الفقيرة.

تسعى مؤسسة جديدة متخصصة بالصحة العامة تم إطلاقها مؤخراً في أبوظبي إلى عولمة الخبرات حول استراتيجيات القضاء على الأمراض بهدف إنهاء المعاناة والوصم الاجتماعي المرتبط بالحالات الصحية الموهنة مثل العمى النهري، وداء الفيلاريات اللمفاوية. 

ويتم تمويل المؤسسة، التي أطلق عليها اسم المعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية (غلايد)، من قبل ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ومؤسسة بيل وميليندا غيتس. ويهدف المعهد إلى القضاء على شلل الأطفال والملاريا، وما يسمى بالأمراض المدارية المهملة التي تؤثر على حياة أكثر من 1.7 مليار شخص حول العالم.

وتشمل الأمراض المدارية المهملة داء الفيلاريات اللمفاوية، أو داء الفيل، الذي يسبب تشوهات جسدية قوية ومؤلمة خاصة في أطراف الجسم التي يتضخم حجمها وقد تؤدي إلى إعاقة دائمة. أما العمى النهري فهو مرض يصيب العين والجلد تسببه دودة طفيلية، وينتقل إلى الإنسان من خلال لسعة الذباب الأسود الحامل للطفيلي. ويؤدي هذا المرض أيضاً إلى حدوث إعاقات وتشوهات جسدية وأحياناً الوفاة. ويشكل هذان المرضان عائقاً أمام التحاق الأطفال بالمدارس والكبار بسوق العمل، ما يضع بعض المجتمعات الأشد تهميشاً في دائرة مفرغة من الفقر والمعاناة والاستبعاد الاجتماعي. 

في عام 2017 وبالتعاون مع مؤسسة بيل وميليندا غيتس، أعلن سمو ولي عهد أبوظبي عن مبادرة رائدة لمكافحة الأمراض المدارية المهملة في سبع دول أفريقية بميزانية تبلغ قيمتها 100 مليون دولار على مدى عشرة أعوام. 

هكذا نشأ 'صندوق بلوغ الميل الأخير' كمؤسسة غير ربحية متعددة المانحين، مقرها الولايات المتحدة، ويديرها صندوق إنهاء الأمراض المهملة (End Fund). ويوفر الصندوق التمويل للحكومات المحلية ومنظمة الصحة العالمية، بالشراكة مع شركات صناعة الأدوية، بغية القضاء على العمى النهري وداء الفيلاريات اللمفاوي في كل من مالي والسنغال والنيجر وتشاد والسودان وأثيوبيا واليمن. 

وعلى الرغم من أنه سيكون هناك بعض التداخلات أو التقاطعات في الاهتمامات بين "غلايد" وصندوق بلوغ الميل الأخير، إلا إنهما مشروعان مختلفان، كما أن استراتيجية معهد "غلايد" مختلفة، وتمويله الأولي، بقيمة 20 مليون دولار كمشروع ناشئ، منفصل أيضاً.

"بمقدور أبوظبي أن تقوم بدور قوي وفاعل في هذا الصدد، وتركيزنا ينصبّ على اجتياز ذلك الميل الأخير في رحلة القضاء على الأمراض".

وانطلاقاً من مقره في أبوظبي، سيعمل معهد "غلايد" على تعزيز الوعي وحشد الرأي حول أهمية إنهاء الأمراض المدارية المهملة، هذا فضلاً عن دعم جهود القضاء عليها من الجانب التقني، وجمع المنظمات الدولية الرائدة والخبرات الميدانية في الدول المعنية معاً لتبادل المعارف والخبرات.

ويقول سايمون بلاند الذي تم تعيينه مؤخراً في منصب الرئيس التنفيذي لمعهد "غلايد": "نحن نحاول عولمة الصحة العامة العالمية. لا نريد أن يبقى منطلق جهود الصحة العالمية فقط من جنيف أو لندن أو أتلانتا أو نيويورك أو سياتل. بمقدور أبوظبي أن تقوم بدور قوي وفاعل في هذا الصدد، وتركيزنا ينصبّ على اجتياز ذلك الميل الأخير في رحلة القضاء على الأمراض".

ويضيف بلاند قائلاً: "همّنا الحقيقي هو رفع المعاناة. لو أنك استمعت إلى المصابين بداء الفيل مثلاً، لعرفت أنهم يعانون من وصم اجتماعي وتمييز ضدهم، فلا تقتصر معاناتهم على الآلام المبرحة التي يسببها المرض، بل ما يزيدها سوءاً هو حالات العجز عن العمل وفقدان المقدرة على عيش حياة منتجة".

image title image title
يؤثر شلل الأطفال والملاريا وما يسمى بالأمراض المدارية المهملة على حياة أكثر من 1.7 مليار شخص حول العالم. الصورة: غيتي إميجيز.

وبلاند خبير بالاقتصاد التنموي عمل سابقاً رئيساً لبرنامج الأمم المتحدة المشترك لفيروس نقص المناعة البشرية (الأيدز)، وهو يصف العمى النهري وداء الفيلاريات اللمفاوية بأنهما "أمراض الفقر القديمة قدم التاريخ".

ويقول: "نحن لن نتقبل الفكرة بأن تنتشر مثل هذه الأمراض في مانهاتن أو سَري، على سبيل المثال، فلماذا نتهاون مع تفشيها في أفريقيا؟ في الماضي، تعايشت العديد من المجتمعات مع هذه الأمراض الرهيبة، عن جهل بأسبابها وبغير دراية بقدرتنا على القضاء عليها إلى الأبد". 

وقد تزامن إطلاق المعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية مع لحظة محورية في جهود القضاء على الأمراض المدارية المهملة، حيث تعمل العديد من الدول على تبني خارطة طريق جديدة حولها للعام 2030. ومن المقرر أن يتم اعتماد هذا المخطط في قمة رفيعة المستوى عشية اجتماع رؤساء حكومات دول الكومنولث في العاصمة الرواندية كيغالي في يونيو.

ويوضح بلاند، الذي كان سابقاً رئيس مجلس إدارة 'غلوبل فند'، قائلاً: "سيتمثل دورنا في جمع الأطراف ذات الصلة، وتسهيل عملية التعلم المشترك حول هذه الأمراض، بالإضافة إلى المساهمة في توليد المعرفة". 

ويضيف قائلاً: "لا نصف أنفسنا بأننا سنكون مؤسسة تمويل كبيرة، بل نسعى إلى دعم الأبحاث والأنشطة التشغيلية التي تسرّع تحقيق التقدم، وتمهد السبل للتعلم من تجارب الآخرين".

ويوضح قائلاً: "سيعتمد نهجنا في الأساس على الاستماع إلى وجهة نظر المجتمعات المحلية والاستفادة من تلك الآراء في توجيه المشروع. فنحن لا نريد أن نفرض أفكاراً أو استراتيجيات خارجية، بل دورنا هو تمكين الخبرات القائمة وتكميلها". 

ومن المرجح أن تشمل برامج "غلايد" خلال المرحلة الأولى – والتي كنت بانتظار موافقة مجلس الإدارة خلال نشر هذه المقالة – دعماً استراتيجياً وتقنياً لمساعدة إحدى الحكومات الأفريقية على إعادة وضع برنامجها للقضاء على العمى النهري على المسار الصحيح. هذا فضلاً عن سد الثغرات في سلسلة البيانات حول المرض، خاصة في المناطق الحدودية أو تلك التي يصعب الوصول إليها. 

وهناك أيضاً خطط للنظر في مدى نجاح أربع دول من أميركا اللاتينية في القضاء على مرض العمى النهري، وإمكانية التعلم من تلك التجارب أو نقلها إلى الدول الأفريقية، بالإضافة إلى احتمال تقديم الدعم لبرامج مكافحة الملاريا في منطقة الساحل الأفريقي. 

وسيكون الدعم الفني الذي يقدمه معهد "غلايد" على شكل المساعدة في تصميم وتحديد تكاليف استراتيجيات القضاء على الأمراض، والمساعدة في رصد تطور وتفشي الأمراض، وتحليل البيانات، والتركيز على كفاءة سلسلة التوريد ووفورات الحجم. كما سيحرص المعهد على إيجاد سبل تحقيق التكامل بين برامج الاستجابة للأمراض المختلفة، وتعزيز أنظمة الصحة العامة. 

فضلاً عن ذلك، سيكون هناك تركيز على التوعية والتعريف بخطورة الأمراض المدارية المهملة، من خلال الضغط لأجل اعتماد ارشادات عالمية أكثر وضوحاً، ومساعدة المجتمعات المتأثرة على فهم تلك الأمراض وإدارة استجابتها لها بشكل أفضل، مع توفير الدعم للباحثين. 

ويقول بلاند: "نرغب في إيجاد سبيل للمساعدة في بناء القدرات. فهناك العديد من المتخصصين في الأمراض المدارية المهملة، والعديد ممن يديرون برامج منذ عقود، وهم بمثابة نبع خبرة علينا أن ننهل منه". 

من جهة أخرى، أكد بلاند على عدم وجود مخططات مباشرة للقيام بأنشطة البحث والتطوير – على الرغم من أنه أفاد في حديث آخر من أبوظبي بأنه يرغب جداً أن يكون لدى المعهد مثل تلك القدرات في المستقبل. 

ويضيف بلاند في حديثه مع زمن العطاء: "مهمتنا كمعهد ليست في التواجد وتنفيذ ما هو مطلوب على الأرض، كما أننا لسنا بوارد البحث عن علاجات جديدة – فعقبات الدخول ومخاطر الفشل عالية للغاية، وهي بصراحة ليست تخصصنا. دورنا الأهم هو التوعية والأبحاث التطبيقية وطرح بعض الابتكارات في تقديم الخدمات". 

ويؤكد بلاند بقوله: "ليس هناك من نصر سريع في هذا الميدان. ولا أعتقد أن النجاح ثمرة يسهل قطفها، فهي مسألة صعبة. ولكنني أعتقد أن هناك مداخل واضحة ومسارات يمكننا المشاركة والإسهام فيها وبالتالي إحداث الفرق. وأنا أرى في هذا فرصة رائعة". — PA