أهمية مكافحة سوء التغذية

سايمون بيشوب وتيمور هادي من منظمة ’ذا باور أوف نوتريشن‘ يشرحان سبب حاجة العالم إلى التحرك على وجه السرعة لمنع حدوث أزمة سوء التغذية التي تلوح في الأفق.

سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء على هشاشة نظام الغذاء العالمي، إذ يعتمد جزء كبير من عالمنا منذ وقت طويل جداً اعتماداً كبيراً على روسيا وأوكرانيا، اللتين تستحوذان معاً على نحو ثلث الصادرات العالمية من القمح.

ولذلك فإن الصراع الجاري هناك يهدد بحدوث طوفان من الجوع وسوء التغذية على الصعيد العالمي في ظل ارتفاع أسعار الغذاء والأسمدة والوقود، وهو ما يعني أن آلاف الأسر في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا أصبحت غير قادرة على تحمل تكلفة الحصول على ما يكفي من الغذاء المغذي.

ومن دون تدخل عاجل وواسع النطاق، فإن الخبراء يحذرون من أن مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم سيقعون في براثن الفقر المدقع، في وقت ستظل فيه الآثار المترتبة على سوء التغذية محسوسة لأجيال عدة.

ويذكر أن سوء التغذية هو السبب الرئيسي وراء 45 في المئة من جميع وفيات الأطفال على مستوى العالم، وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2022، عانى 260,000 طفل إضافي - أي ما يعادل طفلاً واحداً في كل 60 ثانية - من الهزال الشديد، وفقاً لليونيسيف.

وفي المنطقة العربية وحدها، يعاني نحو 51 مليون شخص من الجوع، بحسب الأمم المتحدة، كما أن العديد من الدول مثقلة بما يسمى بـ "العبء الثلاثي الأبعاد لمشكلة سوء التغذية" المتمثل بنقص التغذية وزيادة الوزن والسمنة ونقص المغذيات الدقيقة.

وقد ثبت أن الاستثمار في تحسين مستويات التغذية، لاسيما لدى الأطفال والمراهقين والنساء، يعد أحد أفضل الأدوات التي نملكها للنهوض بصحة الأطفال وتعليمهم وسبل كسب عيشهم في المستقبل.

مع ذلك، يعاني قطاع التغذية من نقص مزمن في التمويل، إذ يقدر العجز في الوقت الراهن بنحو 11 مليار دولار سنوياً. كما تحصل التغذية كقطاع على أقل من واحد في المئة من المساعدات المقدمة من المانحين التقليديين. ولا يؤدي اجتماع تداعيات جائحة كوفيد-19 والصراع وتغير المناخ سوى إلى تفاقم هذا الوضع في ظل تعمق الاحتياجات وتقلص حجم الميزانيات.

image title
ويليو، البالغة من العمر 37 عاماً، تجمع بذور البذور من شجرة الينبوت لإطعام أطفالها وحيواناتها. ويتسبب الجفاف المدمر في أسوأ أزمة غذائية تضرب إثيوبيا منذ 30 عاماً، وهو ما يعرض ملايين الأشخاص لخطر الجوع والأمراض وسوء التغذية. الصورة: آبي ترايلر سميث/بانوس.

"من دون تدخل عاجل وواسع النطاق، فإن مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم سيقعون في براثن الفقر المدقع، في وقت ستظل فيه الآثار المترتبة على سوء التغذية محسوسة لأجيال عدة".

وعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني من بعض من أسوأ معدلات سوء التغذية في العالم، إلا أنها تلعب أيضاً دوراً رائداً في مكافحتها.

فعلى سبيل المثال، قدمت حملة المليار وجبة، التي أطلقتها مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، طروداً ووجبات وقسائم غذائية للملايين من الأسر الفقيرة والمستضعفة في 50 دولة حول العالم. وقد تحقق ذلك بفضل حشد مليار درهم (272 مليون دولار) من رواد العطاء والشركات وجماعات المجتمع المحلي في الإمارات العربية المتحدة خلال شهر رمضان المبارك.

كما يحتضن البنك الإسلامي للتنمية صندوق العيش والمعيشة بقيمة إلى 2.5 مليار دولار الذي تم إطلاقه مع شركاء من الجهات المانحة مثل صندوق قطر للتنمية، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس، وصندوق أبوظبي للتنمية، برؤية مشتركة وهي انتشال أكثر الناس عوزاً في الدول الأعضاء من براثن الفقر. وكجزء من هذه المبادرة أطلق البنك صندوقاً للزراعة بهدف تعزيز إنتاج المحاصيل الأساسية والثروة الحيوانية لدعم الاحتياجات الغذائية المحلية وتعزيز المردود الاقتصادي.

وتم أيضاً إطلاق حملة الغذاء من أجل الحياة، وهي حملة توعية ومشاركة مجتمعية تديرها وزارة التغير المناخي والبيئة ووزارة الصحة ووقاية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة وجمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). وتهدف المبادرة إلى التعامل مع معادلة الصحة والتغذية ورفاه الكوكب من خلال الترويج للوجبات الصحية في المنطقة.

وبينما توضح هذه الأمثلة كيف تُظهر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا روح القيادة على الصعيد العالمي للتصدي لهذه القضية، إلا أن علينا مواصلة التطوير والابتكار لسد فجوة التمويل لقطاع التغذية المستمرة في التوسع.

image title
سوء التغذية هو السبب الرئيسي وراء 45 في المئة من جميع وفيات الأطفال على مستوى العالم. الصورة: واريك بيدج/بانوس.

وهذا ما نلتزم به في منظمة ’ذا باور أوف نوتريشن‘ The Power of Nutrition حيث بدأنا العمل في عام 2015 كمنصة للتمويل والشراكة لجمع الأموال وبناء الشراكات من أجل تعزيز جهود مكافحة سوء التغذية في أفريقيا وآسيا.

وبالشراكة مع البنك الإسلامي للتنمية وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، نعمل على استحداث وتنفيذ مبادرة الأيام الألف الأولى والصندوق الاستئماني المتعدد المانحين الخاص بها.

وتهدف المبادرة الممتدة على مدى خمس سنوات إلى حشد أكثر من 200 مليون دولار من الموارد لدعم البرامج التي تتصدى لسوء التغذية لدى الأشخاص الأكثر ضعفاً، وعلى وجه الخصوص تلك التي تركز على الأيام الألف الأولى الحاسمة من الحياة، في دول منظمة التعاون الإسلامي.

وستشمل الأنشطة التدخلات الأنجع والمعترف بها والقائمة على الأدلة مثل ضمان حصول الأطفال على كمية كافية من فيتامين (أ)، وحصول النساء الحوامل على مكملات المغذيات الدقيقة المتعددة (MMS)، وتشجيع الرضاعة الطبيعية ودعمها وتقديم المشورة للأمهات الجدد، وتوفير العلاج العاجل للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد.

كما عملنا على إطلاق ’نوتريشن فينتشيرز‘ Nutrition Ventures، وهو مركز تمويل الابتكار الأول من نوعه والمصمم لتحفيز ما لا يقل عن 400 مليون دولار لصالح قطاع التغذية. ويستلهم المركز فكرته من نجاح منصة التمويل ’نيتشر فيست‘ NatureVest، التي أسستها منظمة حفظ الطبيعة Nature Conservancy في عام 2014 والتي حشدت منذ ذلك الحين 1.4 مليار دولار من التمويل المبتكر للحفاظ على البيئة من خلال 12 صفقة مختلفة.

وسيقوم مركز ’نوتريشن فينتشيرز‘ بتحديد واختبار السوق وتوسيع نطاق مجموعة من منتجات التمويل المبتكرة (بما في ذلك الدفع على أساس النتائج، والتمويل المختلط، والاستثمار المؤثر والضمانات السوقية والسندات الاجتماعية لأسواق رأس المال) التي تهدف إلى جذب الاستثمار العام والخاص من أجل التصدي لسوء التغذية. ونحاول حالياً إطلاق أول سند للقضاء على الجوع لدى الأطفال الذي من شأنه أن يجلب الاستثمار الذي تشتد الحاجة إليه، وليس فقط أموال المنح، لقطاع التغذية.

ومن خلال مؤتمر الأمم المتحدة السابع والعشرين لتغير المناخ (COP27) المقرر استضافته في مدينة شرم الشيخ في مصر عام 2022، تمتلك المنطقة منصة عالمية للتثقيف والتوعية ليس فقط بشأن التدابير الوقائية لمكافحة تغير المناخ وإنما أيضاً بشأن الإجراءات التي يجب اتخذها للتصدي للأزمة التي سببتها الحرب في أوكرانيا وأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة العالمية المرتبطة بها.

 من المتوقع أن يهدد الفقر المدقع حياة نحو ملايين شخص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وسبل عيشهم. لكن بقدر ما يوجد حافز عالمي للتصدي له، هناك أيضاً حافز للقيام بذلك على الصعيد المحلي.-PA

اقرأ المزيد