انفجار بيروت: دعوة للمانحين للمساعدة على الصعيد المحلي والتخطيط للمدى البعيد

القطاع الخيري يستعد للعب دور رئيسي في جهود الإغاثة المستمرة في بيروت في ظل تراجع تمويل المساعدات الطارئة.

تدفقت أموال الإغاثة على لبنان بعد انفجار ميناء بيروت الذي أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6,000 آخرين وتسبب في تشريد مئات الآلاف من الأشخاص فضلاً عن تدمير أجزاء كبيرة من المدينة التاريخية.

وبعد أيام من الانفجار، تعهدت الحكومات في جميع أنحاء العالم بتقديم أكثر من 250 مليون دولار من المساعدات الثنائية في مؤتمر دولي للمانحين، بينما قامت مجموعات الشتات اللبناني بشكل منفصل، مدفوعة بحجم المأساة التي شهدها وطنها الأم، بحشد ملايين الدولارات من خلال التمويل الجماعي وتبرعات الشركات والمبادرات المجتمعية.

وفي دول الخليج، أرسلت حكومتا دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عدة طائرات محمّلة بالمساعدات الطبية والغذائية إلى لبنان، وتعهدت الكويت بإعادة بناء صومعة القمح الرئيسية في البلاد بعد أن دمرها الانفجار في الوقت الذي تعهد فيه مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في السعودية بجمع تبرعات بنحو 500,000  دولار من الأعمال التجارية المحلية والمقيمين.

مع ذلك، تتعالى الدعوات التي تنادي بتوجيه التمويل إلى ما هو أبعد من الإغاثة في حالات الطوارئ واستهداف المزيد من الحملات الاستراتيجية لدعم إعادة الإعمار على المدى الطويل لبلد كان يرزح بالفعل تحت وطأة أزمة اقتصادية وسياسية ممتدة ويعاني من تبعات جائحة كوفيد-19.

"الاحتياجات كبيرة لدرجة تجعلني أعتقد جازمة أن الشراكة هي السبيل الوحيد للمضي قدماً".

ميساء جلبوط، باحثة رئيسية في معهد عصام فارس، الجامعة الأمريكية في بيروت.

وتقول المنظمات غير الحكومية العاملة على الأرض أنه من المهم للغاية توجيه أموال المساعدات مباشرةً إلى المجموعات المحلية على الخطوط الأمامية للاستجابة وأن يتم تقاسم الأموال على نحو متكافئ وليس على أسس طائفية.

وفي هذا الإطار، قالت ميساء جلبوط المولودة في بيروت وعضو مجلس إدارة مؤسسة الفنار الخيرية الذي يتركّز نشاطها في منطقة الشرق الأوسط: "لا بد أن تراعي منظمات الإغاثة والمؤسسات الخيرية الأهمية البالغة للقطاع غير الربحي والمشاريع الاجتماعية في لبنان".

وأوضحت أن على المانحين التفكير ليس فقط في حالة الطوارئ العاجلة "وإنما في إعادة إعمار بيروت على المدى الطويل وتلبية الاحتياجات الإنمائية للأشخاص الأكثر ضعفاً في البلاد كذلك".

كما أشارت جلبوط المقيمة حالياً في دولة الإمارات والباحثة الرئيسية في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأمريكية في بيروت، إلى وجود فرصة مهمة للمنظمات الخيرية للتعاون والاستفادة من مواردها من أجل تحقيق استجابة أفضل لهذه الأزمة.

وأضافت أن "الاحتياجات كبيرة لدرجة تجعلني أعتقد جازمة أن الشراكة هي السبيل الوحيد للمضي قدماً". وضمت جلبوط صوتها إلى الدعوات المطالبة باستجابة اجتماعية شاملة للكارثة بدلاً من التركيز على البنية التحتية فقط.

وأوضحت قائلة: "إعادة الناس إلى العمل وتوفير الدعم للأسر التي خسرت معيلها ومد يد العون لكبار السن الذين فقدوا منازلهم: جميعها مشاكل يصعب التصدي لها. لكن كلي أمل أن يتم منحها الأولوية على جهود الإغاثة القصيرة الأجل لأنها تتطلب جهوداً منسقة على المدى الطويل".

image title
قادت القواعد الشعبية والمنظمات غير الربحية والمؤسسات الاجتماعية جهود الإغاثة والتعافي في جميع أنحاء بيروت. الصورة: حسام شبارو/وكالة الأناضول/غيتي إميجيز.

ومن المنظمات التي تنظر إلى ما هو أبعد من الاستجابة لحالة الطوارئ العاجلة "مؤسسة الشرق الأدنى" Near East Foundation، وهي منظمة غير حكومية مسجلة في الولايات المتحدة وتعمل في مختلف دول الشرق الأوسط، بما في ذلك لبنان، ويتركز نشاطها على دعم سبل العيش. وقد بدأ فريق المؤسسة في بيروت بتقييم الاحتياجات لبرنامج مخصص لمساعدة الأفراد والشركات الذين فقدوا دخلهم بسبب الانفجار.

وعن ذلك، قالت أندريا كراولي، مديرة الشراكات والعمل الخيري في المؤسسة: "في غضون بضعة أشهر، ستبدأ أموال المساعدات الطارئة في التناقص، وبالنظر إلى أن هذا الوضع جاء في أعقاب أزمة اقتصادية طويلة الأمد، فسوف يصبح الناس في موقف صعب جداً ما لم يتمكنوا من البدء مجدداً بأي شكل من أشكال العمل".

وتستهدف مؤسسة الشرق الأدنى المجتمعات الضعيفة كتقديم الدعم للعمّال المهرة العاملين من منازلهم والذين فقدوا المواد والأدوات التي يعملون بها جراء الانفجار بالإضافة إلى مساعدة الشركات الصغيرة على إعادة فتح أبوابها من جديد.

وقدمت كراولي مثالاً على جزار تعرض متجره لأضرار بسبب الانفجار، حيث قالت: "يمكن [لهذا الجزار] ممارسة عمله التجاري من دون باب لكنه لن يستطيع القيام بذلك من دون ثلاجة ... ولذلك نحن نتطلع لمساعدة الأشخاص في الوصول إلى وضع يمكّنهم من استئناف أنشطتهم".

وأضافت قائلة: "إنهم بحاجة أيضاً إلى العملاء للحصول على الدخل. ولذلك نعمل مع المنظمات التي تقدم منحاً طارئة لتشجيع الشراء المحلي داخل الأحياء، كما أننا كمنظمة نحاول الشراء قدر الإمكان من السوق المحلي حيث نعمل".

بالإضافة إلى ذلك، تقوم "مؤسسة الشرق الأدنى" بتحديد الاحتياجات المتعلقة بإصلاح المباني في المجتمعات ذات الدخل المنخفض، حيث يتوفر القليل من أموال المساعدات والحوافز لإعادة البناء.

وأوضحت قائلة: "تدفع الأزمة الناس إلى الذهاب حيث تتوفر الأموال، وإصلاح مباني أصحاب الأعمال الصغيرة ومنازل الفئات الضعيفة في هذه المجتمعات لا يدر الكثير من المال ...  لكنه يحول دون إعادة فتح الأعمال التجارية ويتسبب في المزيد من النزوح والحاجة إلى المساعدة".

وعادة ما تتلقى المنظمة غير الحكومية الجزء الأكبر من تمويلها من الحكومات، لكن في هذه الحالة التي تعهدت فيها الحكومات بتقديم المساعدات الطارئة إلى بيروت، تركز المنظمة جهودها على جمع الأموال من المؤسسات العائلية والأفراد ذوي الأرصدة المالية الضخمة.

وقالت كراولي أن "بعض هؤلاء هم من المانحين الحاليين لمنظمتنا، لكننا نتواصل أيضاً مع أشخاص آخرين لضمهم لمجموعة المانحين لمنظمتنا. وأملنا أنه في حال تمكنّا من الحصول على الحد الأدنى من التمويل من جهات مانحة غير حكومية وغير مؤسسية، فإن ذلك سيساعدنا على إثبات جدوى التعافي المبكر وعندئذ يمكننا نقل ذلك إلى الحكومات".

"يمكن أن يكون هذا النوع من التمويل ذا قيمة كبيرة جداً بالنسبة للنداءات الإنسانية، لأنه قد يتمتع بمرونة أكبر وبشروط أقل".

دانييل مويلان، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التابع للأمم المتحدة.

وفي الإطار ذاته، تبحث الأمم المتحدة، التي أطلقت نداءً عاجلاً بقيمة 565 مليون دولار للاستجابة للانفجار، عن تنويع قاعدة الجهات المانحة واستهداف القطاع الخاص بشكل مباشر.

من جهتها، قالت دانييل مويلان، المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وهي الجهة التي تشرف على عمليات الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة أنه "يمكن أن يكون هذا النوع من التمويل ذا قيمة كبيرة جداً بالنسبة للنداءات الإنسانية، لأنه قد يتمتع بمرونة أكبر وبشروط أقل، على عكس ما تقوم به الجهات المانحة الأخرى مثل الحكومات".

وأضافت أنه "يمكن لأي مؤسسة خيرية أو شركة تجارية أن تركز على المجالات التي تعاني من نقص التمويل".

ومن منظمات الشتات العديدة التي تساعد في جمع أموال من مصادر غير حكومية من أجل بيروت "إمباكت لبنان" Impact Lebanon، وهي منظمة مقرها لندن وذات عضوية عالمية. وقد حققت المنظمة غير الربحية التي تقوم بجمع الأموال وتنظيم المبادرات المجتمعية لدعم الشعب اللبناني، هدفها الأولي والبالغ مليون دولار في يوم واحد فقط وجمعت 8.3 مليون دولار منذ 31 أغسطس.

وتقول "إمباكت لبنان" أنها ستوزع الأموال التي جمعتها على المنظمات غير الحكومية المحلية بدلاً من منظمات الإغاثة الدولية أو المنظمات ذات الصلة بالأمم المتحدة. كما تتبع المنظمة عملية تدقيق للتأكد من أن المنظمات الشريكة التي يقع الاختيار عليها مسجلة ومعترف بها وتتميز بحسن الإدارة ولا يوجد لها انتماءات سياسية أو طائفية.

من بين المنظمات الشريكة التي تم تخصيص جزء من الأموال لها جمعية الغنى الخيرية، وهي منظمة تقدم مساعدات مالية وطبية وغذائية للأيتام والأرامل والأسر المحتاجة، وجمعية "نساند"، وهي منظمة إنسانية مجتمعية وتطوعية يتركز نشاطها على ترميم المباني.

بدورها، شددت ربى محيسن، مؤسسة سوا للتنمية والإغاثة، وهي منظمة غير حكومية مقرها لبنان تُعنى بشؤون اللاجئين السوريين، على أهمية توزيع المساعدات توزيعاً عادلاً.

وعن ذلك قالت في حديث مع زمن العطاء: "يشكل اللاجئون السوريون والعمال المهاجرون والأقليات المحرومة جزءاً كبيراً من المتضررين من الانفجار" مضيفة أنه "قد يكون للفشل في اتباع نهج شامل لتوزيع هذا الكم من أموال المساعدات تداعيات خطيرة على المدى البعيد، بما في ذلك تفاقم مظاهر كراهية الأجانب وزيادة معدلات العمل في السوق السوداء".

وقالت مويلان من الأمم المتحدة أن الانفجار يمثل "نقطة تحول" بالنسبة للبنان واختتمت بالقول: "إما أن يجهز المجتمع الدولي نفسه لمساعدة لبنان، أو يتركه يتحول على المدى الطويل إلى دولة أخرى معتمدة بشكل مؤسف على المساعدات الإنسانية. وهذا بالتأكيد ما لا نريد حدوثه". – PA