صنع نماذج التغيير
في المدارس

رائدا الصناعة، فيصل وشابانا، يستخدمان نماذج مبتكرة للارتقاء ببيئة التعليم في المدارس الحكومية في الهند.. مدرسة تلو الأخرى.

تبدأ أوجه عدم المساواة عند بوابة المدرسة. هذا وفق رأي رجل الأعمال فيصل كوتيكولون، الذي يتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً له، والمؤسس المشارك لمؤسسة فيصل وشابانا الخيرية التي تختص في قطاعي التعليم والتنمية الاجتماعية. كان كوتيكولون قد جمع مبلغ 400 مليون دولار من بيع شركته عام 2012، ليحوّل اهتمامه وثروته نحو إعادة بناء المدارس الحكومية المحرومة في بلده، الهند، بهدف توفير فرص تعليمية متكافئة تضع كل الطلاب على قدم المساواة بغض النظر عن وضعهم المادي.

يوضح كوتيكولون القضية التي تبناها، قائلاً: "غالباً ما تكون المدارس الحكومية في حالة سيئة لافتقارها للصيانة على نحو ملائم بسبب نقص التمويل. يرتاد هذه المدارس نحو 90 بالمئة من أطفال الهند، ومن هنا تنبع أوجه عدم المساواة. فعندما لا يكون لديهم كتب مدرسية أو مراحيض، وعندما تتسرب مياه الأمطار إلى الفصول الدراسية، يمكنك أن تتخيل كيف يؤثر كل ذلك على نشأتهم. إنها سلسلة متشعبة من العقبات التي تحد من تنميتهم".

وفي محاولة لكسر هذه السلسلة، أمضى فيصل وزوجته شابانا السبع سنوات الماضية في البحث في برامج تحسين المدارس في الهند وتمويلها وتنفيذها، فضلاً عن الاستثمار في خطط التنمية الاجتماعية.

وقد تبرعت مؤسستهما بأكثر من 340 مليون روبية هندية (4.5 مليون دولار) لإعادة تأهيل المدارس باستخدام نموذج يعمل على استبدال غرف التدريس المتداعية بهياكل جاهزة مسبقة الصنع ضمن عملية سريعة. ويتم تصنيع هذه الهياكل من قبل كي إي إف كاتيرا، وهي شركة تابعة لشركة كي إي إف القابضة، وذلك للتعجيل في تجديد الغرف المخصصة للتعلم وتحسين حالة المدارس دون الحاجة إلى إعادة بنائها من جديد.

وحتى اليوم قدمت مؤسسة فيصل وشابانا الخيرية الدعم المباشر لتجديد 19 مدرسة في ثلاث ولايات هندية هي كيرالا وتاميل نادو وكارناتاكا، وقد أدى نجاح نموذجها إلى تبنيه من قبل الحكومة الهندية. فقد تم استخدام النموذج في تحديث ما يقرب من 1,000 مدرسة في جميع أنحاء البلاد، مما أتاح لأكثر من300,000  طالب وطالبة الاستفادة من الغرف الدراسية الجديدة والمرافق الأخرى.

وعن ذلك يقول فيصل: "ما بدأ كعمل خيري خالص عندما تبرعنا لمدرستنا الأولى أصبح الآن نموذجاً مستخدماً لتجديد المدارس في جميع أنحاء البلاد".

"القيام بالعمل الخيري لمرة واحدة له محدوديته ... نحن نريد استحداث نماذج يمكن توسيعها وضمان استمراريتها".

فيصل كوتيكولون، المؤسس المشارك لمؤسسة فيصل وشابانا الخيرية.

التأثيرات المبكرة

نشأ فيصل في عائلة من أرباب الصناعة في الهند، وهو يرى أن العمل الخيري يسري في عروقه، إذ يقول: "منذ نعومة أظفاري، كنت أطرح أسئلة من قبيل ’لماذا العالم هكذا؟‘ و’لماذا يوجد تفاوت كبير بين الأغنياء والفقراء؟‘".

وشكّل هذا النهج الطريقة التي يدير بها فيصل وزوجته استثماراتهما التجارية التي بدأت في الإمارات العربية المتحدة بتأسيس شركة الإمارات تكنو كاستينج عام 1995. وتعهد الزوجان شخصياً بأن يكون لأعمالهما "هدف اجتماعي" وأن "تترك أثراً إيجابياً" على حياة الناس، بدءاً بالقوى العاملة في الشركة من فنيين ومهندسين، كما يقول فيصل.

ويوضح قائلاً: "كنا نرغب ببناء شيء يتعدى كونه مصنعاً للتجميع، إذ عملنا على تطوير سلسلة القيمة المضافة بأكملها، بحيث نعلّم المهارات للعاملين هنا محلياً، بدءاً من أعمال الخردة، مروراً بسبك المعادن وتشكيلها وتصنيع القطع، وانتهاءً بالتجميع".

وفي عام 2006، أعاد الزوجان استثمار 5 ملايين دولار من أرباح العام السابق من أجل افتتاح مركز مجتمعي للموظفين يضم مكتبة وصالة رياضية وسينما ومقهى، ليصبح بذلك أحد المرافق القليلة من نوعها في البلاد في ذلك الوقت.

ويصف فيصل تلك الفترة قائلاً: "كنا نسمع الكثير من الأخبار عن افتقار عمّال البناء في الإمارات العربية المتحدة إلى الرعاية والاهتمام ... هذا ما دفعنا لبناء المركز لأننا أدركنا أن العاملين لدينا، الذين كان أغلبهم من الهند وباكستان وسريلانكا وبنغلاديش ونيبال – ويعيشون من دون أسرهم - لا يجب أن يشعروا بهذا الشعور."

وعندما أدركت الشركة أن العديد من موظفيها تلقوا تعليماً محدوداً أو لم يحصلوا على التعليم إطلاقاً، قامت بوضع منهج متخصص لتعليم اللغة الإنجليزية لمساعدتهم على تحسين مهاراتهم اللغوية إلى جانب توفير فرص التعلم الأخرى.

وعن هذه المبادرة، تقول شابانا: "أردنا مساعدتهم على فهم أهمية التعليم لأن الكثيرين من القوى العاملة لم يذهبوا إلى المدرسة ... لكن عندما وفرنا لهم التعليم هنا، اختاروا بدورهم تعليم أطفالهم. وفي بعض الحالات انضم أبناؤهم للعمل معنا فيما بعد".

وعندما باع الزوجان شركة الإمارات تكنو كاستينج مقابل 400 مليون دولار عام 2012، وجدا الفرصة سانحة لرسم مسار جديد من شأنه أن يركز بشكل أكبر على جهودهما في مجال العطاء.

ويقول فيصل وهو يتذكر تلك المرحلة من حياتهما: "ناقشنا فيما بيننا الخطوات التالية. كان لدينا فجأة الكثير من المال، لكننا كنا شابين وكان أطفالنا الأربعة صغاراً أيضاً. لم نكن نريد أن يفسد أطفالنا بوفرة المال، ولذلك قررنا التركيز على العمل الخيري".

image title

اكتشف المزيد: لمحة عن رائدي العطاء

الاسم: فيصل كوتيكولون وشابانا فيصل
الجنسية: الهندية
مكان الإقامة: دبي، الإمارات العربية المتحدة
العمل التجاري: شركة كي إي إف القابضة
المؤسسة الخيرية: مؤسسة فيصل وشابانا الخيرية (سنة التأسيس 2007)
قيمة العطاء السنوي: يتم توجيه ما لا يقل عن 10 بالمئة من أرباح شركة كي إي إف القابضة سنوياً إلى مؤسسة فيصل وشابانا الخيرية
مجموع المبالغ المتبرع بها حتى اليوم: 91.2 مليون درهم (24.8 مليون دولار)، من 2007 إلى سبتمبر 2020
التركيز الجغرافي: الهند والإمارات العربية المتحدة

القضايا التي تركز عليها المؤسسة ونسبة التبرعات الموجهة لها من الميزانية:

%50 التعليم وتنمية الشباب 

%23 الرعاية الصحية والرفاه

%20 التوعية المجتمعية 4% المساعدات الإنسانية والإغاثة 

%2 التنمية المستدامة 1% الثقافة والفنون

مدارس قديمة بنماذج حديثة

تم تأسيس مؤسسة فيصل وشابانا الخيرية عام 2007 ولكنها لم تدرج بشكل رسمي كمؤسسة خيرية في الهند قبل عام 2012. وتتلقى المؤسسة، التي يقع مقرها الرئيسي في بنغالور وتضم فريقاً مكرساً من الموظفين، منحاً سنويةً تعادل 10 بالمئة من الأرباح السنوية لشركة كي إي إف القابضة.

تتعدد مجالات استثمار المؤسسة، من توفير التعليم والتدريب لـ5,000  شخص يقطنون في ثماني قرى في كريشناجيري إلى تقديم الإغاثة الطارئة للمتضررين من الفيضانات في كيرالا وتشيناي وكشمير وهايتي. كما تشمل مشاريعها أيضاً صندوقاً وقفياً للمنح الدراسية بجامعة الشارقة ومنحة أبحاث طبية مقترحة بقيمة 10 ملايين درهم (2.72 مليون دولار) لمؤسسة الجليلة الإماراتية.

فضلاً عن ذلك، قامت مؤسسة فيصل وشابانا مؤخراً بمساعدة المتضررين من جائحة فيروس كورونا. ففي الفترة بين مارس وأغسطس، أنفقت المؤسسة أكثر من 75,000 دولار للمساعدة في إعادة الهنود الذين فقدوا عملهم وأصبحوا عالقين في ظروف بائسة في الإمارات إلى وطنهم، إلى جانب تغطية نفقات الإمدادات الغذائية الطارئة بالتعاون مع المنظمات المحلية في كلا البلدين.

مع ذلك، تبقى إعادة تأهيل المباني المدرسية المبادرة الرئيسية للمؤسسة، وهو أمر لا يثير الدهشة بالنظر إلى القناعات القوية لدى الزوجين بأهمية التعليم الجيد. كان أول مشروع للمؤسسة في هذا المجال في عام 2013، عندما أعادت بناء مدرسة يبلغ عمرها 120 عاماً في منطقة كوزيكودي في ولاية كيرالا، حيث أمضى فيصل جزءاً من طفولته.

كان المسؤولون المحليون قد حاولوا مراراً حث الجهات المختصة على البدء ببرنامجِ لترميم المدرسة المهنية الثانوية الحكومية العليا للبنات في ناداكافو من دون جدوى عندما تدخل الزوجان وقدما تمويلاً بقيمة 180 مليون روبية هندية (2.4 مليون دولار) لإتمام هذه المهمة.

بدأت الخطوات الأولى بتكليف المعهد الهندي للإدارة، وهو مركز أبحاث يقع مقره في بنغالور، بإجراء بحث لتحديد الثغرات والتحديات في المشروع بشكل دقيق. بعد ذلك، استعان الزوجان بشركتهما التي تصّنع الهياكل والمواد الجاهزة لبناء مدرسة جديدة خارج الموقع ومن ثم نقلها إلى كيرالا. وكما يوضح فيصل كانت العملية أشبه "ببناء مجسمات مثل لعبة 'الليغو'".

بالإضافة إلى المرافق الجاهزة الجديدة، قامت المؤسسة في المرحلة الأخيرة من المشروع بتدريب المعلمين، وتوزيع الزي المدرسي على الفتيات، وإنشاء مختبرات للعلوم، وتحديث برنامج الوجبات المدرسية، واستحداث الدروس الرياضية في الملاعب التي بنيت حديثاً في المدرسة.

ويقول فيصل: "أتذكر جيداً كيف شعر الناس بالصدمة عند افتتاح المدرسة في أحد أيام شهر مايو. فهم لم يتخيلوا أبداً أن تلك الفتيات الصغيرات، التي يعيش نحو 70 بالمئة منهن تحت خط الفقر ويأتي معظمهن من قرية لصيادي السمك، يمكنهن الالتحاق بمدرسة على هذا المستوى".

image title image title
يؤمن فيصل وشابانا كوتيكولون بأن التعليم هو الوسيلة الأكثر أهمية لتحقيق التغيير الاجتماعي الطويل المدى. الصورة: تم تزويدها.

الأثر على المجتمع المحلي

المشروع هو أحد الأمثلة الأولى لدخول مؤسسة خاصة في شراكة مع الحكومة الهندية من أجل تجديد مدرسة، حسب ما تفيد به شابانا، التي تقول: "لقد عملنا على العديد من الجوانب، وليس فقط البنية التحتية"، مشيرة إلى أن المجتمع المحيط بالمدرسة قد تأثر أيضاً بشكل إيجابي. فقد حصلت النساء في المجتمع المحلي على وظائف في المطابخ التابعة للمدرسة. وفي بلد لا يوجد فيه سوى عدد قليل من الأماكن العامة الآمنة للتنزه، وخاصة بالنسبة للنساء، أصبح لدى المجتمع الآن مرافق لممارسة الرياضة واليوغا.

ويقول فيصل: "لم ينعكس الأثر الإيجابي على مدرسة واحدة وطالباتها فقط بل نهض المشروع بالمجتمع المحلي بأسره."

كما تحسن الأداء الأكاديمي للطالبات. فقد ارتفع عدد الطالبات اللاتي حصلن على درجة امتياز من خمس طالبات في سنة الافتتاح إلى 67 طالبة، كما وصل معدل النجاح إلى 100 بالمئة. فضلاً عن ذلك، احتلت المدرسة المرتبة الثانية في تصنيف المدارس الهندية لعام 2019-2020.

ولا غرابة في أن طلبات القبول في المدرسة شهدت ارتفاعاً أيضاً. وبينما لم يكن أحد في السابق يرغب في تسجيل أطفاله في المدارس الحكومية، زاد الطلب على المدرسة التي أصبحت تستقبل طلبات التحاق تصل إلى أربعة أضعاف المقاعد المتوفرة لديها والبالغ عددها 1,600 مقعد.

ويوضح فيصل بقوله: "لم تأت هذه الطلبات من الطالبات الفقيرات فقط، بل جاءت من بنات الأطباء والمهندسين كذلك. ولا شك أنه على الصعيد النفسي، عندما تجلس ابنة صياد سمك بجوار ابنة طبيب تبدأ الأمور في التغير. أعتقد أننا نستطيع حل الكثير من المشاكل في العالم إذا كان لدينا فقط تعليم حكومي جيد".

دفع النجاح الذي حققه تجديد مدرسة ناداكافو فيصل وشابانا إلى التواصل مع الحكومة الهندية لطرح فكرة قيامهما بدعم المزيد من المدارس من خلال تقديم التمويل وخطة لزيادة استخدام منتجات البناء المسبقة الصنع في المدارس. تم قبول عرضهما وبذلك أصبح نموذجهما لترميم المدارس معتمداً بشكل رسمي.

واليوم، تتبع أكثر من 140 مدرسة في ولاية كيرالا نموذج ناداكافو، وتأثرت المئات من المدارس الأخرى به بطريقة أو بأخرى. وقد قدمت المؤسسة دعماً مالياً مباشراً إلى 16 مدرسة في ولاية كيرالا، ومدرستين اثنتين في ولاية تاميل نادو، ومدرسة واحدة في بنغالور.

وتم إدراج النموذج كدراسة حالة حول الاستثمار الاجتماعي في برنامج دراسي تابع لكلية إدارة الأعمال بجامعة ستراثكلايد في غلاسكو، كنموذج لسبل التعاون بين المؤسسات الخاصة والهيئات الحكومية في الهند.

"أعتقد أننا نستطيع حل الكثير من المشاكل في العالم إذا كان لدينا فقط تعليم حكومي جيد".

فيصل كوتيكولون، المؤسس المشارك لمؤسسة فيصل وشابانا الخيرية.

حياة الناس وسبل العيش

توسع اهتمام فيصل وشابانا بعد ذلك من ترميم المدارس إلى التنمية الريفية والمجتمعية، حيث استهدفا ثماني قرى في منطقة كريشناجيري في ولاية تاميل نادو.

يسكن هذه المنطقة، التي تقع بالقرب من أحد مصانع شركة كي إي إف للنجارة والتجهيزات، 5,000 شخص استفادوا من طائفة متنوعة من التدخلات، من بينها تحديث مدرسة، وتقديم دروس مهنية في اللغة الإنجليزية والحاسوب والخياطة، فضلاً عن توفير الدعم لاستخدام الزراعة العضوية والتقنيات الجديدة في تربية الماشية، ورفع جودة المساكن وتحسين خدمات الصرف الصحي.

بدأت المؤسسة أنشطتها في المنطقة بإجراء دراسة لتقييم احتياجات سكان هذه القرى بمساعدة منظمة غير حكومية محلية. وبناءً على النتائج التي توصلت إليها، قامت بتصميم برامج تستهدف الزراعة والتعليم وخدمات الصرف الصحي من أجل تحسين حياة الأشخاص الذين يعيشون هناك.

وحتى الآن، قدمت الخطة، التي تعرف باسم مشروع كريشناجيري للتنمية، التدريب لأكثر من 300 مزارع على أساليب الزراعة العضوية من خلال جامعة بنغالور، وتدريب ما يقرب من 100 امرأة على صنع أكياس القماش.

وتقول شابانا: "لقد حصلوا مؤخراً على طلب تجاري كبير من مشترٍ في تاميل نادو. ونحن نشعر بالفخر حيال انجازهم هذا".

ووفقاً لدراسة لتقييم الأثر قام بها طرف ثالث في بداية عام 2020، حقق مشروع كريشناجيري للتنمية قفزة بنسبة 225 بالمئة في معدل الالتحاق بالمدارس بين السكان في حين ارتفع الدخل الأساسي للأسر من 33,278 روبية هندية (443 دولاراً) في الشهر إلى51,576 روبية هندية (687 دولاراً).

لكن شابانا تقر بأنهم واجهوا بعض العقبات، إذ تقول: "علمنا من خلال الأبحاث التي أجريناها بعدم توفر مراحيض كافية في القرى وأن هناك مشكلة في الصرف الصحي وأخرى تتعلق بسلامة النساء والأطفال الذين يخرجون ليلاً. لذلك باشرنا ببناء مراحيض، إلا أن بناءها لم يكن كافياً لحل هذه المشكلة لأن السكان لم يكونوا يعرفون كيف يستخدمونها، وانتهى الأمر باستخدام العديد منها في البداية كمخازن". وجاءت استجابة المؤسسة بتوظيف السكان للمساعدة في بناء المراحيض واستثمار الأموال في جلسات التثقيف، مما ساعد على رفع الوعي وبناء الثقة.

وترى شابانا أن "الأمر يتعلق بطريقة التفكير الصحيحة والعمل مع المنظمات غير الحكومية المحلية التي تدرك تماماً السياق المحلي". وتضيف بالقول: "دائماً ما نلجأ للشراكة مع المنظمات غير الحكومية المحلية ليس لأنها لا تملك الخبرة فحسب، بل تتقن أيضاً اللغات المحلية وتتمتع بثقة الناس".

"يجب أن تقوم بعمل قريب إلى قلبك، في مجال تهتم به حقاً".

شابانا فيصل، المؤسس المشارك لمؤسسة فيصل وشابانا الخيرية.

التعاون، لا المنافسة

يرى الزوجان أن تعاونهما الوثيق مع الجهات الحكومية والمنظمات غير الحكومية كان عاملاً رئيسياً في نجاح تدخلات المؤسسة التعليمية والمجتمعية. وعن ذلك تقول شابانا: "العمل ضمن شراكات يزيد من التأثير الذي يمكن أن نحدثه. وهذا يعني أن بإمكاننا فعل المزيد والوصول إلى عدد أكبر من الأشخاص".

كما يفضل الزوجان اتباع نهج الجذب وليس الدفع، إذ يتم بحث المشاريع بدقة للتأكد من أن الحلول التي يتم وضعها تلبي حقاً احتياجات المستفيدين، وأنها لا تفرض عليهم، وأن جميع البرامج تخضع للتقييم والمراجعة من طرف خارجي.

ويؤكد فيصل على أنه "لا بد من أن يكون هناك هدف وراء جميع الأعمال الخيرية والاستثمارات الاجتماعية". ويضيف قائلاً: "لا بد أن يكون لديك بيانات كمية ونوعية للتأكد من أن كل فلس تقدمه سيترك الأثر المطلوب. وعندما تدرك أنك تحقق الأهداف، فإن ذلك يصبح جزءاً من الحافز. خذ المدارس على سبيل المثال، قمنا بترميم مدرسة واحدة فقط في عام 2013، واليوم وصل العدد إلى مئات المدارس".

كانت هذه الرغبة في ترك أثر كبير أيضاً وراء تمويل مركز للأبحاث والتطوير يركز على تقنيات البناء على شكل وحدات نمطية خارج الموقع ضمن برامج الهندسة المدنية والمعمارية في معهد مانيبال للتكنولوجيا في ولاية كارناتاكا الهندية.

تم افتتاح المركز، الذي تبلغ مساحته إلى 60,000 قدم مربع وتفوق تكلفته المليون دولار، في أوائل عام 2020 بهدف تدريب الكادر التعليمي في كليتي الهندسة المعمارية والهندسة المدنية في الجامعة على تطبيق حلول المباني التي يتم تجميعها في موقع خارجي. ويتمثل هدف هذه المبادرة في توسيع استخدام المباني المسبقة الصنع كاستجابة سريعة ومنخفضة التكلفة لاحتياجات الإسكان والبنى التحتية الأخرى.

"تتعلق المسألة بأكملها بسلسلة القيمة. إذ نقوم بتدريب الأساتذة الذين يدربون بدورهم طلبة الدراسات العليا، ثم يقوم هؤلاء بتدريب طلاب المرحلة الجامعية الأولى، وبهذه الطريقة نحن نعمل على نقل المعرفة. ما نريد أن نفعله بعد ذلك هو التواصل مع الراغبين عبر الإنترنت لتوصيل المعرفة إليهم مجاناً بالإضافة إلى استقبال أشخاص من دول أخرى للتعلم هناك".

ويضيف فيصل بقوله أن هذا النوع من التدريب قد يكون مفيداً بشكل خاص للمهندسين في سوريا والعراق، وغيرهما من الدول المنكوبة أو التي مزقتها الحروب والتي تحتاج إلى القيام بجهود إعادة البناء بسرعة وبتكلفة مجدية.

فعلى سبيل المثال، قامت مؤسسة فيصل وشابانا في أعقاب الفيضانات التي ضربت ولاية كيرالا عام 2018، ببناء أكثر من 100 منزل جديد للأسر المتضررة. وعن تلك المساعدات يقول فيصل: "كنا أول من يصل إلى الميدان وقد تمكنّا من بناء منزل في أقل من 12 ساعة واستطاع الناس الانتقال إليه في اليوم ذاته. في البداية قدمنا التمويل لكن في نهاية المطاف كان الأمر يتعلق بنقل التكنولوجيا للحكومة لتكون قادرة على القيام بذلك بنفسها".

وعن مركز الأبحاث والتطوير في مانيبال، يقول فيصل: "نحن لا نعطي المال فقط وإنما نقدم المال والمعرفة. فقيمة هذه المعرفة ستكون أكبر بكثير من الاستثمار النقدي الذي قدمناه في البداية".

وفي الوقت الذي يستثمر رواد العطاء مبالغ طائلة في المشاريع الخيرية، يفضل الزوجان أن يجمع عطاؤهما بين التبرعات الأقل قيمة لكن المرفقة بنقل المعرفة والتي تتم ضمن شراكات.

كما يرى فيصل أن "القيام بالعمل الخيري لمرة واحدة له محدوديته"، موضحاً أن ذلك "لا يعني أنه لا يجب على الناس القيام به على هذا النحو. لكن بالنسبة لنا، نحن نريد استحداث نماذج يمكن توسيعها وضمان استمراريتها من خلال تخطي التحديات القائمة. وهذا يتعلق بتحفيز الحكومة وتثقيفها من أجل دفعها لبذل الجهود المطلوبة وليس فقط تنفيذ المشاريع بالنيابة عنها".

وعلى الرغم من أن مؤسسة فيصل وشابانا الخيرية يديرها جوزيف سيباستيان بصفة مدير عام، إلا أن الزوجين هما أيضاً مديران مشاركان ويتابعان بشكل حثيث إدارة عملياتها اليومية. بالإضافة إلى ذلك، انضمت ابنتهما الكبرى صوفيا، البالغة من العمر 26 عاماً، للعمل معهما وقد ساهمت مؤخراً في تقييم أثر مشروع كريشناجيري للتنمية.

أما رسالة شابانا لمن يسعون إلى الانخراط في العمل الخيري فهي النظر بإمعان أولاً إلى القيم المشتركة للعائلة وتحديد القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لها: "يجب أن تقوم بعمل قريب إلى قلبك، في مجال تهتم به حقاً".

أما الاهتمام الأول لدى فيصل فيبقى منصباً على التصدي لأوجه عدم المساواة في مجال التعليم، فيقول: "ما يغمرني بالسعادة، أكثر من جميع الشركات التي أديرها والعائدات بمليارات الدولارات التي أحققها، هو سماع أحد الأطفال الذين يرتادون مدارسنا يتحدث بثقة عن تطلعاته للمستقبل".

وينهي بالقول: "أذكر تماماً ما قالته لي إحدى الفتيات بإنها تطمح في أن تصبح عالمة أحياء، وعندما سألتها عن مهنة والدها قالت لي أنه حمّال. سماعها تقول ذلك جعلني أقول في نفسي: يا للروعة: من الممكن حقاً إحداث فرق في حياة الآخرين". — PA