مبادرات شعبية تطلق في الإمارات استجابة لأزمة كوفيد-19

أفراد من المجتمع المحلي يهبّون لتعبئة الجهود ومساعدة أشد الفئات تضرراً من انتشار الوباء.

في الوقت الذي فرضت فيه جائحة كوفيد-19 الإقفال العام وحظر التجول في دولة الإمارات العربية المتحدة، بادر العديد من السكان بإطلاق حملات شعبية لمد يد العون للعمّال من ذوي الدخل المنخفض وغيرهم من الفئات الأكثر عرضة لتبعات انتشار الوباء.

فقد قام أفراد من مختلف أنحاء الإمارات بتعبئة الجهود لدعم عشرات الآلاف من الوافدين الذين باتوا بين ليلة وضحاها عاطلين عن العمل، ينقصهم المال والغذاء، ولا سبيل لهم للعودة إلى بلادهم.  

قام بإحدى هذه المبادرات غير الرسمية المواطن الإماراتي، عامر اليافعي، الذي أفاد بأنه تأثر عندما سمع بأن العديد من الناس قد فقدوا وظائفهم أو أنهم لا يتلقون أجورهم أو رواتبهم. 

ويقول ابن الثلاثين عاماً لزمن العطاء: "الناس في وضع سيئ جداً. لقد فقدوا وظائفهم ولا يملكون المال لشراء الغذاء. فشعرت أنه من واجبي أن أرد الجميل لبلدي ومجتمعي بعد كل ما أعطته لي الحياة". ويضيف قائلاً: "ربما إنه الشعور بالذنب". 

بعد التشاور مع أصدقائه، قرر اليافعي، الذي يعيش في أبوظبي، أن ينشئ مجموعة على تطبيق واتس آب، قام من خلالها بدعوة المستخدمين الراغبين بالمساعدة للتسجيل، ثم أنشأ صفحة على شبكة فيسبوك ليعلن عن توفر المساعدات للمحتاجين. كان اليافعي يتحقق من صحة الطلبات التي تصله على الصفحة ثم يقوم بنشرها على واتس آب طلباً للمساعدة، حيث يقوم المشاركون بتقديم المواد الغذائية والحاجيات الأساسية الأخرى مباشرة للمحتاجين. 

ويقول اليافعي: "يقوم مقدم المساعدة بالتواصل مباشرة مع طالب المساعدة لكي يعرف بالتحديد ما هي الحاجة، فإذا كانت غذاءً أو حفاظات لطفل مثلاً، سيتطلب الأمر معرفة نوع الغذاء أو مقاس الحفاظات". ويضيف قائلاً: "العملية سهلة ومباشرة". 

وقد أطلق على هذه الحملة اسم مبادرة الإغاثة الإماراتية، وقد ساعدت منذ إطلاقها في مارس 2020 ما يزيد عن 7,000 شخص في مختلف أنحاء الإمارات. ويوضح اليافعي أن غالبية متلقي المساعدات كانوا من الفلبين لكنهم ضموا أيضاً وافدين من سوريا وباكستان والهند وبنغلاديش ودول أخرى.

"لقد غمرتني السعادة عندما رأيت الأعداد الكبيرة للأشخاص الذين عرضوا مساعدتهم على أناس محتاجين لم يسبق أن قابلوهم من قبل – ومن غير المرجح أن يروهم ثانية".

هيثر هاريس، مؤسسة مبادرة "قف وساعد".

تعد فئة العمّال متدني الدخل - الذين يعتمد غالبيتهم في معيشتهم على أجور بسيطة من شهر إلى آخر، من دون ضمان اجتماعي أو مدخرات – أكثر المتضررين من أزمة كورونا في العالم العربي. 

واستجابة لهذا الوضع الطارئ، قامت العديد من الحكومات والجمعيات الخيرية بتقديم المعونات الغذائية للفئات المحتاجة. ولم يمنع حظر التجمعات منظمي مآدب الإفطار خلال شهر رمضان من تأدية عملهم الخيري، وإن كان بأسلوب آخر، إذ قاموا بتوصيل وجبات الإفطار إلى الصائمين من باب إلى باب. لكن العدد الهائل للأشخاص الذين فقدوا أرزاقهم بسبب الأزمة جعل الحاجة تفوق المساعدات المقدمة بأضعاف.

وفي دبي، أطلقت سيدة الأعمال البريطانية هيثر هاريس، البالغة من العمر 53 عاماً، مبادرة "قف وساعد" (Stop and Help) على نهج يشابه نهج مبادرة الإغاثة الإماراتية، حيث يتم ربط المحتاجين الذين يسجلون في المبادرة مع المانحين. 

وتقول هاريس، التي تدير شركة في مجال التعليم، أن الفكرة أتتها في مارس عندما علمت أن هناك العديد من الأسر التي وجد معيلوها أنفسهم فجأة من دون عمل بسبب الحظر والإقفال العام. ومع عدم توفر المدخرات أصبحت تلك الأسر غير قادرة على شراء الغذاء.  

تأثرت هاريس بحالة هذه الأسر، فقررت أن تنشئ صفحة على فيسبوك تعلن فيها عن توفر المساعدات. وفي غضون شهرين كانت المبادرة قد أوصلت مواد غذائية ومستلزمات منزلية وألعاب إلى أكثر من 3,000 أسرة – كما تستلم بعض هذه الأسر المساعدة كل أسبوع من بعض المانحين الذين يكررون مساعدتهم. 

تدير هاريس أنشطة المبادرة – التي تصفها بـ "تبادل الطيبة" – بدعم من زوجها وولديها ومجموعة من المتطوعين. وتشترط المبادرة في أن يكون لدى مقدمي طلب المساعدة أولاد.  

وتقول هاريس عن تجربتها هذه: "لقد غمرتني السعادة عندما رأيت الأعداد الكبيرة للأشخاص الذين عرضوا مساعدتهم على أناس محتاجين لم يسبق أن قابلوهم من قبل – ومن غير المرجح أن يروهم ثانية". وأكدت أن المبادرة ما كانت لتنجح بدون المتطوعين المحليين. وتوضح قائلة: "إن التعامل مع أعداد الأشخاص الذين يسألوني 'كيف يمكنني المساعدة' هو تقريباً بصعوبة التعامل مع الأعداد الكبيرة لطالبي المساعدة. وهذا شيء مذهل".

كما استجاب لنداء المحتاجين أيضاً رجل الأعمال محمد صديق فضلاني الذي يتخذ من دبي مقراً له بعد انتقاله لها من الهند عام 1991. قرر فضلاني الذي يملك شركة ميلو للتجارة التي تختص باستيراد المواد الغذائية أن يوزع بعض هذه المواد في حزم تحتوي على أرز وعدس وزيت الطهي على الأسر الأكثر تضرراً من الأزمة. 

قام فضلاني بمبادرته بالتعاون مع عدد من المنظمات غير الحكومية التي أضافت احتياجات أخرى إلى الرزم الغذائية لكي تمكن أسرة من خمسة أفراد على الاكتفاء لفترة أسبوعين. وقاموا جميعاً بتوزيع الرزم على مساكن العمال. 

وسرعان ما علم المشاركون بهذه المبادرة أن هناك أسراً في مساكن خاصة تعاني من عدم تمكنها من شراء الأغذية. وهكذا تمكنت المبادرة خلال فترة شهرين من تقديم 10,000 رزمة غذائية بتكلفة 150,000 دولار إلى الشركة. 

ويقول فضلاني البالغ من العمر 56 عاماً: "لقد شاهدت الكرم الذي يتسم به حكام الإمارات في عطائهم لمن هم بحاجة إلى المساعدة، وشعرت أنها مسؤوليتي أيضاً أن أساهم في هذا العطاء. لو أعطى المزيد من الناس مما لديهم، لكنا نعيش في عالم مختلف".