نحو آفاق جديدة

خصص رجل الأعمال الكندي، جيم إيستل، مبلغ 1.5 مليون دولار لتمويل عملية إعادة توطين 58 أسرة سورية لاجئة في بلدته في مقاطعة أونتاريو. وهو يأمل بأن يحفز عمله هذا رواد أعمال آخرين حول العالم على مساعدة اللاجئين في محنتهم.

يبدو أن جيم إيستل كان مقنعاً جداً، إذ لم يتطلّب الأمر أكثر من ساعة واحدة فقط من النقاش ليتمكن من حشد الدعم اللازم وراء خطته الهادفة لجلب 50 أسرة لاجئة سورية إلى كندا. كان رجل الأعمال الكندي قد دعا المنظمات الإنسانية والدينية إلى اجتماع في مدينته الصغيرة "غويلف" ليقدم لهم عرضاً موجزاً يوضح خطته ويطلب منهم المشاركة بها لإنجاحها. وهو ببساطة يقول: "لقد وافقوا، وهكذا تم الأمر".

إيستل هو الرئيس التنفيذي لشركة الأجهزة المنزلية "دانبي" التي تقدّر قيمة إيراداتها السنوية بملايين الدولارات. وهو رجل يفعل أكثر مما يتكلم، وقد أسس عدة مشاريع تجارية وشركات خلال حياته وبنى سيرته المهنية وفق المبدأ القائل بأن عدم اتخاذ قرار هو قرار بحد ذاته، فضلاً عن المقولة: عندما تقع في حيرة من أمرك، فافعل دائماً الصواب وما هو لائق. وهذا بالفعل ما فعله في العام 2015 عندما تصاعد عدد اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب ليبلغ أربعة ملايين نسمة، وارتفاع أعداد الذين قضوا نحبهم غرقاً قرابة شواطئ أوروبا.

فأمضى الأيام التالية وهو يعمل على تقييم تكاليف المعيشة في مدينته التي تبعد 93 كلم عن مدينة تورونتو؛ بدءاً ببدلات الإيجار وانتهاءً بتكلفة الغذاء، ثم قارن حساباته بما تقدمه الحكومة ضمن برنامج الرعاية الاجتماعية. فأوصلته تقديراته بالنهاية إلى أن رعايته لأسرة مكونة من خمسة أشخاص في "غويلف" ستكلفه ما يقارب الـ 30,000 دولار كندي، فإن هو خصص مبلغ 1.5 مليون دولار كندي سيتمكن من رعاية 50 أسرة سورية لمدة عام، وهو ما يفي بأحكام برنامج الرعاية الخاصة في كندا.

كان هذا ملخص الخطة التي عرضها إيستل على الجمعية الإسلامية في غويلف، ومنظمة "جيش الخلاص" ومجموعة من الكنائس ودور العبادة اليهودية، طالباً مساعدتهم في إعداد شبكة من المتطوعين في مختلف أرجاء المدينة تعمل على مساعدة الأسر اللاجئة على التأقلم في حياتهم الجديدة.

واليوم يقول إيستل: "أنا لم أرَ شأناً عظيماً أو صعباً في المسألة. فمن تجربتي كرائد مشاريع، أقول دائماً إنني قادر على فعل شيء مهما كان الظروف. وليس من طبعي أو تركيبتي الجينية أن أشيح بوجهي عن مسألة ما". ويضيف: "إن إضافة 250 شخصاً إلى مدينة يبلغ عدد سكانها 130,000 نسمة هو ليس بنسبة تذكر. كانت نظرتي هي أنه لو قدم كل مواطن كندي مساهمةً فنحن قادرون على تحقيق إنجاز كبير".

يمكن القول بأن قضية اللاجئين السوريين لم تلق التعاطف المتوقع أو الاستجابة المطلوبة عالمياً، بل على العكس، فكثير من الدول تعاملت مع الأزمة بمزيج بين التردد ونوع من العداء. أما في كندا، فقد اختلف الوضع كثيراً، إذ أن الكنديين قد سارعوا للترحيب بهم. كانت كندا قد أطلقت برنامج الرعاية الخاصة للمهاجرين في العام 1978 في أعقاب حرب فيتنام، وهو يسمح للمواطنين الكنديين بأن يستقبلوا اللاجئين ويوفروا لهم سبل الاستقرار شرط أن يتعهدوا بدفع نفقاتهم خلال السنة الأولى من قدومهم إلى البلاد.

وقد دخل إلى كندا ضمن هذا البرنامج ما يزيد عن الربع مليون لاجئ، من ضمنهم آلاف السوريين منذ اندلاع الحرب هناك في عام 2011. ويبدو أن مساعدة اللاجئين هي إرث لدى أسرة إيستل، فعندما كان ما يزال طفلاً ساعد والداه شابان كانا قد هربا من الأوضاع حينها في أوغندا على اللجوء إلى كندا. ويقول: "أكثر شيء أذكره حينها هو أنني أحسست بالانزعاج لأنني اضطررت لإخلاء غرفتي ليتمكنوا من المبيت فيها". ويضيف وهو يبتسم: "كان عمري لا يتجاوز الثمان سنوات. لكن سرعان ما أصبحنا أصدقاء".

كانت خطة جيم إيستل طموحة، خاصةً عند النظر في تفاصيلها اللوجستية والتنظيمية؛ لكنها على الرغم من اعتمادها على المتطوعين والتبرعات، فقد كان من شأنها أن تدار مثلما تدار الأعمال والمشاريع لتحقق النتائج المرجوة منها. فتم البدء بتنفيذ الخطة كعملية منظمة شاملة لتوفر للاجئين كل ما هو مطلوب خلال المرحلة الانتقالية ليصبحوا جزءاً من مجتمعهم الجديد - سواء المسكن، أو المفروشات، أو دورات تعليم اللغة الإنجليزية، أو التدريب المهني لدخول سوق العمل، أو غيرها.

وتم تخصيص مرشدين محليين، بعضهم يتحدث باللغة العربية، لكل أسرة لمساعدتها في أمور مختلفة مثل البحث عن طبيب، فتح حساب في البنك، أو شراء الأغذية والحاجيات. ويتم توفير السكن للأسرة خلال فترة الأربعة إلى ستة أسابيع الأولى على وصولها إلى كندا، في منزل أسرة محلية تلعب دور المضيف.

يتوقف نجاح الخطة بالنهاية على معيار واضح، وهو على حد تعبير إيستل، في أن تصبح الخمسين أسرة معتمدة على نفسها، قائمة بأمورها؛ تعمل وتنتج وتدفع الضرائب وتتحدث باللغة الإنجليزية ومندمجة إلى حدّ ما بالمجتمع المحلي. ويوضح قائلاً: "الهدف النهائي هو الاستقلالية. فالنجاح ليس بأن تعيش 50 أسرة على برنامج الرعاية الاجتماعية، وليس بعزل الناس في غيتوهات. فأنت حقيقةً لا تساعد أي إنسان بمجرد منحك للشيكات".

ولم تكن مسألة حشد الدعم من سكان غويلف بالصعبة، فخلال أسابيع من الإعلان عن الخطة كان قد تقدم أكثر من 800 متطوع، تم تنظيمهم ضمن فرق تعنى بشؤون مختلفة؛ من الرعاية الصحية، والأمور المالية، والتعليم، إلى التوظيف، والتنقل، وغيرها. وتحت إشراف مدير، أصبح كل فريق يهتم بإرشاد الوافدين الجدد حول جانب معين من حياتهم. كما تجاوب سكان المدينة بحماس لنداء التبرع بمختلف مستلزمات السكن، من أدوات منزلية وأثاث وملابس وأغطية وصحون وما شابه. فقد امتلأ بها مستودع تم استئجاره استعداداً لقدوم الأسر اللاجئة.

لم تشكل إدارة البرنامج تحدياً كبيراً لإيستل، فيقول: "عندما يسألني أصدقائي عن المصاعب، أقول لهم دائماً أنه إذا كنت قادراً على إدارة 800 موظف في شركة، سيمكنك إدارة برنامج يشارك فيه 800 متطوع، فهو في الحقيقة لا يختلف. الأمر يتعلق بالتنظيم والتنفيذ الصحيح على نطاق موسع".

المسألة التي كانت حقاً صعبة هي اختيار اللاجئين الذين سيستفيدون من البرنامج. في نوفمبر من العام 2015، نشرت صحيفة محلية في غويلف مقالة عن خطة إيستل. بعد أيام من صدورها تُرجمت المقالة إلى اللغة العربية وأعادت وسائل الإعلام نشرها، حاملة بريق أمل لدى الآلاف في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

في البداية، لم يتلقّ إيستل سوى العشرات من الرسائل من اللاجئين يطلبون مساعدته، لكن خلال بضعة أسابيع تصاعد عدد الرسائل إلى الآلاف، أتت من أسر لاجئة في تركيا والأردن ولبنان، وحتى من أسر داخل سوريا تطلب العون. وقد قرأ إيستل جميع تلك الرسائل.

ويقول بنوع من الأسى: "إنه أمر شاق ومؤلم جداً لأن قرارك يؤثر على مصير الناس. فكيف تختار من بين هذه الأسر؟ من تساعد ومن لا تساعد؟ فأنت لست قادراً على مساعدتهم جميعاً".

وبالنتيجة، قرر إيستل أن يختار أولئك الذين من المرجح أكثر من غيرهم أن يندمجوا بالمجتمع الكندي؛ أي تلك الأسر التي تحوي بين أعضائها من هو قادر على أن يعمل ويجني المال ليعيل أسرته، أو التي لديها أصلاً أقارب في المناطق المجاورة في كندا، وماشابه. وبعد فترة مرهقة من البحث والتدقيق في طلبات الرعاية تم اختيار 58 أسرة، أو ما يعادل 220 شخصاً. ووصلت أول مجموعة من الأسر إلى كندا في يناير 2016 بعد أن تأخر سفرها بسبب الإجراءات البيروقراطية، بينما بقيت العديد من الشقق المستأجرة مسبقاً خالية بانتظار مجيئهم. وتمكنت آخر الأسر في القائمة من السفر إلى كندا في أبريل هذا العام.

"كان مشهداً رائعاً أن ترى الناس يعطون من دون حساب؛ يعطون من وقتهم ومالهم ومهاراتهم في سبيل مساعدة هذه الأسر"، هذا ما تقوله سارة سيّد التي تساهم بالإشراف على عملية إعادة توطين الأسر اللاجئة برفقة زوجها، محمد سيّد، من الجمعية الإسلامية في غويلف.

وتوضح سيّد بأن عملية تأقلم اللاجئين في المرحلة الأولى لم تكن بالصعوبة التي توقعتها، إذ لم تتعدَّ كونها اشكالات بسيطة بسبب بعض الفروقات الثقافية الثانوية في العادات والمفاهيم التي حصلت بين الأسر اللاجئة والأسر المضيفة. كما أن عدم وجود لغة مشتركة كان له وقع أحياناً فتقول: "كنّا نحتاج إلى أن نذكّر الأسر المضيفة بأن اللغة الإنجليزية لدى بعض اللاجئين كانت تقتصر على بضع كلمات فقط، وكانوا يبذلون جهداً كبيراً للتواصل". وتضيف: "كنت أيضاً أتوقع مشاكل كبيرة على الصعيد اللوجستي، لكن الأمر اقتصر فقط على سوء تفاهم لا يذكر بسبب اختلاف اللغة والثقافة".

كان إيستل يشجع اللاجئين الذين لا يمتلكون مهارات كافية في اللغة الإنجليزية على مشاهدة التلفاز لكي يتعودوا على سماع اللغة ويسرّعوا من تعلمهم لها. وخلال زيارته لإحدى الأسر، تفاجأ إيستل بالجهد الذي كان يبذله أعضاءها ليفهموا ما يقال في برنامج تلفزيوني ناطق باللغة الفرنسية؛ "يبدو أنهم افترضوا بأنه طالما كان برنامجاً يشاهدونه على التلفاز، فسيكون بطبيعة الحال ناطقاً باللغة الإنجليزية. أعتقد أنه مثلما كان سيختلط عليّ الأمر إذا طُلب مني أن أميز بين اللغة الصينية والكورية".

على صعيد آخر، لاحظ إيستل أنه بينما كانت الأسر قد بدأت تستقر في حياتها الجديدة، كان العديد منها يكافح بصعوبة وهم يحاولون الدخول إلى سوق العمل، وذلك لافتقارهم للخبرات الضرورية والمهارات اللغوية. بعض اللاجئين كانوا شبه أميين في لغتهم الأم، ما جعل تعلم لغة جديدة عمل جبار.

استجاب إيستل لظهور هذه العقبة بتطوير برنامج "Ease into Canada" في شركته 'دانبي'، والذي يتيح للاجئين فرصة العمل لمدة ثلاثة شهور لكي يألفوا بيئة العمل في كندا ويحددوا خطاهم المستقبلية، وفي ذات الوقت يتم تدريبهم على كيفية التصرف والتحدث في مقابلات التوظيف، وإعداد سيرتهم الذاتية، فضلاً عن دروس يومية في اللغة الإنجليزية في مكاتب الشركة.

يقول إيستل: "نخصص 40 دقيقة في اليوم لتعليم الإنجليزية؛ كما ننظّم ما نسميه بـ 'رفيق الطعام' [الذي يدردش مع زميله اللاجئ بالإنجليزية خلال استراحة الغداء]، و'كلمة اليوم الجديدة' التي تنطق أولاً باللغة العربية ثم بالإنجليزية. ونعمل أيضاً ما بوسعنا ليفهموا ويتعودوا على الطريقة التي نفعل بها الأشياء في كندا".

وقد استجاب بحماس جميع الموظفين في دانبي للدعوة بالمشاركة في هذه الجهود. ويوضح قائلاً: "إذا كنت ترغب فعلاً بإلهام موظفيك، فعليك تنظيم مشروع كهذا، لأن ما يلهم الناس هو غرض أو هدف يسعون إليه. كنت أحب أن أقول إن بيع 1,000 ثلاجة أخرى من مصنعنا يمثل هدفاً حقيقياً، لكن يبدو أن الهدف الذي وضعناه للبرنامج أقوى تأثيراً".

برنامج شركة دانبي مفتوح لكل السوريين للمشاركة به، وليس فقط أولئك الذين يرعاهم إيستل. وبالفعل، فقد انتقل بعض اللاجئين السوريين من مناطق أخرى في كندا إلى مدينة غويلف بهدف الانتساب للبرنامج. ومتى ما قارب برنامج التسعون يوماً على الانتهاء، يلجأ إستيل للبحث في شبكة معارفه محاولاً إيجاد وظائف لجميع الذين أكملوا البرنامج. ويقول: "إذا توفر لهم عمل لدينا، نبقيهم معنا. وإن لم يتوفر، أحاول أن أجد لهم عملاً مع أصدقائي من أرباب العمل. فأقول لأصدقائي مثلاً، 'أمنحوهم الفرصة، فهم مجتهدون بعملهم، وسوف يدهشونكم'".

ولغاية اليوم، تمكن إيستل من إيجاد عمل لنحو مئة لاجئ ولاجئة من خلال شبكة علاقاته والبيئة الاقتصادية المواتية لمدينة غويلف التي تكثر فيها المصانع التي تعتمد بشكل كبير على العمالة اليدوية. إنها ليست وظائف مغرية، وقد تشكل صدمة للمثقفين من اللاجئين السوريين، لكن الهدف المباشر هو الحصول على فرصة عمل من أينما أتت. ويوضح إيستل: "إنها وسيلة لإعالة أسرتك في الوقت الذي أنت تتهيأ فيه للحصول على وظيفة أخرى".

ويتابع قائلاً بأن حصول الوافدين على عمل من دون تقاعس يؤدي أيضاً إلى تفادي ظهور علامات القلق أو التوتر بين السكان المحليين. "فالمجتمع المحلي لن يقف متفرجاً ويقول 'لا بأس بأن يعتاشوا من الضرائب التي أقوم بدفعها؛ بل أنهم يعملون ويدفعون الضرائب". ويضيف: "أنا أرى أن المسألة تتعلق بمساعدة اللاجئين لكي يقفوا على أقدامهم ويعتمدوا على أنفسهم. فالهدف هو تعليم الناس كيف يصطادون السمك بأنفسهم".

"لا أدري ما كان سيؤول إليه مصيرنا لو لم نحظ بهذه الفرصة. كنّا بدون أمل ولا مستقبل".

فراس، لاجئ ومتخصص في علوم الجيولوجيا.

إحدى الأسر التي استفادت من برنامج إيستل هي أسرة فراس، ابن الـ 39 عاماً، وزوجته، وابنته التي يبلغ عمرها ست سنوات، والذين وصلوا إلى غويلف في أواخر العام الماضي. كان فراس يعمل في دمشق منذ تخرجه بعلوم الجيولوجيا وحتى اندلاع الأزمة في العام 2011، حين انتقل إلى شمال العراق بعد حصوله على وظيفة في إحدى شركات النفط العالمية، وتمكن لاحقاً من نقل أسرته إلى مقر عمله. وبعد أن سافر والداه إلى المملكة العربية السعودية، هرباً من الحرب، باستضافة شقيقيه، لم يبق لفراس أي أفراد أسرة مباشرين في سوريا.

لم تدم فترة استقرار فراس في شمال العراق طويلاً، إذ أدى تدهور الأوضاع الأمنية هناك، مع انخفاض أسعار النفط عالمياً، إلى قرار الشركة بإيقاف عملياتها في عام 2015. وبخسارته لوظيفته قرر فراس عبور الحدود مع أسرته في حافلة إلى تركيا. استغرق بحث فراس عن وظيفة هناك نحو سبعة أشهر حتى وجد عملاً مؤقتاً في البداية ثم عمل كمترجم فوري مع منظمة دولية تعمل مع اللاجئين السوريين في تركيا. لكن الاستقرار والأمان بقيا غائبان عن حياة فراس وأسرته، خاصة بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية ومحاولة الانقلاب العسكري في تركيا. ويقول: "لم تشعر عائلتي بالأمان على مدى سنوات طويلة".

في بداية عام 2016 علم فراس ببرنامج إيستل لإعادة التوطين في كندا عن طريق صديق كان قد تم قبوله في البرنامج، فعمل على ملء وتقديم طلب اللجوء، لكن انتظاره طال قرابة العام حتى تم إعلامه أخيراً بنجاح طلبه. ويقول فراس: "فوجئت فعلاً بالخبر، لكن سعادتي كانت لا توصف. في الحقيقة، لا أدري ما كان سيؤول إليه مصيرنا لو لم نحظَ بهذه الفرصة. كنّا بدون أمل ولا مستقبل".

اليوم يعمل فراس بوظيفة مشرف في مصنع دانبي، وهو يتابع في ذات الوقت برنامجاً دراسياً يمكّنه من معادلة شهادته الجامعية. وهو الآن يقوم بكل مصاريف أسرته، من بدل إيجار السكن إلى المأكل والمشرب، ولم يعد بحاجة إلى مخصصات المعيشة التي تلقاها من برنامج الرعاية في البداية والبالغة 1,900 دولار كندي في الشهر. يقول فراس بأن أسعد لحظة في حياته في كندا كانت عندما سجّل ابنته في الحضانة، لأنه لم يكن قادراً على فعل هذا سابقاً.

وهو يشعر بامتنان كبير لجميع الناس الذين ساعدوا في جعل أسرته تنعم بحياة مستقرة جديدة. ويذكر أنه سأل أحد المتطوعين إن كان يتلقى أي شيء مقابل خدماته، وعندما أجابه المتطوع بالنفي، سأله فراس عن السبب الذي جعله يساعده هو وعائلته. يقول فراس إنه تأثر بجواب المتطوع الذي قال له: "أنا ليس بمقدوري أن أوقف الحرب في بلدك، لكنني سعيد بأن أعمل ما بوسعي لأساعد لاجئاً سورياً في بلدي".

بالنسبة لإيستل، فبرنامجه لا يقف عند حد ما فعله، إذ هو يتطلع لمساعدة ما لا يقل عن 50 أسرة سورية أخرى على اللجوء والاستقرار في كندا. وفي هذا السياق يسعى إيستل إلى حشد الرأي لكي ترفع الحكومة الكندية السقف بالنسبة لأعداد المهاجرين المسموح بها سنوياً من المنطقة. كما يسعى إلى حثّ الآخرين من رواد الأعمال الأثرياء على دعم هذا التوجه من خلال المساهمة في إيجاد السكن والعمل للاجئين.

يؤكد إيستل على أن الاستجابة لأزمة اللاجئين بحاجة إلى مشاركين جدد، خاصة من القطاع الخاص. فيقول: "يمتلك رواد الأعمال الخبرة في تطبيق الحلول على نطاق واسع، ولديهم شبكات من العلاقات. ما نحن بحاجة إليه هو أن يقف الناس الخيرين صفاً واحداً في دعم هذه القضية الإنسانية".

ولا يرى إيستل سبباً لاهتمام وسائل الإعلام بما يفعله، فأعماله الخيرية السابقة لم تمنحه في أفضل الأحوال أكثر من شهادة تقدير يضعها على حائط مكتبه. لكن لم يتوقع أبداً أن تتناول وسائل الإعلام العالمية الحديث عن أعماله الخيرية. ويقول: "لقد بهرني هذا الاهتمام، فأنا حقاً لا أرى ما هو الشأن الكبير في عملي. كلّ ما فعلته هو الشيء الصحيح. وأنا لم أود في المستقبل أن أعود بالذاكرة إلى هذه الأيام وأشعر بالندم لأنني وقفت متفرجاً ولم أفعل شيئاً.

المكافأة التي يطمح إليها إيستل لا تعدو كونها أكثر من أن يرى أسر اللاجئين وهي قد تأقلمت مع نمط الحياة في كندا. ويبدو أن هذا هو بالفعل ما يحدث، فنحو 80 بالمئة من الأسر التي أمضت أكثر من أربعة أشهر منذ وصولها إلى كندا أصبح فيها شخص واحد على الأقل يعمل ويرعى أسرته مادياً. وأصبح إيستل وزوجته غالباً ما يقضيان عطلة نهاية الأسبوع وأمسياتهم في زيارات الأسر الجديدة.

ويقول إيستل، وهو يبتسم: "أنا اليوم أشرب الشاي أكثر من أي وقت مضى في حياتي. لكن هذه الأسر تضم الآن أصدقائي. وأكثر ما يبعث السرور في قلبي هو رؤيتهم وأطفالهم وهم بحالٍ جيدة". – PA