10 قواعد لتكون مانحاً فعالاً

من الهبات غير المقيدة إلى إنشاء قنوات ناجحة لتدفق المعلومات والتغذية الراجعة، يوضح فيل بيوكانون، رئيس مركز العمل الخيري الفعّال ما الذي يميز العمل الجيد عن الاستثنائي في مجال تقديم المنح.

غالباً ما يستهوي المانحون تشبيه ’العملاء‘ عند الحديث عن المنظمات غير الربحية التي يقومون بتمويلها. فعلى سبيل المثال، يقول ديف بيري، المدير التنفيذي لمؤسسة ‘بيري‘ Peery Foundation، ومقرها بالو ألتو، "نحن ننظر إلى المستفيدين من منحنا على أنهم عملاء لنا ونتصرف وفقاً لذلك".

غير أن هذا التفكير بعيد كل البعد عن المنطق. بل هو في الحقيقة تشبيه سيء للغاية، إذ أن المانحين ليس لهم عملاء. ففي النهاية، تتدفق الأموال في الاتجاه المعاكس: فالعملاء يدفعون مقابل الحصول على شيء ما، أما ما يحصل هنا فهو أن المتلقين للمنح هم الذين يحصلون على الأموال. وبناءً على ذلك، تصبح ديناميات القوى مختلفةً تماماً. في معظم الصناعات، يكون لدى العملاء خيارات، ما يعني أن الشركات، من الناحية النظرية على الأقل، ستدفع ثمن تجاهل خياراتهم وتفضيلاتهم.

وعلى الرغم من أنه يمكنني اختيار المطعم الذي أود الذهاب إليه، إلا أن معظمنا - الذين نقود منظمات غير ربحية - لا نشعر بالضرورة بأن لدينا خياراً عند الحديث عن اختيار الجهة التي نجمع الأموال منها. فنحن نسعى إلى جمع الأموال من أي شخص تقريباً نعتقد أنه سيقدم الأموال لنا! أما خيار بناء العلاقات فمتروك للمانحين.

فيما يلي 10 قواعد لبناء علاقات عمل قوية مع المنظمات التي تدعمها. قمت بتجميع هذه القواعد من خلال الاستطلاعات التي أجراها مركز العمل الخيري الفعّال Center for Effective Philanthropy لعشرات الآلاف من الحاصلين على المنح حول المئات من الجهات المانحة - ومن العمل مع كل من المؤسسات التي تمثل قدوة للآخرين وأولئك الذين يكافحون لتحسين علاقاتهم مع المنظمات غير الربحية التي يمولونها.

1. لا تحاول فرض التوافق

ابحث عن التوافق بين أهدافك واستراتيجياتك من جهة وأهداف واستراتيجيات المنظمات غير الربحية من جهة خرى. فمن الخطأ الاعتقاد أنه يمكنك استخدام النفوذ الذي تتمتع به على المستفيدين من المنح لتطويعهم لقبول ما تظن أنه صحيح. إن ممارسة الضغوط لتعديل الأولويات يساهم في تكوين علاقات تتسم بمستويات أقل من الإيجابية. فعلى سبيل المثال، يعد المستفيدون الذين يتم الضغط عليهم بهذه الطريقة أقل استعداداً لتقديم المعلومات حول المشاكل. ولذلك، من الأهمية بمكان إعطاء الأولوية للتوافق والملاءمة وعدم محاولة فرض التوافق بالقوة.

2. كن على يقين أنك إذا كنت من كبار المانحين، فأنت تعيش في فقاعة من التفاؤل والإيجابية. اتخذ الخطوات اللازمة لتفجير هذه الفقاعة والتعلم من التجربة.

سمعت أن العديد من كبار المانحين يصرون على أنهم يعرفون بالضبط ما يفكر به المستفيدون - وأنهم متواضعون جداً ويمكن الوصول إليهم بسهولة لدرجة أنهم ألغوا دينامية القوى أنشأوا سبل اتصال مفتوحة وثنائية الاتجاه.

لكنهم مخطئون في ذلك. فدينامية القوى ستبقى موجودة دائماً بين الممول والجهة الحاصلة على التمويل، والطريقة الوحيدة لمعرفة آراء المستفيدين هي إيجاد طرق مبتكرة لتلقي آرائهم ومعرفة انطباعاتهم.

3. لا تفترض أن لديك ما يلزم لتقوية المنظمات غير الربحية أو بناء قدراتها. قم بسؤالهم عما يحتاجون إليه ثم اعرض تقديمه لهم فقط إن كنت قادراً على القيام بذلك بشكل جيد.

أن تكون جيداً في العمل على تقوية المنظمات يتطلب الكثير من التركيز والموارد. وإذا كنت تسعى إلى تعزيز المنظمات غير الربحية التي تمولها وتقويتها، فاستكشف ما يمكنك تقديمه، ثم تأكد من تمتعك بالمهارات والخبرات اللازمة للقيام بذلك بشكل جيد.

يعتبر الوقت مهماً للغاية بالنسبة للأفراد. تأكد أولاً أنك تستطيع الالتزام بساعات منتظمة ويمكن الاعتماد عليها. يمكن أن يكون التطوع وسيلة مجزية وفعالة للعطاء، لكن احرص على التعامل مع التطوع بتواضع والتركيز على ما تحتاجه المنظمة غير الربحية.

4. لا تضع قيوداً على عطائك واجعله يدوم طويلاً.

في حالة المؤسسات ذات الأهداف والاستراتيجيات التي تتداخل بشكل كبير مع أهدافك واستراتيجياتك، عليك توفير تمويل كبير غير مقيد وطويل الأجل، فهو ذو فائدة أكبر للجهات التي تتلقى المنح. إن إحراز تقدم في الأهداف المشتركة يتطلب وجود منظمات قوية، غير أن المانحين غالباً ما يقيدون التمويل ويجلبون التحديات ويحدّون من قدرة المنظمات غير الربحية على تخصيص الموارد بطرق أكثر منطقية. إن المنظمات غير الربحية بحاجة إلى دعم يتسم بالمرونة، وهي بحاجة إلى بناء احتياطيات مالية لا تقل عن ثلاثة إلى ستة أشهر من نفقات التشغيل.

5. قم بضبط ما تطلبه من المنظمات غير الربحية وفقاً لحجم هباتك.

لقد شهدت مؤسسات مانحة تقدم منحاً صغيرة لا تزيد مدتها عن عام واحد بعد القيام بعمليات اختيار وتقييم مرهقة ومضنية للغاية. كما رأيت مانحين ذي توقعات غير واقعية للوقت والاهتمام الذي سيحصلون عليه بالنظر إلى حجم منحهم. لابد أن يكون المانحون على دراية بتكاليف التعاملات بالنسبة للجانبين – الجهة المانحة والجهة المتلقية للمنح، وهو ما يأخذ وقتاً يفترض أن يتم استغلاله في أعمال أكثر أهمية. ولذلك قم بتبني الحجم الصحيح للإجراءات والمتطلبات بما يتوافق مع حجم المنح أو الهبات التي تقدمها.

 "من الخطأ الاعتقاد أنه يمكنك استخدام النفوذ الذي تتمتع به على المستفيدين من المنح لتطويعهم لقبول ما تظن أنه صحيح".

image title
تحتاج المنظمات غير الربحية إلى تمويل مرن وطويل الأجل كي يكون لها تأثير حقيقي. الصورة: غيتي إميجيز.

6. إذا كان عليك تقديم هبة مقيدة، فضع نسبة لا بأس بها ’للنفقات العامة‘ ووفر أكبر قدر ممكن من المرونة.

غالباً ما يفرض المانحون نسبة نفقات عامة منخفضة جداً على المنح التي يتم تقديمها للبرامج؛ كأن نقول، على سبيل المثال، 10 في المئة فقط من المنحة يمكن أن تذهب لدعم التكاليف العامة أو غير المباشرة مثل الإيجار. وهذا يعني أن المستفيد سوف يحصل على أموال أقل من التكلفة الكاملة لتنفيذ البرنامج، ما يخلق جميع أنواع المشاكل ويزيد تكاليف التعاملات على كلا الجانبين. ولذلك اسمح بالمرونة وأدرك أن الظروف تتغير، كما رأينا خلال جائحة كوفيد-19. كما عليك التركيز على النتائج – أي ما تم تحقيقه - وليس على بنود معينة في الميزانية.

7. رتب العلاقات حسب الأولوية واجعل توقعاتك واضحة.

إذا كنت من كبار المانحين، فسوف تقوم بتعيين موظفين أو الاستعانة بمستشارين وخبراء لمساعدتك في شؤون المنح التي تقدمها. في الكثير من الأحيان، يعطي المانحون الأولوية للخبرات في المجال المواضيعي للمنحة قبل كل شيء عند البحث عن موظفين أو مستشارين. لكن يجب على المانحين أيضاً إعطاء الأولوية للقدرة على العمل بشكل جيد مع مجموعة كبيرة من الجهات الأخرى لأن هذا بالضبط ما يتطلبه الأمر لإحداث فرق عند السعي لحل مشاكلنا المجتمعية الأكثر صعوبة وتعقيداً.

8. استخدم موقعك المتميز وتأثيرك الفريد لمساعدة المستفيدين على أداء عملهم بشكل أفضل.

يتمتع المانحون، لاسيما كبار المانحين، بنظرة شاملة لا يتمتع بها الآخرون، إذا لديهم القدرة على استعراض مختلف المجتمعات والمجالات ورصد ما ينجح وما لا ينجح. كما يمتلك هؤلاء المانحون مخزوناً من المواهب التي تساعدهم على جمع المنظمات معاً للتعلم من بعضها البعض. ولذلك يمكن للمنظمات غير الربحية تحقيق استفادة كبيرة عندما يوظف المانحون مكامن قوتهم لمساعدة الجميع على أداء عملهم بشكل أفضل.

9. إذا كان عليك إنهاء علاقة مع أحد المستفيدين، فافعل ذلك بطريقة لائقة وتتسم بالشفافية مع إعطائهم مهلة كافية.

إذا كنت تقدم الدعم باستمرار لمؤسسة غير ربحية عالية الأداء لكنك، ولأي سبب من الأسباب، لن تتمكن من الاستمرار بذلك في المستقبل، فعليك إنهاء هذه العلاقة بطريقة لائقة. تدرك المنظمات غير الربحية أن أهداف المانحين واستراتيجياتهم تتغير في بعض الأحيان، إلا أنها بحاجة إلى الوقت والدعم للصمود أمام هذه التغييرات. من هنا، ينبغي عليك أن تكون واضحاً وصريحاً قدر الإمكان بشأن تاريخ وقف الدعم وأسباب وقفه، وافعل ذلك قبل وقفه بأطول فترة ممكنة.

إما إذا كنت تنهي العلاقة لأنك تعتقد أن المستفيد لم يعد يتميز بالفعالية، فعليك مرة أخرى، أن تعطي مهلة كافية وأن تكون صريحاً لأن ذلك مهم للغاية. عليك منح المنظمات غير الربحية وقتاً لتدبر أمورها قبل سحب التمويل، كما ينبغي إعطاءها فرصة لتوضح لك الأمور التي تعترض طريقها لتحقيق النجاح.

10. ارفض طلبات المتقدمين بأسلوب صادق ويحترم وقتهم.

يبدأ ذلك بالوضوح حول الأهداف والاستراتيجية والتواصل الجيد، الأمر الذي سيسمح للمنظمات غير الربحية بتقييم احتمالية الحصول على التمويل. وفي حال كانت عملية الاختيار تتطلب وقتاً طويلاً، فانظر في اتباع نهج مؤلف من خطوتين، من خلال البدء برسائل للاستفسار السريع، ما يسمح بإجراء عملية فرز أولية ويضمن ألا يضيّع المتقدمون الذين لديهم فرصة ضئيلة للنجاح وقتهم في العملية بكاملها.

وعندما يتعين عليك رفض طلب مؤسسة غير ربحية بالحصول على التمويل، فافعل ذلك بطريقة تتسم بالاحترام وكن صريحاً بشأن السبب. وتذكر أن المتقدمين الذين يتم رفضهم سيتقدمون مرة أخرى، وغالباً ما يكون المتقدمون المرفوضون اليوم هم الحاصلون على المنح في المستقبل.

"يتوجب على رائد العطاء العمل بجد كي يتمكن من تحسين أدائه".

ستساعدك هذه القواعد العشر على بناء علاقات فعّالة مع المنظمات غير الربحية التي تعتمد عليها لتحقيق أهدافكم المشتركة. إن العمل بشكل جيد مع من تدعمهم أمر صعب ولكنه بالغ الأهمية لتحقيق الكفاءة. وكما كتب بول بوديه من مؤسسة ’ويلبرفورس‘ Wilburforce : "لا يمكن لمؤسسة ويلبرفورس النجاح إلا إذا نجح متلقو المنح التي نقدمها. ولا يمكن لمتلقي المنح أن ينجحوا إلا إذا حصلوا على التمويل والأدوات والموارد التي يحتاجون إليها للقيام بعملهم على أكمل وجه".

إن المبادئ الأساسية لتحقيق الفعالية والكفاءة في مجال العطاء وعمل الخير ثابتة ولا تتغير. فكما لا يمكن للاعب كرة قدم طموح تطوير مهاراته الكروية من دون التدريب والعمل الجاد، كذلك يتوجب على رائد العطاء العمل بجد كي يتمكن من تحسين أدائه. لكنني في الكثير من الأحيان أرى رواد عطاء يريدون القيام بالأشياء الفاخرة قبل أن يجيدوا الأساسيات. فهم تماماً كلاعبين الذين يريدون تجربة الضربة الرأسية أو ركلة الدراجة (أو المقص) قبل أن يتمكنوا حتى من تمرير الكرة بباطن القدم.

عليك إذن إتقان الأساسيات أولاً، وهو ما يعني بلغة العطاء وعمل الخير: حُسن اختيار الحاصلين على المنح وبناء علاقات متينة معهم. -PA

اقرأ المزيد