الاستثمار في المشاريع الاجتماعية لتحقيق الانتعاش العالمي الشامل

كيف سيكون شكل العالم إذا انضم المستثمرون إلى رواد العطاء لتمويل المشاريع الاجتماعية على الخطوط الأمامية؟ تستكشف كارولين دو بروين وفينيت راي كيف يمكن للاستثمار المؤثر أن يرسم مستقبلاً أكثر شمولاً في عالم ما بعد كوفيد.

خلال الموجة الأولى لكوفيد-19 التي حدثت العام الماضي، ترك عشرات الآلاف من العمّال المهاجرين اليائسين المدن الهندية وخرجوا في رحلة طويلة سيراً على الأقدام للوصول إلى بلداتهم وقراهم. وبينما كان هؤلاء العمّال يسيرون آلاف الكيلومترات، كانت محنتهم تكشف عن الهوة العميقة التي تفصل بين المناطق الصناعية والريفية في الهند.

لقد شعرنا في مجموعة ’أفيشكار‘ Aavishkaar حينها بالعجز. ولكوننا شركة رائدة في مجال الاستثمار المؤثر، النهج الذي يستفيد من قوى السوق من أجل إحداث تغيير إيجابي، لم نتمكن من إيجاد نموذج أعمال قادر على سد رمق الجياع بأسرع وقت ممكن وفي الوقت نفسه الوفاء بمعايير تخصيص رأس المال التي نتبناها. لقد كانت هذه التجربة كفيلة بجعلنا نختبر عن كثب أوجه قصور الاستثمار المؤثر.

جاءت استجابتنا على شكل إطلاق مؤسسة ’أفيشكار‘ Aavishkaar Foundation لحشد رؤوس الأموال المقدمة على شكل منح من مجموعة ’أفيشكار‘ وتقديم الدعم الفوري للمحتاجين. ومن خلال عملنا مع شبكة من المنظمات التي تركز على المجتمعات المحلية في جميع أنحاء البلاد، وفي غضون ثلاثة أشهر من إطلاق المؤسسة، تمكنا من توزيع مليون حزمة غذائية وتقديم الدعم للعاملين على الخطوط الأمامية في سبعة مستشفيات حكومية بتزويدهم بمعدات الحماية الضرورية لعملهم.

ولم نكن الوحيدين الذين قاموا بذلك. فقد شهدنا في جميع أنحاء الهند استجابة هائلة ومشجعة لأزمة كوفيد-19 قام بها رواد الأعمال الاجتماعية والشركات المحلية والمنظمات الخيرية على حد سواء.

لقد ذكّرنا هذا التدفق للعمل الإنساني بأن هناك مجموعة متنوعة من الأدوار المهمة التي لا بد أن تضطلع بها رؤوس الأموال لمواجهة التحديات الإنمائية العالمية. فما الذي يمكننا تغييره من خلال توجيه المزيد من رؤوس الأموال العالمية – الخيرية والاستثمارية على حد سواء – من أجل إحداث تأثير مستدام على المستويات المحلية؟

صيغ مصطلح ’الاستثمار المؤثر‘ في منتصف العقد الأول من الألفية عندما استضافت مؤسسة ’روكفلر‘ Rockefeller Foundation محادثات ضمت أصحاب المصلحة المتعددين وبحثت كيفية توظيف رؤوس الأموال بطريقة مختلفة. تسعى هذه الجهود للتصدي للاستراتيجيات التقليدية لتخصيص رأس المال من خلال جعل الاستثمار المؤثر يسير جنباً إلى جنب مع مبادرات العطاء والعمل الخيري لتحقيق نتائج مستدامة.

ولم يكن هذا الأمر أكثر أهمية مما هو عليها اليوم. فالعالم سوف يحتاج إلى نحو 2.5 تريليون دولار كل عام حتى عام 2030 لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وهو مبلغ ضخم مقارنة بإجمالي رأس مال المتوفر من المانحين والذي يقدر بنحو 250 مليار دولار سنوياً.

غير أن ذلك يمثل أقل من واحد في المئة من مجموع رؤوس الأموال العالمية في حوزة البنوك والمؤسسات الاستثمارية ومديري الأصول والبالغة 400 تريليون دولار. وإذا كنا نملك أي فرصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فعلى المستثمرين الاجتماعيين اتخاذ الخطوات اللازمة لتشجيع المستثمرين العالميين على ’فعل الخير‘ و ’القيام بذلك ’على أحسن وجه‘.

"إذا كنا نملك أي فرصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فعلى المستثمرين الاجتماعيين اتخاذ الخطوات اللازمة لتشجيع المستثمرين العالميين على ’فعل الخير‘ و ’القيام بذلك ’على أحسن وجه‘".

image title
خلال الموجة الأولى لجائحة كوفيد-19 في عام 2020 ، تدفق عشرات الآلاف من العمال المهاجرين من المدن الهندية وغالباً ما كان هؤلاء يسافرون سيراً على الأقدام للعودة إلى المناطق الريفية. الصورة: غيتي إميجيز.

لقد بدأ ذلك يحدث بالفعل، فقد أفادت الشبكة العالمية للاستثمار المؤثر Global Impact Investing Network أن الأموال المخصصة للاستثمار المؤثر قفزت من 502 مليار دولار في شكل أصول خاضعة للإدارة في عام 2019 إلى 715 مليار دولار عام 2020.

ينظر إلى هذه الاستثمارات على نحو متزايد بأنها تعود بالفائدة على كل من المجتمع والمستثمرين. فهي تحقق عوائد أعلى من سعر السوق تحديداً بسبب تركيزها على العوامل البيئية والاجتماعية ومسائل الحوكمة.

ولم يعد تحقيق عائد مالي أثناء القيام بعمل الخير أمراً بعيد المنال، غير أن الاستثمار المؤثر لا يمكن أن يقوم بالعطاء وأعمال الخير أو العكس.

وكما أفاد إريك كيسلر من شركة ’أرابيلا أدفايزرز‘ Arabella Advisors، فإن حل العديد من المشكلات يعتمد دائماً على الكرم. هذا الأمر صحيح بصورة خاصة في أوقات الأزمات عندما تكون هناك حاجة إلى نوع من الاستجابة السريعة وإلى الاضطلاع بأعمال الإغاثة التي تعتبر المؤسسات والمنظمات غير الربحية هي الأقدر على تقديمها.

في المقابل، تتمثل إحدى نقاط قوة الاستثمار المؤثر في قدرته على تحفيز الابتكار على المدى الطويل وتغيير الأنظمة من خلال تمويل تطوير الحلول المستندة إلى السوق للمشاكل المعقدة التي يواجهها البشر.

تتمثل طبيعة رأس المال المؤثر في الاستثمار في المشاريع الاجتماعية عالية المخاطر في مراحلها المبكرة وبالتالي فإن المستثمرين العاديين يميلون إلى إهمالها - بما في ذلك المشاريع التي يتم تنفيذها في المناطق الريفية وشبه الحضرية التي يتم تقديم الخدمات الأساسية فيها في إطار الميل الأخير.

لقد سلّطت الجائحة الضوء على العديد من الأمثلة الرائعة. لنأخذ المشروع التجاري الاجتماعي ’حقدارشاك‘ Haqdarshak، مثالاً على ذلك. إنه نموذج قائم على الوكلاء يستخدم التكنولوجيا لمساعدة المواطنين والشركات الصغيرة في الهند على تقديم طلبات الحصول على خدمات الرعاية الاجتماعية التي توفرها الحكومة. لقد ساعد هذا المشروع أكثر من مليون شخص من خلال ربط أكثر من 600,000 شخص بالمنافع والاستحقاقات التي يمكنهم الاستفادة منها.

وخلال أزمة كوفيد-19، استخدم مشروع ’حقدارشاك‘ فريقه المختص بالعمليات الميدانية الذي يتضمن ما يزيد عن 200 شخص وأكثر من 2,000 وكيل ميداني نشط لتقديم الدعم لبرامج الرعاية الاجتماعية والتسجيل للحصول على اللقاحات والتغطية التأمينية كذلك. وتعتبر خدمات هذا المشروع مجانية وتركز على التواصل مع المجتمعات المحلية الضعيفة، بما في ذلك المهاجرون والفقراء في الأرياف والمدن، بلغاتهم الخاصة. وعلى هذا النحو، كان عمل المشروع خلال الأزمة لا يقدر بثمن.

وتستخدم منظمة أخرى تركز على الأهداف الاجتماعية تسمى جمعية البيئة المستدامة والتنمية الإيكولوجية SEEDS النهج القائم على النظم الإيكولوجية لإقامة شراكات مع المجتمعات المحلية المستضعفة من أجل بناء قدرتها على الصمود أمام الكوارث. وتستخدم هذه المنظمات أساليب وتقنيات مبتكرة تم تصميمها لتتناسب مع متطلبات مجتمعات بعينها.

وخلال شراكة أقامتها مؤخراً مع شركة مايكروسوفت، قامت جمعية البيئة المستدامة والتنمية الإيكولوجية بتزويد المجتمعات المحلية بأدوات خاصة ومحلية تتميز بالوضوح للإنذار والتحذير من الكوارث. وقد تم تصميم هذه الوسائل لتغيير طريقة استخدام هذه المجتمعات للمعلومات المتعلقة بالكوارث لاتخاذ القرارات وتجنب الخسائر في الأرواح والممتلكات.

لقد شهدنا استجابة بالغة الأهمية من قبل رواد الأعمال الاجتماعية والمنظمات المجتمعية خلال أزمة كوفيد-19، لكن كيف سيبدو العالم إذا انضم المزيد من المستثمرين إلى رواد العطاء لدعم منظماتٍ كهذه؟

نحن بحاجة إلى نظام استثمار عالمي يثمن ويدعم مثل هذه المشاريع التي يتم تنفيذها على أرض الواقع من أجل بناء عالم أكثر قدرة على الصمود. ومن خلال العمل سوياً فإن الأعمال الخيرية والاستثمارات المؤثرة قادرة على تكون بمثابة محرك قوي للمساهمة في دفع عجلة التعافي الشامل.- PA

اقرأ المزيد