من إعادة تدوير الملابس لتخفيض التكلفة وتقليل حجم النفايات إلى إنشاء خدمة صحية وطنية عبر الإنترنت، تعرّف على رواد الأعمال الاجتماعية الذين جلبت مشاريعهم التغيير الإيجابي لبلدانهم والمنطقة.

image title

مفهوم جديد لإعادة البيع 

عمر عيتاني — لبنان


قد يكون الرفض أحياناً الحافز لإطلاق أفضل الأفكار في عالم الأعمال التجارية والخيرية. هكذا كانت تجربة عمر عيتاني، البالغ من العمر 25 عاماً، والذي حاول جاهداً أن يهب بعض الملابس القديمة لمن يحتاجها، لكن الرفض الذي لقيه من عدة جهات أدى بالنهاية إلى إنشائه مشروعاً اجتماعياً أعاد فيه صياغة مفهوم تجارة الملابس المستعملة في لبنان، وحاز من خلاله على الجوائز والتقدير.

في ديسمبر 2016، قدم طالب الهندسة الصناعية آنذاك كيساً من الملابس القديمة إلى حارس المبنى، لكنه رفضه. عندئذ، حاول عيتاني تقديمه إلى مؤسسة أهلية تدعم اللاجئين السوريين، لكنها رفضت الملابس أيضاً، وأخبره المسؤولون فيها أنهم لا يملكون القدرة التنظيمية لفرز الملابس أو توزيعها على المحتاجين، وأنهم يفضلون استيراد الهبات المجهزة مسبقاً، أو الملابس الجديدة من الخارج لأن التعامل معها أكثر سهولة وأقل تكلفة.

شعر عيتاني بالإحباط، فعلى الرغم من أنه كان يرى أن هناك طلباً على الملابس، إلا أن جزءاً كبيراً منها كان ينتهي به المطاف في مكب النفايات، ما دفعه للتفكير في سد هذه الفجوة بين العرض والطلب في السوق. وبمساعدة أصدقائه، بدأ بجمع الملابس المستعملة، وفرزها حسب أحجامها وتصاميمها وتوزيعها على الأسر في الأحياء الفقيرة في المدينة.

يقول عيتاني: "لم يكن من المنطقي في نظري أن تجمع الملابس [على سبيل المثال] من المناطق الغنية في لندن لتوزيعها في المناطق الفقيرة في لبنان. لماذا لا نجمع الملابس في لبنان لتوزيعها في لبنان؟ هكذا تكون التكلفة أقل، ويكون لدينا تحكم أفضل في الجودة، كما نقلل من حجم النفايات وانبعاثات الكربون".

بعد بضعة أشهر، وبضغط من والدته التي لم تعد تحتمل امتلاء منزلها بتبرعات الملابس، تمكن عيتاني من الحصول على التمويل الأولي لإطلاق مشروعه وذلك بعد فوزه بمبلغ 2,500 دولار من خلال مشاركته في مسابقة محلية. وهكذا انتقل إلى مكان خاص بعمله، وأسس شركة "فابريك أيد" (FabricAid)، لتكون أول مركز لإعادة تدوير وبيع الملابس في المنطقة.

تعمل الشركة على جمع الملابس وتنظيفها وفرزها ثم بيعها بأسعار زهيدة (دولاران كحد أقصى للقطعة) في ثلاثة متاجر تابعة للشركة؛ تحت اسم سوق الخلنج، أو في مختلف أنحاء البلاد من خلال أكشاك بيع مؤقتة في الأسواق المحلية. تُسوَّق هذه الملابس بين اللبنانيين من ذوي الدخل المتدني، ومجتمعات اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في لبنان.

بالإضافة إلى توفير الملابس بأسعار زهيدة، تخلق المبادرة فرص العمل، كما تسهم في الحد من أزمة مكبات النفايات في لبنان، من خلال إعادة استعمال أغراض كان مصيرها الإتلاف في غير حال.

ويؤكد عيتاني على أهمية تقديم تجربة متكاملة ومريحة للزبائن تضمن عدم شعورهم بأي إحراج عند شرائهم الملابس المستعملة، إذ يتم ترتيب الملابس وعرضها بعناية، كما تتوفر غرف لقياس الملابس ومرايا وفريق عمل جاهز لخدمة المشتري، فيقول: "خدمات البيع في محلاتنا مهمة جداً لنا. نريد أن يشعر الزبون عند شرائه ملابس بأسعار زهيدة بأنه لا يتلقى إحساناً، بل هو مكرم مثلما هو الحال في أي متجر آخر".

جمعت "فابريك أيد" في العامين الأولين منذ إطلاقها أكثر من 120 طناً من الملابس وباعت حتى الآن أكثر من 90 ألف قطعة. وتعتمد الشركة على عدة مصادر للألبسة، فلديها 100 صندوق تبرع منتشرة في جميع أنحاء بيروت، كما أنها تشتري الملابس غير المرغوب فيها بكميات كبيرة من المنظمات غير الحكومية المحلية. هذا بالإضافة إلى تلقي تبرعات الشركات من ماركات الأزياء المعروفة.

وفي يوليو، افتتحت "فابريك أيد" متجر "سيكند بايس" (SecondBase)، لبيع المنتجات الكلاسيكية القديمة في منطقة الجميزة العصرية في بيروت، حيث تعرض السلع أو قطع الملابس الراقية التي قد لا تكون مناسبة للمتسوقين الأكثر تحفظاً أو ذوي الدخل المتدني. لكن من المؤسف أن انفجار ميناء بيروت دمر المتجر بعد أقل من شهرين على افتتاحه. وبينما يعاد تجديده حالياً يقول عيتاني أنه سيتم قريباً افتتاح منفذ ثانٍ للمتجر.

تتوقع "فابريك أيد" أن يصل حجم مبيعاتها في عام 2020 إلى 750 ألف دولار، وقد اتخذت الشركة خطوات لفتح فرع لها في الأردن، حيث يوجد أيضاً مجتمع كبير من اللاجئين السوريين وسوق كبيرة للملابس الزهيدة الثمن.

وهكذا تطورت "فابريك أيد" من مشروع تطوعي بدأ بمجموعة أصدقاء إلى شركة تضم الآن 25 موظفاً يعملون بدوام كامل و80 غيرهم بدوام جزئي. وفي عام 2019، منح برنامج الأمم المتحدة للبيئة "جائزة أبطال الأرض الشباب" لعيتاني لجهوده في خفض البصمة الكربونية وتقليل نفايات الملابس. كما حصل على جائزة دينيس بيتون من السفارة الفرنسية في لبنان.

وعلى الرغم مما فرضته الإجراءات الاحترازية للتصدي لفيروس كوفيد-19 من تحديات لوجستية (ومنها تأخير افتتاح متجر"سيكند بايس")، إلا أن عيتاني يقول بأن الأزمة المالية في لبنان بشكل عام لم تكن مشكلة للشركة. فهو يرى أن تراجع العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي أدى إلى خفض الواردات و"مهد الطريق لسوق أكبر بكثير، خاصة مع انخفاض القوة الشرائية لدى السكان".

بالنظر ثانية إلى بدايات "فابريك أيد"، كان الحصول على تمويل بهدف تطوير الشركة من مرحلة التمويل الأولي إلى شركة ناشئة، عملية شاقة. ففي محاولة لزيادة رأس المال، شارك عيتاني وفريقه فيما يقرب من 20 مسابقة تمويلية مختلفة، وأثمرت جهودهم بالفوز بإجمالي 130 ألف دولار، واحتلوا المركز الأول بين أكثر من 550 مشاركاً من 60 دولة في مسابقة المشاريع الاجتماعية العالمية 2018 التي استضافتها جامعة بيركلي في الولايات المتحدة.

ومنذ ذلك الحين بدأت العقبات أمام مسار الشركة بالانحسار. ففي عام 2018، تم إدراج "فابريك أيد" في محفظة شركة الفنار المتخصصة بالاستثمار في المشاريع الاجتماعية. استثمرت الفنار، التي تركز أعمالها على الشرق الأوسط، مبلغ 81,850 جنيهاً إسترلينياً في الشركة. وقد ساهم هذا الاستثمار في شراء شاحنة صغيرة لزيادة حجم الملابس المجمعة، وغسالة كبيرة، وآلة كبس، وآلة تمزيق.

وقد ساعد هذا الاستثمار شركة "فابريك أيد" في عقد شراكات جديدة وتأسيس "ريم أيد" (RemAid)، وهي ذراع جديدة للشركة، تبيع السلع التالفة لاستخدامها في حشو المفروشات بالتعاون مع جمعيات خيرية أخرى، أو طلاب الأزياء والمؤسسات غير الحكومية التي تقوم بإعادة تدوير المنسوجات وصنع الملابس التي يمكنهم بيعها.

لم يندم عيتاني يوماً على التخلي عن مهنة مربحة في مجال الهندسة وتأسيس شركة "فابريك أيد"، إذ يقول: "لقد خذلت الحكومة والمجتمع الدولي شعب لبنان على مدى سنوات عديدة. يشعر الكثير من اللبنانيين أن لا خيار أمامهم سوى الهجرة، لكن هذا بلدي ولا أريد فراقه. بل أريد أن أفعل ما بوسعي لإحداث الفرق، لأنني أرفض قبول الحال كما هو".

"نريد أن يشعر الزبون عند شرائه ملابس بأسعار زهيدة بأنه لا يتلقى إحساناً".


image title

منتجات حرفية تراثية تصنع الفرق

هايدي كرايست  — جنيف


يوم لجأت المواطنة السورية أمل إلى الأردن في عام 2012، لم يكن في حوزتها سوى حقيبة سفر واحدة. ولكنها كانت حاصلة على دبلوم في الفنون الجميلة وتطمح إلى تنمية مهاراتها ضمن مهنة واعدة.

واليوم، أصبحت أمل واحدة من بين أكثر من 2,600 لاجئ يبيعون منتجات صنعوها بأيديهم، وذلك عبر منصة "ميد 51" (MADE51)؛ المنصة التي أطلقتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العام 2018 لدعم اللاجئين من أصحاب الحرف، وتوفير السبل أمامهم لبيع منتجاتهم حول العالم.

تقول هايدي كرايست، وهي كبيرة المسؤولين في برنامج سبل العيش في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأيضاً صاحبة فكرة المنصة: "يعد قطاع الحرفيين ثاني أكبر قطاع في دول العالم النامي بعد الزراعة من حيث عدد العاملين فيه. وتضيف قائلة: "تدر أنشطة القطاع دخلاً للحرفيين وتوفر فرصاً مهمة لتنمية المهارات، لا سيما السيدات. ويرتبط القطاع بسلسلة قيمة عالمية بمقدور اللاجئين أن يكونوا جزءاً منها".

استلهمت منصة "ميد 51" اسمها من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. وهي تعمل كحلقة وصل بين الحرفيين اللاجئين والمشاريع الاجتماعية المحلية العاملة في القطاع الحرفي. تعمل هذه المشاريع على صقل مهارات اللاجئين وتدفع لهم الأجور، كما تعمل على تجهيز خطوط الإنتاج الخاصة بمنتجاتهم وتشغيلها. تحصل المشاريع الاجتماعية على الخبرة الفنية اللازمة، والدعم لسلسلة الإمداد، والنفاذ إلى الأسواق العالمية، وذلك بموجب علامة تجارية تدعمها مفوضية الأمم المتحدة.

تُباع التصاميم من خلال متجر "ميد 51" الإلكتروني، وبالتعاون مع متاجر راقية حول العالم. وهي تتنوع من مظلات المصابيح المنسوجة بألوان زاهية من صنع لاجئين ماليين في بوركينا فاسو، إلى أساور مطرزة من جنوب السودان، ودمى من خيوط الكروشيه صنعها لاجئون سوريون في لبنان.

وتقول كرايست: "تجسد هذه المنتجات مهارة اللاجئين وتراثهم وتقاليدهم؛ وهي عناصر غالباً ما تذهب أدراج الرياح عند نزوحهم. كما أنها تغير الصورة السائدة عن اللاجئين، وتكشف عن مواهبهم ودورها في الإسهام المجتمعي".

فضلاً عن ذلك، هناك فوائد أخرى لهذه المنصة. فاللاجئون يواجهون معوقات ضخمة عند البحث عن عمل، من بينها القيود القانونية، وعداء أهل البلد الذين يخشون فقدان وظائفهم في وقت قلّت فيه فرص العمل. لكن من خلال التعاون مع المشاريع المجتمعية المحلية لخلق فرص عمل جديدة، تمنح "ميد 51" اللاجئين وسيلة لكسب الرزق والمساهمة بدور إيجابي في مجتمع الدولة المضيفة.

وتتابع كرايست حديثها، فتقول: "عندما تمعن النظر في فرص كسب العيش للاجئين، فإنك تجدها تأتي في الغالب على حساب أفراد المجتمع المضيف. لذا نود المساعدة في نمو أنشطة الأعمال المحلية بطريقة أخلاقية".

إن عرض منتجات الحرفيين وبيعها على مواقع الإنترنت ومتاجر البيع بالتجزئة الإلكترونية ليس بالمفهوم الجديد، ولكن ميزة منصة "ميد 51" هي في الحجم الكبير لعملياتها. تنشط المنصة حالياً في 16 دولة عبر أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، من بينها الأردن ولبنان وأفغانستان وباكستان.

وتشير أحدث الإحصاءات المتوفرة إلى أنه بنهاية العام 2019، كانت منصة "ميد 51" قد ضمت إلى مشاركيها 22 مشروعاً مجتمعياً وأكثر من 2,600 حرفي من اللاجئين، معظمهم من السيدات. كما أن المنصة تهدف إلى مساعدة 300 ألف لاجئ في مختلف أنحاء العالم بحلول العام 2030.

وفي عام 2019، بلغت قيمة مبيعات "ميد 51" الإجمالية 283,275 دولاراً من خلال البيع عبر سلاسل متاجر رئيسية للتجزئة شملت فيرجن ميجاستورز، وويست إلم، وأنثروبولوجي، وأوربان آوتفيترز. وتخطط المنصة لتطوير مجموعة من الحلول التقنية الجديدة لدعم المشاريع المجتمعية المشاركة بشكل أفضل في المستقبل. ويتضمن ذلك إطلاق تطبيق لإدارة الإنتاج عبر الهواتف الذكية؛ ونظام لرصد مدفوعات الحرفيين وتتبع حجم المبيعات؛ ونظام لإدارة العملاء؛ وتحليلات البيانات من أجل فهم أفضل لمدى توفر العلامات التجارية داخل قطاع البيع بالتجزئة وخارجه.

وتقول كرايست: "إن تمكنّا من إقناع الشركات الكبرى بالمساهمة معنا، فستساعدنا حينها "ميد 51" على أن نثبت لحكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفوائد التي سيجنونها من السماح لهم بالعمل وتنمية الاقتصاد المحلي".

وبالنسبة للاجئين مثل أمل، فإن فوائد المنصة تتخطى حدود كسب الرزق. فقد تعرفت ابنة الواحد وثلاثين عاماً على منصة "ميد 51" من خلال "مشروع المنشآت الاجتماعية" (SEP)، وهي منظمة تأسست بهدف دعم اللاجئين في الأردن بالتدريب والتوظيف.

وفي إطار أنشطة المنظمة، التي تعمل بالقرب من مقر سكن أمل في جرش، يتعلم اللاجئون كيفية إنتاج إكسسوارات مطرزة يدوياً بدقة ذات أنماط هندسية مستوحاة من الهندسة المعمارية للتراث الفلسطيني والسوري.

تؤكد أمل، وهي واحدة من بين 500 سيدة يعملن في التطريز، بأن المشروع منحها الأمل، فتقول: "مشاركتي في هذا العمل غيرت من طريقة تفكيري. يمنحني عملي الخلاق في التطريز شيئاً آخر أفكر به غير مشاكلي في الحياة. كما علمتني هذه التجربة أشياء كثيرة عن نفسي: كيف أتحلى بالصبر، وكيف أثابر".

وعلى الرغم من أن الأجور التي تجنيها أمل من تصاميمها ومنتجاتها لا تكفي حتى الآن لإعالة عائلتها، لكنها تأمل أن تقدم لابنها ذي العامين مستقبلاً واعداً.

"أريد أن يعرف الناس أنهم يشترون منتجات فريدة من نوعها. هي منتجات تعكس تاريخنا وثقافتنا. ولكل خيط فيها معنى".

"ستساعدنا "ميد 51" على أن نثبت لحكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفوائد التي سيجنونها من السماح لهم بالعمل".


image title

التطبيب عن بعد يساهم في ردم فجوة الرعاية الصحية

محمد أبوراوي — ليبيا


أدت سنوات طويلة من النقص في التمويل والفساد والصراعات إلى تداعي نظام الرعاية الصحية في ليبيا. أدرك الدكتور محمد أبوراوي أن محاولة إصلاح هذا الوضع يمثل تحدياً هائلاً يفوق قدراته هو وزملائه. لذلك قرر الطبيب، الذي أصبح أيضاً رائد أعمال في مجال التكنولوجيا، إنشاء منظومة خدمات صحية جديدة عبر الإنترنت.

على هذه الخلفية تم تطوير وإطلاق منصة "سبيتار"، والتي تعني "مستشفى" باللهجة المحلية. وهي عبارة عن منصة رقمية تمكن الأطباء العرب في دول الشتات من تقديم استشارات طبية عن بُعد لسكان ليبيا. ففي بلد يكون السفر فيه محفوفاً بالمخاطر، بسبب انعدام الأمن وسوء حالة الطرق، ويعاني من نقص كبير في عدد الأطباء والاختصاصيين، تلبي منصة "سبيتار" حاجة مهمة لدى ملايين الليبيين من ذوي الدخل المنخفض من خلال إتاحة مشورة سريعة من أطباء اختصاصيين.

ويقول أبوراوي: "كانت الفكرة هي بناء شبكة من الاختصاصيين المهرة، أينما كانوا في العالم، ممن يفهمون اللغة واللهجة المحلية، ويدركون خلفية وظروف البلد. أشعر بشغف كبير تجاه ليبيا وأرغب بالمساهمة في تلبية احتياجات مواطنيها، والتطبيب عن بُعد هو فرصة لي لتحقيق ذلك".

أطلقت منصة "سبيتار" في عام 2016 بمشاركة نحو 100 طبيب متطوع ومجموعة اختبار تضم 500 مريض. واليوم تضم المنصة في شبكتها أكثر من 1,000 طبيب وتغطي الاحتياجات الصحية لما يقارب الـ 50 ألف شخص في مختلف أنحاء ليبيا. ويخصص الأطباء وقتهم إما مجاناً خدمةً لمواطنيهم، أو يتم تعويضهم من قبل هيئة الصحة الليبية بالتعاون مع "سبيتار".

وتتوفر الاستشارات في مجموعة من التخصصات، بدءاً من الصحة العقلية ومروراً بطب الأورام والأشعة إلى طب الأطفال وصحة الأسرة. وتُبث المواعيد عبر مكالمات الفيديو على الهاتف الذكي أو تطبيق الويب المرتبط بالمنصة. ويتم عند الحاجة إحالة المرضى إلى عيادات أو مختبرات محددة لإجراء الفحوصات أو لمتابعة العلاج.

كما توفر البوابة للمرضى الوصفات الطبية إلكترونياً وتفاصيل عن الصيدليات المحلية التي تتوفر فيها الأدوية المطلوبة. وتسعى المنصة أيضاً إلى تحويل سجلات المرضى إلى ملفات إلكترونية يتم حفظها مركزياً.

يطمح أبوراوي إلى المساهمة في رفع أداء الخدمات الصحية في بلده إلى مستوى عالمي، فيقول: "أريد أن تتوفر خدمات الرعاية لمن يعيش في قرية في جنوب ليبيا بذات الجودة التي تتوفر لمن يعيش في بوسطن. كلاهما بشر. ومن حق كل البشر النفاذ إلى الرعاية الصحية والرعاية الوقائية ورعاية الطفل والأم على أفضل أشكالها".

نشأ أبوراوي في طرابلس، حيث درس الطب. وكان على وشك التخرج في عام 2011، عندما تحولت الاحتجاجات السياسية ضد العقيد معمر القذافي إلى اضطرابات عنيفة. عندئذ، أُلغيت المحاضرات والامتحانات في الجامعات، وفر العديد من أقرانه إلى الدول المجاورة، لكن أبوراوي بقي في ليبيا وساعد في إنشاء مستشفى ميداني لعلاج ضحايا الاشتباكات.

وبعد ثمانية أشهر، وبضغط من عائلته، التحق أبوراوي بفترة تدريب في القاهرة قبل أن يحصل على زمالة كلية الطب بجامعة هارفارد في الولايات المتحدة. ولكنه بقي منشغلاً بمحنة وطنه بينما كان يشهد هروب الكوادر الطبية من الصراع في ليبيا.

وعن ذلك يقول: "كنت موقناً من رغبتي في العودة، لكن هل أعود لأكون الطبيب الوحيد؟ لم يكن ذلك كافياً. لم أكن قادراً على إحداث التغيير المنهجي الذي كنت على يقين بأن ليبيا والبلدان الأخرى في المنطقة بحاجة إليه".

تم تسليط الضوء على فكرة "سبيتار" لأول مرة خلال مسابقة هاكاثون خاصة بالطب نظمت في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عام 2015، حيث حصل أبوراوي وفريقه على منحة مالية قدرها 25 ألف دولار لتطوير مفهوم المنصة. واجتذب هذا النجاح المبكر المزيد من التمويل الأولي من صندوق "ساندبوكس" لدعم الابتكارات بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، بالإضافة إلى تمويل من مبادرة الابتكار والتغيير الاجتماعي في كلية كينيدي في جامعة هارفارد بلغت قيمته 80 ألف دولار. وهكذا انطلقت منصة "سبيتار" رسمياً في أبريل 2016.

ويوضح أبوراوي، قائلاً: "كانت الفكرة هي استخدام ليبيا لإطلاق المشروع واختباره قبل التوسع إلى دول أخرى في المنطقة حيث توجد احتياجات مماثلة".

تعمل أجهزة الصحة الليبية على تنظيم أنشطة منصة "سبيتار" وتتعاون معها بشكل وثيق، الأمر الذي يتيح سهولة وصول المنصة إلى شبكة من المستشفيات والعيادات والصيدليات وشركاء الدفع وشركات الاتصالات. ويمكّن هذا الدعم "سبيتار" من تبسيط العمليات الرقمية بين تلك الكيانات، كما يكفل الاعتماد الرسمي لها كمنصةٍ معترف بها على مستوى الدولة.

جعلت هذه الشراكة المنصة – بالإضافة إلى مرونتها كمزود خدمات رقمي – شريكاً طبيعياً لوزارة الصحة عندما تفشى الفيروس المسبب لكوفيد-19. ومن خلال تطبيق جديد، تحت مظلة "سبيتار"، خاص بالتعامل مع كوفيد-19، أصبح أبوراوي وفريقه في الخطوط الأمامية لدعم سكان ليبيا وحمايتهم من فيروس كورونا. وشملت خدمات التطبيق الجديد نشر المعلومات حول أعراض الجائحة، وتقديم المشورة للمرضى إذا دعت الحاجة لأن يذهبوا إلى المستشفى، وتحديد من يجب أن يستمر في عزل نفسه في المنزل.

ويقول أبوراوي: "منذ إطلاقه في مايو، سجلنا 5,000 تحميل [لتطبيق كوفيد-19] في أقل من شهر، والآن نقترب من 10 آلاف، مع استمرار تزايد أعداد من يستخدمونه. لقد كان منتجاً مهماً جداً بالنسبة لنا، وقمنا بتطويره كمبادرة غير ربحية لمساعدة الحكومة".

وقد ساعدت حالة الرعاية الصحية السيئة في ليبيا على تحفيز النمو السريع لـ "سبيتار" على عدة أصعدة، ويعتقد أبوراوي أن هذا سيكون أيضاً سبب نجاح النموذج في بلدان أخرى.

ويوضح أبوراوي قائلاً: "يمكن الاستفادة من التكنولوجيا بشكل أسرع في أفريقيا وبقية الدول النامية بشكل عام، نظراً لوجود عدد قليل من الأنظمة القائمة التي تستدعي دمج المنصة معها". وهو يأمل في طرح الخدمة في مصر وتونس وباكستان في المرحلة التالية.

"ما نقوم به، في الحقيقة، هو إنشاء نظام جديد من خلال تعاوننا مع الحكومة والعاملين في مجال الرعاية الصحية والجمهور".

ومنذ إطلاقها، تمكنت "سبيتار" من تطوير أعمالها من خلال المنح التي تلقتها من مؤسسات شتى، من بينها مؤسسات حكومية، كان آخرها 100 ألف دولار من البنك الإسلامي للتنمية. ويخطط أبوراوي مستقبلاً لجولة تمويل من الفئة A بقيمة مليون دولار لتمويل نمو مشروعه.

ولأنه طبيب، يعرف أبوراوي أن لا شيء يمكن أن يحل محل الاستشارة الطبية التقليدية، ولكن في البلدان التي تكون فيها النظم الصحية متداعية ومجرد الذهاب إلى العيادة رحلة محفوفة بالمخاطر أو باهظة التكلفة، يكون "سبيتار" وسيلة فعالة ذات تكلفة منخفضة لرعاية المرضى في منازلهم.

ويختتم أبوراوي حديثه، قائلاً: "لا تهمل خدمات الرعاية الصحية عن بُعد دور الأطباء، بل هي معنية بأتمتة العمليات وتبسيطها، وتوفير الوقت والجهد لما هو أهم وملح بحق". — PA

"أريد أن تتوفر خدمات الرعاية لمن يعيش في قرية في جنوب ليبيا بذات الجودة التي تتوفر لمن يعيش في بوسطن".