مساعدة أكثر ذكاءً لولادات أكثر أماناً

يدعو مارك سيمونز، مع تحوّل أولويات المساعدات العالمية، إلى نهج أكثر ذكاءً وطويل المدى للرعاية الصحية للأمهات—قادر على إنقاذ الأرواح وبناء صمود دائم.

يقف عالم المساعدات الخارجية عند مفترق طرق؛ فقد أعادت التغييرات في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إشعال النقاش حول الطبيعة غير المتوقعة للدعم الإنساني. وبينما استؤنفت الإغاثة الغذائية الطارئة في كل من لبنان وسوريا والصومال والأردن والعراق والإكوادور، إلا أن المساعدات الحيوية لا تزال مُعلّقة لدول مثل أفغانستان واليمن. وتشير هذه التغييرات إلى نموذج أمريكي ناشئ يفضل الدعم الطارئ على المشاركة المستدامة طويلة المدى.

ومع ذلك، تكشف هذه اللحظة عن حقيقة أعمق: وهي الحاجة إلى إعادة التفكير بشكل أساسي في كيفية تقديمنا للمساعدات الإنمائية والإنسانية. والمطلوب الآن هو مساعدات أكثر ذكاءً—ودعم لا يستجيب للأزمات المباشرة فحسب، بل يبني أسس التقدم الدائم. ويتجلى هذا بأكثر وضوح في ميدان الكفاح من أجل تحسين الرعاية الصحية للأمهات في أكثر مناطق العالم هشاشة.

وكل يوم، تخاطر آلاف النساء بحياتهن لإحضار حياة جديدة إلى العالم. واعتبر هذا—في عام 2023، أبلغت منظمة الصحة العالمية عن 260,000 حالة وفاة للأمهات، حيث كانت 92 في المئة منها في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. ومع المساعدات الأكثر ذكاءً، التي تركز على الوقاية والوصول وبناء القدرات المحلية، فإن الواقع المأساوي هو أن معظم هذه الوفيات كان يمكن تجنبها.

وفي البلدان الأكثر ثراءً، فإنه عادةً ما تكون الولادة آمنة، ويدعمها أخصائيون صحيون مدربون ورعاية طارئة عند الحاجة. ومع ذلك، في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لا تتم سوى 60 في المئة من الولادات بإشراف كوادر صحية ماهرة. ووفقاً لليونيسف، لا تزال وفيات الأطفال دون سن الخامسة مرتفعة بشكل مثير للقلق في العديد من البلدان عبر قارة أسيا، وهي مدفوعة إلى حد كبير بالنزاعات والفقر وضعف الأنظمة الصحية. وتستأثر منطقة جنوب آسيا وحدها بنسبة 26 في المئة من وفيات الأطفال دون سن الخامسة على مستوى العالم، وهذا بالرغم من انخفاض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة بنسبة 72 في المئة منذ عام 1990.

ويزداد التناقض وضوحاً في المناطق المتأثرة بالصراع: ففي أفغانستان، على سبيل المثال، يفتقر ما يقرب من نصف جميع الولادات إلى رعاية ماهرة، كما أن رعاية التوليد الطارئة الأساسية هي نادرة جداً. وبدون الوصول إلى مقدمي خدمات مدربين، فإنه سرعان ما تصبح المضاعفات الروتينية—مثل نزيف ما بعد الولادة أو المخاض المتعسر—إلى حالات طوارئ تهدد الحياة.

وتواجه النساء في المناطق النائية، وخاصة اللواتي يعانين من فقر مزمن، عقبات لا يمكن التغلب عليها في سعيهن للحصول على الرعاية الصحية. وفي العديد من المناطق، تكون أقرب المرافق بعيدة المنال بشكل أليم—وهي أزمة تزداد حدة في المناطق التي تُعطيها أهداف التنمية المستدامة الأولوية، مثل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا، حيث يؤدي النقص الحاد في مقدمي الخدمات المهرة والإمدادات الحيوية إلى تفاقم وضع كان يائس مسبقاً.

وتخيلوا أماً على وشك الولادة في قرية بعيدة في ريف أفغانستان أو باكستان، وهي غير متأكدة مما إذا كانت ستصل إلى مكان آمن للولادة. وتخيلوها وهي تمشي لساعات على أرض وعرة إلى مستشفى ميداني، ومُدركةً أن فرص نجاتها ضئيلة في حال حدوث مضاعفات. وهذا ليس مثالاً تجريدياً—إنه الواقع اليومي لملايين النساء ما حول العالم. وغالباً ما يجدن من ينجون من رحلتهن المرهقة إلى المستشفى أنفسهن يتشاركون سريراً مع مريضة أخرى، أو أن أطفالهن الخُدّج يتشاركون الحاضنات—وهذا إن وُجدت أصلاً.

والنتيجة؟ في أفغانستان، تموت امرأة كل ساعتين بسبب مضاعفات مرتبطة بالحمل.

image title
"الأمهات الأصحاء يربين عائلات صحية، مما يعزز مجتمعات أقوى وأكثر مرونة. الصورة: UnSplash"

في العيادات التي رأيناها، تعتمد عاقبة الأمهات الحوامل بشكل كبير على ما إذا كانت العيادة مزودة بالإمدادات الضرورية والكوادر المدربة والمعدات اللازمة لتقديم الرعاية الفورية.

وتؤدي المساعدات الأكثر ذكاءً إلى إحداث الفرق المنشود—فهي تضمن توافر هذه الموارد المنقذة للحياة قبل وقوع حالات الطوارئ، وتوفير التدريبات والتقنيات المناسبة لتدريب القابلات. ويمكن للقابلات المدربات على إنعاش حديثي الولادة والوقاية ضد العدوى من معالجة ما يقرب من 40 في المئة من وفيات الأطفال دون سن الخامسة التي تحدث في الشهر الأول من الحياة، حيث يكون أعلى خطر في الأسبوع الأول.

وهذا هو الوعد الذي تقدمه مساعدات أكثر ذكاءً: ليس فقط إغاثة طارئة، ولكن استثمارات مستهدفة تزيل بشكل منهجي الحواجز بين الأمهات والرعاية المنقذة للحياة.

ولننظر على سبيل المثال إلى خطة الإمارات العربية المتحدة لإنشاء عشرة مراكز حديثة للأمومة وطب الأطفال في أكثر مقاطعات أفغانستان ضعفاً—ننكرهار، وبلخ، وهرات، وغزني، وباكتيكا، وباكتيا، وقندهار، وهلمند. ولم يتم تصميم هذه المراكز كإصلاحات مؤقتة، بل كركائز دائمة لصحة الأم والطفل، حيث توفر ولادات آمنة، ورعاية شاملة قبل الولادة وبعدها، وتدخلات طارئة، وبرامج تطعيم.

وإن أثرها هو بلا شك تحويلي. وستستفيد من هذه المرافق بشكل مباشر 115,000 امرأة، وستدعم بشكل غير مباشر أكثر من 727,000 شخص. ولكن المكاسب تتجاوز الرعاية الصحية بكثير؛ إذ الأمهات الأصحاء يرعين أسر صحية، ويغذين مجتمعات محلية أقوى وأكثر مرونة. وقد خلقت هذه المراكز بالفعل عشرات الوظائف المحلية، واستقرار للاقتصادات الهشة، وتعزيز للنسيج الاجتماعي.

ولقد أثبت هذا النهج جدواه من قبل؛ ابتداءً من أربعينيات القرن الماضي، أنشأت سريلانكا شبكة وطنية من العيادات الشاملة، حيث كان العديد منها في المناطق الريفية، والتي تطورت إلى مراكز مجتمعية لرعاية الأمومة والطفولة حافلة بقابلات مدربات وممرضات صحة عامة. وبناء عليه، انخفضت وفيات الأمهات  هناك مما يفوق 500 حالة وفاة لكل 100,000 ولادة حية في الخمسينيات إلى 60 حالة وفاة فقط لكل 100,000 ولادة حية اليوم.

"عندما تدعم المساعدات الحلول المحلية، وتُدرّب العاملين في مجال الرعاية الصحية، وتُحصّن سلاسل التوريد، فإنها تبني قدرة على الصمود تدوم طويلاً من بعد انقضاء حالة الطوارئ."

عندما تدعم المساعدات الحلول المحلية، وتُدرّب العاملين في مجال الرعاية الصحية، وتُحصّن سلاسل التوريد، فإنها تبني قدرة على الصمود تدوم طويلاً من بعد انقضاء حالة الطوارئ. وعلى مدار العقدين الماضيين، فإن معدلات وفيات الأمهات قد انخفضت في جميع أنحاء العالم، إلا أن الكثير من المكاسب لا تزال هشة. ويمكن لمسيرة التقدم أن تتراجع إذا تضاءل الاهتمام أو نضب التمويل. ولا يتم حل تحديات صحة الأم بين عشية وضحاها؛ إنها تتطلب التزاماً طويل المدى واستثمارات يمكن توقعها، وشراكات تضع المجتمعات المحلية في قلب الحل.

وفي هذا السياق، يجب للأعمال الخيرية أن تتصدى للأمر. وليس لملء فجوة مؤقتاً، ولكن كقوة دافعة للتغيير الدائم. وبينما يزداد عدم اليقين حول ميزانيات المعونة ويزداد قصر مدى الدعم المؤسسي، فإنه يمكن للاستثمار الخيري أن يوفر دعم متوقع وطويل المدى وضروري للحفاظ على مسيرة التقدم. ويأتي الأثر الأكبر عندما يتجاوز التمويل الخدمات الفورية ليعزز الأنظمة: دعم المنظمات المحلية، وتدريب القابلات، وتحسين سلاسل التوريد، وضمان عدم تخلف أي أم أو مولود جديد عن الركب عندما تتغير الأولويات السياسية.

والأعمال الخيرية تتمركز في وضع فريد لاتخاذ وجهة نظر بعيدة المدى، ولتمويل ما يغفل عنه الآخرون، ولدعم الحلول التي تبني القدرة على الصمود، وللشراكة المباشرة مع المجتمعات المحلية في الخطوط الأمامية. ويمكن للعمل الخيري أن يُحقق نتائج مستدامة وقابلة للتوسع عندما يعمل بالتنسيق مع الحكومات والجهات الفاعلة في المجال الإنساني.

ويواصل العاملون في مجال الرعاية الصحية تذكيرنا باستمرار بأن كل أم سليمة تُحدث تأثيراً مُتتالياً. وإن إنقاذ حياة واحدة يقوي الأسر، ويدعم النمو الاقتصادي، ويخلق مستقبلاً أكثر إشراقاً لمجتمعات محلية بأكملها. وهذا هو جوهر المساعدة الأكثر ذكاءً: بناء الاقتصادات، وتقوية المجتمعات، وإرساء أسس دائمة للقدرة على الصمود، وإيجاد حلول تدوم طويلاً من بعد أن تتلاشي عناوين الإعلام الرئيسية.

وعلى مدى العقدين الماضيين، انخفضت معدلات وفيات الأمهات والأطفال دون سن الخامسة على الصعيد العالمي بشكل كبير، ومع ذلك لا تزال المكاسب في العديد من البيئات الهشة محفوفة بالمخاطر. وخطر التراجع حقيقي إذا نضب التمويل أو تحول التركيز بعيداً عن بناء القدرات على المدى الطويل. ولا يتم حل تحديات صحة الأم بين عشية وضحاها—فهي تتطلب التزاماً مستداماً، واستثماراً يمكن توقعه، وشراكات يقودها المجتمع المحلي.

وتخيلوا عالماً لا تخشى فيه أي أم الولادة، ويتمتع كل طفل ببداية صحية—وهذا المستقبل في متناول اليد إذا اخترنا بنائه من خلال استثمارات ذكية واستباقية في صحة الأم.

اقرأ المزيد