تسريع العمل المناخي

هيلين ماونتفورد، الرئيس والمدير التنفيذي لمنظمة ’كلايمت ووركس‘ تسلط الضوء على الفرصة أمام قطاع العمل الخيري للوفاء بوعوده بعد مؤتمر الأطراف(COP28).

في ظل الحرارة الحارقة التي سجلها عام 2023، حصل هذا العام على لقب العام الأعلى حرارة على الإطلاق. مع ذلك، نحن نعلم أن ذلك لم يكن حدثاً منعزلاً، بل اتجاهاً مثيراً للقلق يدل على التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ الذي يتسبب بعواقب مدمرة على الناس والمجتمعات والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم.

ومع اقترابنا من منتصف العقد الحاسم للعمل المناخي، من الواضح أننا خرجنا عن المسار الصحيح لتحقيق الأهداف العالمية. مع ذلك، وفي خضم هذه التحديات، هناك تقدم غير مسبوق لا بد من البناء عليه خلال سعينا لتصحيح مسارنا. فرد الفعل العنيف الذي نشهده من صناعة الوقود الأحفوري وغيرها من الشركات ذات النفوذ ضد سياسات المناخ والمنظمات وقادة الخطوط الأمامية في هذا المجال هي، إلى حد ما، شهادة على التأثير الذي نحدثه.

لقد كثف مجتمعنا جهوده للتصدي لبعض هذه التحديات. فعلى سبيل المثال، قمنا بتطوير آليات الدفاع القانوني واستراتيجيات الاستمرارية لضمان أخذ المخاطر البيئية والاجتماعية في الاعتبار عند اتخاذ قرارات الاستثمار. علاوة على ذلك، قمنا بسرعة بالتصدي للمعلومات الخاطئة المتعلقة بالتأثير البيئي للسيارات الكهربائية.

مع ذلك، لا تزال هناك المزيد من الجهود التي لا بد لنا من القيام بها. فحتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فإن فرص احتواء الانحباس الحراري العالمي بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية لا تزيد عن 14 بالمئة. وهذا يؤكد على الحاجة الماسة لأن يكثف قطاع العمل الخيري جهوده ويتعاون مع الآخرين لابتكار طرق جديدة لتسريع الحلول التحويلية في عام 2024.

"يلعب قطاع العمل الخيري دوراً متزايد الأهمية في العمل مع الشركاء لتحديد الحلول، وإشراك أصحاب المصلحة المؤثرين، والدفع بالعمل".

لدينا في عام 2024 فرصة مهمة للبناء على العمل الذي تم إنجازه وتسريعه. وفيما يلي ثلاثة مجالات رئيسية يمكن للمجتمع الدولي من خلالها مساعدة العالم في ترجمة الالتزامات إلى إجراءات ملموسة:

1. التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري: في حين كان مؤتمر الأطراف (COP28) مؤشراً لبداية نهاية عصر الوقود الأحفوري، لكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين التعهدات التي قدمتها الحكومات والإجراءات التي تتخذها على أرض الواقع. ومن أجل إحداث انتقال حقيقي في قطاع الطاقة، يجب علينا تعزيز المبادرات الإيجابية والحد من الممارسات الضارة.

وبفضل المبادرات الخيرية الجريئة التي تروّج للطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، حققنا تقدماً كبيراً في تطوير الحلول المستدامة. واليوم، تُعَد مصادر الطاقة المتجددة الشكل الأكثر فعالية من حيث التكلفة لتوليد الكهرباء في كل مكان تقريباً في الوقت الذي يتزايد فيه اعتماد المركبات عديمة الانبعاثات (السيارات والشاحنات والحافلات والمركبات ذات العجلتين والثلاث عجلات) عبر مختلف وسائل النقل.

مع ذلك، علينا أيضاً معالجة الجانب الآخر من المعادلة وهو التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. لقد قدّم مؤتمر الأطراف (COP28) فرصة بالغة الأهمية، حيث تم الاتفاق بين جميع البلدان على نص التقييم العالمي الذين حث جميع الأطراف على "التحوّل من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة".

لقد حان الوقت المناسب لاغتنام هذه الفرصة، والبناء على التطورات الأخيرة مثل قرار الولايات المتحدة بالإيقاف المؤقت لإصدار تراخيص تصدير الغاز الطبيعي المسال. وتتمثل إحدى الخطوات القابلة للتنفيذ في الدعوة إلى إنهاء دعم الوقود الأحفوري العالمي الذي يزيد عن تريليون دولار - وهو رقم قياسي جديد تم تسجيله عام 2022 - يقوض بشكل مباشر الأهداف المناخية للحكومات.

تخيلوا فقط ما يمكن أن نحققه إذا تم إعادة توجيه هذه الأموال نحو توسيع نطاق الوصول إلى الطاقة من خلال الموارد المتجددة وتسهيل الانتقال العادل للعمال والمجتمعات. لقد حان الوقت المناسب لمضاعفة جهودنا في الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، والبناء على اعتراف جميع الحكومات في مؤتمر الأمم الأطراف (COP28) بضرورة القيام بذلك.

image title
بدأ روّاد العطاء والمحسنون في دعم الناشطين في مجال العدالة المناخية مثل هؤلاء في مؤتمر الأطراف (COP28) في دبي. الصورة: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

2. التمويل العادل والذي يسهل الوصول إليه للعمل المناخي. تعد زيادة التمويل ونماذج التمويل المبتكرة أمراً بالغ الأهمية، ليس فقط لتحقيق صافي انبعاثات صفري بحلول منتصف القرن ولكن لتعزيز العدالة المناخية كذلك، لاسيما لصالح أولئك الذين يتأثرون بشكل غير متناسب بتغير المناخ على الرغم من أنهم ليسوا المتسببتين به.

لقد خطى مؤتمر الأطراف (COP28) خطوات كبيرة في تفعيل صندوق الخسائر والأضرار الجديد، في حين سيركز مؤتمر الأطراف (COP29) القادم الذي سيقام في باكو على تعهدات التمويل الدولية.

علاوة على ذلك، هناك تطورات ملحوظة خارج الإطار الرسمي للأمم المتحدة وهي تطورات قادرة على إحداث ثورة في التمويل والمؤسسات المحلية والدولية، لا سيما إدراج المخاطر والفرص المتعلقة بالمناخ بشفافية في صميم قرارات التمويل الحكومي والخاص.

نقف حالياً على أعتاب حقبة جديدة للتمويل الخاص المستدام، حيث أصبح من الضروري الانتقال من المبادرات التطوعية الواعدة إلى الأطر التنظيمية. ومن الأمثلة على ذلك التقدم المحرز في قواعد الكشف عن بيانات الشركات التي تهدف إلى تعزيز الممارسات التجارية المسؤولة، وإفادة المستثمرين، في الوقت نفسه وحماية الناس والكوكب.

وهناك نهج آخر بالغ الأهمية وهو تنسيق الاستراتيجيات الرامية إلى إصلاح مصارف التنمية المتعددة الأطراف. وهنا يلعب قطاع العمل الخيري دوراً متزايد الأهمية في العمل مع الشركاء لتحديد الحلول، وإشراك أصحاب المصلحة المؤثرين، والدفع بالعمل، وفي الوقت ذاته مواجهة المقاومة من صناعة الوقود الأحفوري وجماعات الضغط.

"نقف حالياً على أعتاب حقبة جديدة للتمويل الخاص المستدام، حيث أصبح من الضروري الانتقال من المبادرات التطوعية الواعدة إلى الأطر التنظيمية."

3. تكثيف التنفيذ وتعزيز الطموح من خلال تبني حلول مناخية شاملة. يتعين علينا متابعة الالتزامات الحالية وأن نبين كيف يفيد العمل المناخي الأفراد والمجتمعات والاقتصادات بشكل فعال.

ومن خلال تسليط الضوء على الحلول المناخية التي تؤثر بشكل إيجابي على احتياجات الناس الأساسية - كتوفير احتياجاتهم واحتياجات أسرهم، وضمان السلامة والأمن، وتعزيز القدرة على الصمود، وتعزيز الصحة - يمكننا حشد الدعم للمبادرات المناخية الجريئة التي تركز على الناس وتتصدى للتحديات المترابطة والتي تتسم بالاستدامة.

إن ضمان التنفيذ الفعال الآن أمر بالغ الأهمية لرفع مستوى الطموح في المستقبل. وكجزء من هذه الجهود، يتعين علينا أن نعطي الأولوية للقطاعات التي تم إهمالها لفترة طويلة والتي تعاني من نقص حاد في التمويل، لا سيما نزع الكربون من الصناعات وقطاعات الشحن والطيران والأغذية والزراعة.

ومع حلول مؤتمر الأطراف (COP30) في البرازيل عام 2025، سيتم تكليف البلدان بتحديث أهدافها الوطنية للحد من تلوث المناخ. وبينما تقود الحكومات هذه العملية، فقد أصبح من الواضح على نحو متزايد بأن على جميع شرائح المجتمع أن تسهم في إيجاد الحلول المطلوبة لمستوى الطموح الذي نريد رؤيته.

ويتطلب ذلك مشاركة أكبر من جانب الجهات الفاعلة على المستوى المحلي والشركات والقطاع المالي، بما يتماشى مع المشاركة النشطة التي أظهرتها بالفعل الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني. ولا يمكن المبالغة في أهمية هذه الفرص لرفع مستوى الطموح. كما يجب على المؤسسات الخيرية وشركائها أن يبدؤوا الآن في المشاركة في الجهود الرامية إلى دعم تطوير المزيد من الخطط الطموحة.

image title
كان بيل غيتس واحداً من العديد من رواد العطاء البارزين الذين حضروا مؤتمر الأطراف (COP28) في دبي. الصورة: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

نواجه في هذا العام فرصاً وتحدياتٍ هائلة، لا سيما في ظل الانتخابات المقررة في أكثر من 60 دولة، تمثل مجتمعة نصف سكان العالم.

ولذلك نحن بحاجة إلى توجهات بعيدة النظر لتوحيد كافة قطاعات المجتمع من أجل التعامل مع المقايضات التي تعتبر جزءاً جوهرياً من عملية الانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون. إن تبني شراكات غير تقليدية، بما في ذلك الشراكات مع الجهات التي لا تتعامل معها عادة المؤسسات الخيرية، مثل الشركات، يعد أمراً ضرورياً لتوسيع نطاق العمل المناخي إلى مستويات غير مسبوقة.

وتجسد مبادرات مثل المركز العالمي للميثان، الذي يجمع بين روّاد العطاء والخبراء والمنظمات غير الربحية والمنظمات الحكومية لتحقيق أقصى قدر من خفض غاز الميثان، هذه الروح التعاونية.

وعلى نحو مماثل، تهدف ’مبادرة العطاء لتضخيم العمل من أجل الأرض‘، التي يقودها المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع ’مبادرة القيادة من أجل المناخ‘ ومنظمة ’كلايمت ووركس‘، إلى تحديد شراكات مناخية مبتكرة عبر القطاعات العامة والخاصة والخيرية لتسريع العمل الجماعي بما يتجاوز ما يمكن أن يفعله كل قطاع منها على حدة.

كما يتعين علينا تمويل المبادرات التي تهدف إلى التصدي لتغير المناخ بقدر ما نرغب بنجاح مساعينا في محاربته. ويستلزم ذلك توجيه الموارد بشكل أسرع إلى الأشخاص والمجتمعات الأكثر احتياجاً، والتي تم تجاهلها تاريخياً من قبل الاستثمارات الخيرية.

نحن بحاجة إلى اجتياز نقطة الثبات الذي يقف عندها مستوى التمويل الخيري للمناخ الذي شهدناه في عام 2022، حيث ظلت النسبة عند 2 بالمئة من إجمالي المساهمات الخيرية. بالإضافة إلى ذلك، يتعين علينا أن نحطم الحواجز القديمة التي لم تعد تفيدنا مثل الفصل بين جهود تخفيف آثار تغير المناخ وجهود التكيف معه.

لقد حان الوقت المناسب لكي يقوم جميع الممولين بالبحث عن الفرص الكفيلة بتحفيز التغيير الكبير من خلال تعزيز التعاون الجوهري، وتسريع الحلول التي تركز على الناس لضمان التمتع بمستقبل لا يتخلف فيه أحد عن الركب.