التقاعس عن العمل المناخي: تكلفة لم يعد بوسعنا تحملها

الحاجة الملحة إلى العمل الجماعي من أجل التصدي لآثار تغير المناخ في الدول المتأثرة بالنزاعات.

يشير تقرير صدر عن معهد الموارد العالمية إلى أن ربع سكان العالم يعانون من شح شديد في المياه. تعد هذه الإحصائية مثيرة للقلق، إذ تعني أن الدول تستهلك جميع مواردها المائية المتاحة تقريباً، وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يتأثر مليار شخص بهذه الأزمة.

وهنا في الشرق الأوسط، بدأنا نشهد احتراراً إجمالياً بمقدار خمس درجات مئوية قبل حلول نهاية القرن. ويمكن أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة هذه إلى عواقب فورية وملموسة - كما شهدنا هذا الصيف – لا سيما حرائق الغابات في سوريا ودرجات الحرارة غير المسبوقة في عدن باليمن، وفي البصرة بالعراق، ما تسبب في انقطاع مستمر للتيار الكهربائي وتوقف الخدمات.

تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في المناطق المتأثرة بالنزاعات المسلحة وغيرها من أشكال العنف. وبالتالي، فإننا نشعر بالقلق بشكل خاص إزاء تقاطع هذه القضايا مع النزاعات المسلحة [خصوصاً أننا أندرك] كيف سيؤدي ذلك إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية.

وفي عملياتنا في جميع أنحاء الشرق الأوسط، نلاحظ هذا التقارب بين المخاطر المتعلقة بالمناخ والتدهور البيئي والنزاعات المسلحة. فنحن نشهد كيف تهدد هذه العوامل حياة الناس وسُبل عيشهم، وكيف تؤثر على الصحة وتؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن المائي وتدهور التربة، ما يعيق الإنتاجية الزراعية والأمن الغذائي.

"إن وراء كل إحصائية وبيانات مناخية رواية إنسانية عن النضال والأمل."

ففي اليمن، على سبيل المثال، يشكّل تفاقم ندرة المياه العذبة تحدياً كبيراً للصحة العامة. وأدى اقتران ذلك بتلوث مياه الصرف الصحي الناتج عن البنية التحتية المتضررة وانهيار الخدمات العامة إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا.

وفي سوريا، ترك النزاع تبعاتٍ واسعةَ النطاق على الزراعة في جميع أنحاء البلاد، ما أثر على سُبل العيش والأمن الغذائي. ويواجه القمح، باعتباره محصول الحبوب الرئيسي في البلاد، تهديداً إضافياً بسبب التغيرات المناخية التي من المتوقع أن تفاقم انتشار أمراض المحاصيل وتؤثر بشدة على إنتاج الحبوب. وللتصدي لهذه المشكلة، تتعاون اللجنة الدولية مع المؤسسة العامة لإكثار البذار في سوريا لتعزيز القدرات المختبرية للمؤسسة كي تتمكن من مواصلة تطوير أصناف المحاصيل الأكثر ملاءمة للظروف المناخية المتغيرة.

وفي العديد من الدول التي تتركز جهودنا فيها، لا يتم استخدام المياه للاستهلاك فقط، بل أيضاً لتشغيل محطات الطاقة الكهرومائية وري الحقول، وبالتالي فإن نقصها يؤدي إلى تعطيل توليد الكهرباء وإنتاج الغذاء.

وجميع هذه العناصر مرتبطة ببعضها البعض، لكن الأفراد المتأثرين بالنزاعات المسلحة والذين يعانون حقاً من نقاط ضعف ويمتلكون موارد محدودة لمواجهة التحديات الجديدة يتحملون وطأة هذه الآثار بأشد الطرق.

ولذلك فإن إضافة تغير المناخ إلى هذه المعادلة في المناطق المتأثرة بالنزاعات لن يؤدي سوى إلى تفاقم مواطن الضعف هذه.

يعتبر توجيه العمل المناخي نحو المجتمعات الضعيفة والمتأثرة بالنزاعات أمراً بالغ الأهمية. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في الاعتراف بأهمية ذلك، لا تزال هناك حاجة كبيرة لبذل المزيد من الجهود.

إن اتخاذ إجراءات صارمة للتصدي لتغير المناخ وتوفير التمويل للعمل المناخي يشكلان ضرورة أساسية إذا أردنا الحد من الاحتياجات الإنسانية، وحماية الإنجازات التنموية، ومنع الانهيار المنهجي للخدمات الأساسية مثل المياه والطاقة والزراعة.

ولا يعد التصدي لهذه التحديات مسؤولية العاملين في المجال الإنساني وحدهم أو قطاع العمل الإنساني وحده، بل يجب أن تنضم إليهم الجهات الفاعلة في مجال التنمية وروّاد العطاء وعلماء المناخ وصانعو السياسات والمسؤولون الحكوميون والشخصيات المؤثرة وأن يتعاونوا معاً من أجل تبادل الخبرات.

يمكننا جميعاً أن نتعلم من بعضنا البعض وأن نحشد جهودنا لإقناع الآخرين بالانضمام إلينا. ومؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP28، المقرر عقده في دولة الإمارات العربية المتحدة في وقت لاحق من هذا العام، هو فرصة حقيقية لإدراج الهشاشة والنزاعات في المناقشات المتعلقة بتغير المناخ.

ونحن، في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، نعقد آمالاً كبيرة على مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP28 ونحث المجتمع الدولي على القيام بثلاثة أمور رئيسية هي:

1. الالتزام مجدداً باتخاذ إجراءات عاجلة وطموحة للحد من الانبعاثات وإبقاء ظاهرة الاحتباس الحراري ضمن النطاق الملائم للعيش لتجنب أشد تداعيات تغير المناخ على السكان.

2. الاعتراف بشدة ضعف الدول التي تواجه مخاطر مناخية بسبب قدرتها المحدودة على التكيّف.

3. الوفاء بالتعهدات بتوسيع نطاق العمل المناخي في الدول المعرضة لتغير المناخ، وضمان حصول المبادرات المناخية على دعم مالي مناسب ويسهل الوصول إليه، لا سيما في الدول المتأثرة بالنزاعات والعنف.

"ندرك جميعاً أنها مهمة شاقة، لكنها أيضاً مهمة ضرورية إن لم تكن وجودية. فالفشل في التحرك لن يؤدي إلا إلى زيادة العبء على المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط."

image title
في جنوب العراق، تتلوث مصادر المياه بشكل خطير بواسطة مياه الصرف الصحي والزراعة. الصورة: مايك مصطفى خلف / اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وقد يبدو اقتراح الحلول أمراً سهلاً إلا أن تنفيذها أصعب من ذلك بكثير - ولهذا يصبح العمل الجماعي أمراً حتمياً.

يلعب العمل الخيري أيضاً دوراً حاسماً في هذا المضمار. فالتصدي لتغير المناخ يتطلب توفير المزيد من الموارد - وهنا يمكن لرواد العطاء والمحسنين إحداث الفرق - فهم يمتلكون القدرة على الابتكار وتحمل المخاطر المحسوبة وصياغة النماذج الجديدة والتعاون مع الهيئات الحكومية.

وهذه المزايا الفريدة التي يتمتعون بها تمكنهم من تحفيز فرص حقيقية، لا سيما أنهم غير مثقلين بالقيود التي غالباً ما تحد من قدرات الجهات المانحة والمؤسسات الأخرى. كما يمتلك روّاد العطاء القدرة على تسريع المبادرات المستدامة من خلال الاستثمار في الحلول المبتكرة ودعم الأبحاث الرائدة والمنظمات المختلفة.

إن قدرة روّاد العطاء على توفير التمويل المرن والسريع يمكن أن تسد الفجوات التمويلية التي غالباً ما تعيق العمل المناخي. كما يمكنهم أن يكونوا حلفاء مهمين، وليس مجرد محسنين بل أصحاب مصلحة مؤثرين في هذا التحدي العالمي. علاوة على ذلك، يتمتع روّاد العطاء غالباً بالخبرة في مجالات تخصصهم، ما يسهم بثروة من المعرفة لجعل الأدوات أو الموارد المالية أو النتائج أكثر واقعية وتأثيراً.

نحن ندرك جميعاً أنها مهمة شاقة، لكنها أيضاً مهمة ضرورية إن لم تكن وجودية. فالفشل في التحرك لن يؤدي إلا إلى زيادة العبء على المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ومن دون القيام بالتدخلات اللازمة سوف تستمر هذه الأزمات وتتفاقم، وسيؤدي ذلك إلى تزايد الخسائر الإنسانية. ومن دون شك ينطوي ذلك على ثمن باهظ للأفراد والمنظمات والحكومات والتنمية العالمية بشكل عام.

إن وراء كل إحصائية وبيانات مناخية رواية إنسانية عن النضال والأمل. واتخاذ القرارات - أو التقاعس عن اتخاذها - بشأن التصدي لتغير المناخ سيتسبب بعواقب وخيمة على حياة عدد لا يحصى من البشر. إننا جميعاً نتشاطر مسؤولية العمل، ليس فقط من أجل الدول المتضررة بل أيضاً من أجل الأشخاص الذين يعتبرون هذه الدول وطناً لهم.