تغير المناخ وانتشار الأمراض المعدية

كيلي ويليس من منظمة ’ملاريا نو مور‘ توضح الأسباب التي تستدعي بناء أنظمة صحية عالمية لا تتأثر بالمناخ.

60%

من سكان العالم قد يكونوا عرضة لخطر الإصابة بحمى الضنك بحلول عام 2080.

اتسم شهر يوليو 2023 بحقيقة مقلقة وهي تسجيله لأعلى درجات حرارة على كوكب الأرض على الإطلاق. يمكننا قول ذلك بدرجة عالية من اليقين بفضل الانتشار الواسع لأجهزة استشعار المناخ المتطورة وجهود شبكة تعاونية من مرافق مراقبة الأرصاد الجوية والغلاف الجوي التي تجري التحليلات في الوقت الحقيقي وترسم التوقعات المستقبلية بدقة متناهية.

وتعزز هذه الشبكة نفسها أكثر من أي وقت مضى قدرة الخبراء على تحديد مواقع وأوقات الانتقال المحتمل للأمراض المعدية الحساسة للمناخ مثل الملاريا وحمى الضنك، ما يتيح استخدام الموارد المحدودة بطريقة أكثر فعالية من أجل القضاء تماماً على هذه الأمراض.

إن الاحترار العالمي يهدد بتفاقم انتشار الأمراض المعدية وتقلبها، فارتفاع درجات الحرارة وانتشار الظواهر الجوية المتطرفة وتغيّر أنماط هطول الأمطار تؤثر على الطريقة التي تنتقل بها الأمراض المحمولة بالنواقل مثل الملاريا وحمى الضنك - ما يعقد المساعي العالمية المبذولة للقضاء على هذه الأمراض المريعة ويعرض مجتمعات جديدة وأكثر هشاشة للخطر.

تحصد الملاريا وحدها أرواح أكثر من 600,000 شخص سنوياً - معظمهم من الأطفال الصغار في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتشير توقعات الخبراء إلى أن عدد حالات الإصابة بالملاريا يمكن أن يزيد بمقدار الضعف بحلول عام 2050 وضعفين بحلول عام 2080. ومن المتوقع أيضاً أن يواجه ما يقدر بنحو 60 في المئة من سكان العالم خطر الإصابة بحمى الضنك.

وعلى الرغم من أن الاحترار العالمي يهدد بتفاقم انتشار العديد من الأمراض المعدية وتقلبها، فإن قدرتنا على التنبؤ بتفشي الأوبئة ومنع حدوثها يتزايد بوتيرة مذهلة أيضاً.

image title
غمرت الأمطار التي سقطت على باكستان في أواخر عام 2022 ثلث البلاد بالمياه. وتعد درجات الحرارة المرتفعة والمياه الراكدة أرضاً خصبة لتكاثر البعوض الذي ينشر الأمراض المُهلكة مثل الملاريا وحمى الضنك. الصورة: شاترستوك.

يستخدم العلماء في جميع أنحاء العالم مصادر جديدة لبيانات المناخ وصور الأقمار الصناعية العالية الدقة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لتقديم أدوات عملية لصناع القرار في النظم الصحية. وتتجاوز هذه النماذج مجرد أنظمة "الإنذار المبكر"، إذ يتم استحداث أدوات عالية الدقة لدعم القرار تمكن النظم الصحية من تحقيق أفضل استخدام للأدوات المتوفرة لديها؛ وإرسال الموارد حيثما وكلما تشتد الحاجة إليها لتجنب ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض والقضاء عليها في نهاية المطاف.

يطلق على هذا النهج مسمى "البرمجة الدقيقة" - أي استخدام الموارد المحلية والإنمائية المحدودة "في الوقت المناسب تماماً" لتحقيق أقصى قدر ممكن من التقدم في القضاء على الأمراض.

وهذا المستوى من المعرفة والقدرة التنبؤية والمعلومات العملية يشكّل مكوناً مهماً لما يعرف بـ "القدرة على الصمود أمام تغيرات المناخ" لدى النظم الصحية الهشة.

"إننا نجد أنفسنا اليوم في سباق لاستخدام البيانات والتكنولوجيا لتعزيز جهود القضاء على الأمراض بوتيرة تفوق النكسات التي يفرضها الاحترار العالمي".

في عام 2022، أسس اتحاد التنبؤ بمستقبل صحي ما أصبح يعرف اليوم بمعهد النمذجة الصحية والحلول المناخية (IMACS)، وهو مركز عالمي للتميز في نمذجة المناخ والأمراض يُعنى بتعزيز أنظمة الإنذار المبكر المتقدمة واعتمادها واستخدامها من أجل النهوض بالكفاءات التشغيلية في مبادرات مكافحة الأمراض والقضاء عليها في جميع أنحاء العالم.

تم إطلاق المعهد رسمياً خلال فعالية استضافتها قمة أسبوع أبوظبي للاستدامة العام الماضي، بدعم مالي من مبادرة بلوغ الميل الأخير، وهي مجموعة من المبادرات الصحية العالمية بتمويل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. ومنذ ذلك الحين، يجمع المعهد شبكة من أكثر من 30 خبيراً متخصصاً في النماذج التي تتنبأ بأنماط الأمراض وتعتمد على بيانات المناخ والذكاء الاصطناعي. ويبذل المعهد جهوداً حثيثة للنهوض بهذا القطاع وتقليل العقبات التي تعترض تطبيق هذه الأنظمة في الدول الواقعة على الخطوط الأمامية في مواجهة تغير المناخ وتحديات الصحة العالمية.

مع ذلك، هناك حاجة إلى القيام بالمزيد من الاستثمارات في أنظمة المراقبة الفعالة، واستخدام مصادر البيانات المناخية المتطورة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بأشد آثار تغير المناخ على انتشار الأمراض المعدية وتجنبها في جميع أنحاء العالم.

وفي حال قمنا باستثمارات استراتيجية في هذا المجال فإن هذه الأدوات والقدرات قد تساهم بشكل كبير في القضاء على الأمراض التي ابتليت بها الدول ذات الموارد المحدودة في جميع أنحاء أفريقيا وخارجها، رغم التحديات الهائلة التي يفرضها الاحترار العالمي.

إننا نجد أنفسنا اليوم في سباق لاستخدام البيانات والتكنولوجيا لتعزيز جهود القضاء على الأمراض بوتيرة تفوق النكسات التي يفرضها الاحترار العالمي. وإنشاء أنظمة صحية قادرة على الصمود أمام المناخ لا يتطلب أنظمة بيانات متقدمة فحسب، بل قدرة محلية على تسخير إمكاناتها بفعالية أيضاً.-PA