تحفيز إحداث الأثر 

رائدة الاستثمار المؤثر سوزان بيجل تقول أنه قد حان الوقت لأن يلعب المحسنون ورواد العطاء دوراً أكبر في جهود تمويل المناخ

تشير أحدث التقارير الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن العالم بحاجة إلى زيادة الاستثمارات المراعية للبيئة ثلاثة إلى ستة أضعاف المستويات الحالية من أجل الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية لما يصل إلى 1.5 درجة مئوية وتجنب حدوث تغير كارثي في المناخ.

غير أن هذه المهمة أكبر من أن يتم إنجازها فقط من خلال تقديم المنح وأموال القطاع العام. فمن أجل الوصول إلى هذا المستوى من الاستثمار، نحن بحاجة إلى تغيير الطريقة التي تتدفق بها رؤوس الأموال في النظام المالي العالمي، ما يعني الابتعاد عن الوقود الأحفوري والتحوّل إلى الحلول المناخية الفعّالة والحفاظ على التنوع البيولوجي والطبيعة والتأكد من أن يكون هذا التحوّل منصفاً للجميع.

وبينما قد لا يتمكن روّاد العطاء من سد هذه الفجوة في التمويل بمفردهم، هناك الكثير مما يمكنهم فعله لتزيد هذا التحوّل باستثمارات رؤوس الأموال.

ومن الأساليب التي يمكنهم تبنيها تمويل مبادرات البحث والتطوير التي لم تعد مجدية تجارياً. وهناك أسلوب آخر وهو أن يعملوا على توفير التمويل الأولي القادر على تحمل الخسائر لتحفيز الاستثمار التجاري في الفرص التي تعطي الأولية لإحداث الأثر.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لرواد العطاء أن يكونوا بمثابة مصادر قيمة للمعرفة والاستفادة من قوتهم كمستثمرين لضمان توجيه رؤوس الأموال نحو المجالات والطرق التي ستكون فيها أكثر فعالية.

ولذلك فإنني أرى في هذه الاستخدامات لرأس المال الخيري قوة للتغيير الشامل شأنها شأن الاستثمارات الخيرية التقليدية في مجال التنظيم على مستوى القواعد الشعبية والمناصرة والعمل السياسي.

منذ أكثر من عقدين من الزمن وأنا أقدم التبرعات وأستثمر بنشاط في المجالات ذات الصلة بالاستدامة والنوع الاجتماعي. وطوال هذه الفترة، كنت ألحظ أنه على الرغم من أن دور النساء كناشطات في التنظيم على مستوى القواعد شعبية ومؤثرات على السياسات في مجال العمل المناخي معترف به على نطاق واسع، يبدو أن هناك اعترافاً أقل بدورهن كرائدات عطاء ومبتكرات للحلول.

ووفقاً لبيانات ’كرنشبيس‘ Crunchbase، حصل المؤسسون من النساء على 6.9  في المئة فقط من تمويل المشاريع في مجال تكنولوجيا المناخ خلال الربع الأول من عام 2023، وهي إحصائية تعكس التحيز اللاواعي أكثر من النقص في رائدات الأعمال في قطاع المناخ.

ومنذ أربع سنوات، شكّلتُ فريق عمل من المستثمرين الذين يعملون في تقاطع النوع الاجتماعي والمناخ للتصدي لأوجه انعدام المساواة هذه بمساعدة منظمتي السابقة ’جيندر سمارت‘ GenderSmart (التي اندمجت مع منظمة ’تو إكس كولابرواتيف‘ 2X Collaborative في نهاية عام 2022 لتشكيل منظمة ’تو إكس غلوبال‘ 2X Global).

كان هدفنا هو حشد الدعم للاستثمار في تقاطع النوع الاجتماعي والمناخ وتسليط الضوء على المجموعة المتزايدة من الأساليب المتقدمة والمبتكرة عبر جميع فئات الأصول التي تدمج الاعتبارات الجنسانية لتعزيز تأثيرها وعوائدها.

وخلال تلك الفترة، أصدرنا سلسلة من الأبحاث المؤثرة التي تناقش أهمية النوع الاجتماعي في الاستثمارات المناخية، وكيف يحدث تقاطع الاستثمار في الأسواق المتقدمة والناشئة وكيفية الاستثمار بطريقة تركز على المجتمعات على الخطوط الأمامية والمجتمعات المحرومة.

"لا يملك العالم سوى بضع سنوات لتجنب أخطر عواقب تغير المناخ".

image title
تجعل حرائق الغابات المدمرة في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا آثار تغير المناخ قريبة من أوطان العديد من أثرياء العالم. فهل سيسارعون لتمويل المبادرات التي تسعى للتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة؟ الصورة: شاترستوك.

خلال صيف عام 2021، تم تشخيص إصابتي بسرطان الرئة النقيلي في المرحلة الرابعة. وبعد ذلك، في ديسمبر 2022، أصبت بسكتة دماغية، وخلال الأشهر الستة الماضية على وجه الخصوص، أصبحت حالتي الصحية ضعيفة للغاية.

بينما كنت أتأمل في الإرث الذي أرغب في تركه ورائي قبل أن تنتهي أيامي على هذا الكوكب، عقدت العزم على تأسيس وقف خيري يهدف إلى الاستثمار في الأموال في تقاطع المناخ والنوع الاجتماعي.

فتم إطلاق صندوق ’هيدينغ فور تشينج‘ Heading for Change في أبريل 2023 برأسمال قدره مليون دولار. وفي أقل من ثلاثة أشهر، وصلت قيمة الصندوق 3 ملايين دولار بعد حصوله على دعم المانحين من المنظمات والأفراد، واستمرار المزيد من الشركاء المانحين في الانضمام إليه.

وعلى مدى الأشهر الأربعة الماضية، قمتُ وفريقي بتنقيح قائمة طويلة من أكثر من 100 صندوق ووصلنا إلى قائمة مختصرة من 25 صندوقاً تلبي مجموعة من المعايير الأساسية في التصدي لقضايا المناخ والنوع الاجتماعي. وفي وقت لاحق من هذا الصيف، سنقوم بأول سلسلة من استثماراتنا في صناديق المناخ التي تركز على النساء كعوامل للتغيير وتستثمر في الحلول التي تتماشى مع مهمة ’برجيكت درو داون‘ Project Drawdown والمجالات الرئيسية ذات الأولوية لدى للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.

وتنقسم استراتيجيتنا إلى ثلاثة مستويات. في المستوى الأول، تساهم استثماراتنا في استخدام المزيد من رأس المال الخاص للتصدي لأزمة المناخ. ومن خلال الاستثمار في مديري صناديق المناخ الذين يركزون على النوع الاجتماعي- والمبتكرين الذين يدعمونهم – فإننا نساعد في توصيل الحلول المناخية الأساسية إلى السوق وتوسيع نطاقها وإحداث التغيير.

لكننا نسعى أيضاً لأن تحفز استثماراتنا ضخ المزيد من التمويل من خلال تقديم دليل في الأسواق على قيمة واستدامة حلول المناخ المراعية للنوع الاجتماعي، وتزويد المستثمرين ورواد العطاء المتحمسين بالفعل لقضايا المناخ والنوع الاجتماعي بخريطة طريق من أجل الاستثمار بأسلوب يتماشى مع قيمهم ومع العلم.

نأمل أن تكون استثماراتنا بمثابة مجموعة توضيحية لأفضل الاستثمارات في تقاطع المناخ والنوع الاجتماعي مع تحقيق مزيج من الأثر والعائد المالي.

وأخيراً، وإدراكاً منا أن إحدى العقبات الأساسية التي يواجهها رواد العطاء الذين يسعون لتعزيز ممارستهم في مجال الاستثمار المؤثر هي ندرة المعلومات وشبكات الاتصالات والمعارف، فسوف نعمل على ربط شركائنا ومانحينا ببعضهم البعض وبمستثمرينا أيضاً بهدف تحقيق التعلم المشترك وبناء مجتمع قائم على الدعم المتبادل والعمل الجماعي.

"أنت لست بحاجة إلى امتلاك وتوزيع مليارات الدولارات كي تحدث أموالك التأثير المطلوب".

image title
لا يحصل المؤسِّسون من النساء على حصة عادلة من تمويل مشاريع تكنولوجيا المناخ. الصورة: شاترستوك

ولا يملك العالم سوى بضع سنوات لتجنب أخطر عواقب تغير المناخ في الوقت الذي تنتظر فيه تريليونات الدولارات من رؤوس الأموال توزيعها لتحقيق هذا الهدف. من هنا لا بد أن يتم حشد هذه الأموال بسرعة وبأسلوب استراتيجي، وتوجيهها نحو الأماكن حيث يمكنها إحداث التأثير الأكبر.

إن استراتيجية الاستثمار التي لا تزال تتجاهل وجهات نظر وابتكارات نصف السكان لا تخاطر بتفويت الأفكار المهمة فحسب، بل تخاطر بالاستثمار في الأفكار التي لن تلبي احتياجات السكان الذين تخدمهم.

مع ذلك، أنت لست بحاجة إلى امتلاك وتوزيع مليارات الدولارات كي تحدث أموالك التأثير المطلوب: فالملايين قادرة على حشد التريليونات.

ويمكن لقدر صغير نسبياً من رأس المال الخيري والتمويل الحكومي أن يحفز قدراً أكبر بكثير من رأس المال الخاص إذا تمكنا من إثبات أن الحلول متوفرة، وأنها قادرة على حل المشكلات التي يحتاج العالم إلى التصدي لها وأنها مجدية من الناحية التجارية.

إن رأس المال الذي نحتاج إليه موجود، لكننا لا نربط النقاط ببعضها كما يجب. يدرك رواد العطاء ذلك لذا نحن نستثمر في المناصرة والسياسات والعمل الشعبي. ولهذا السبب أيضاً نحن بحاجة لتوظيف أموالنا لتحفيز التأثير الإيجابي داخل الأسواق.

يحتاج عالم الاستثمار إلى المزيد من رواد العطاء - ليس فقط من أجل الأموال التي يمكننا توفيرها، ولكن من أجل خبراتنا وقناعتنا وقدرتنا على إلقاء نظرة نقدية وتمييز الحلول التي سيكون لها التأثير الأكبر وتلك التي لا تتعدى كونها حلولاً سطحية.

فإذا كان لديك أموال متروكة جانباً، فهذا هو الوقت المناسب للاستفادة منها.-PA