البحث عن النور الداخلي

نشأ الممثل والمخرج السينمائي فورست ويتكر في شوارع جنوب وسط لوس أنجلوس. واليوم، يسخّر ويتكر تجربته هذه والدروس التي تعلمها منها للمساهمة في تحسين حياة الشباب المتأثرين بالنزاعات.

يوجد بداخل كل شخص منا شعلة مقدسة، هي ما يمنحنا جميعاً هذه القدرة المذهلة على فعل الخير: أن نحب وأن نبدع وأن نساعد وأن نسامح بعضنا البعض. إنه نور عالمي يربطنا جميعاً بلهب البشرية. لطالما كانت رحلتي - كفنان وممثل وناشط اجتماعي – تدور بشكل رئيسي حول تعزيز الصلات التي تربطني بالشخص أو الشخصية التي أمامي وإزالة جميع الحواجز الخارجية التي تحجب الحقيقة واكتشاف النور المدفون في الأعماق.

منذ البداية، كان هذا البحث عن النور ما استرشد به في عملي، كما أنه النور الذي يرشدنا ويوجهنا جميعاً. كان لدي منذ صغري أشخاص اعتبرهم بمثابة قدوة لي وقد ساعدوني في اكتشاف هذا النور الذي قد يغفل عنه الآخرون. كانت والدتي معلمة في مجال التربية الخاصة وكانت تعمل عن كثب مع الطلاب الذين يعانون من صعوبات شديدة في التعلُم. كنت أراقبها وهي تتفاعل مع هؤلاء الطلاب وأرى الحب والاهتمام الذي توليه لكل واحد منهم. لقد ترك ذلك أثراً كبيراً في نفسي. كما أتيحت لي الفرصة في بعض الأحيان لحضور حصصها الدراسية والعمل بنفسي مع هؤلاء الطلاب. لقد استطعت رؤية القوة التي يمتلكونها وهم يكافحون للتغلب على بعض التحديات التي يواجهونها في حياتهم.

رأيت هذا النور في أماكن خفية أخرى كذلك. فقد شهدت في طفولتي نزاعات بطرق مختلفة. نشأت في جنوب وسط لوس أنجلوس في فترة كان يعاني ذلك الجزء من المدينة من اضطرابات على أقل تقدير.

كانت أعمال الشغب التي اندلعت في منطقة واتس على بُعد أميال قليلة فقط من منزلي. كما كان لحزب الفهود السود مقر في الحي الذي كنت أقطن فيه، وقد شهدت تفجيره ذات يوم على يد الشرطة. بالإضافة إلى ذلك، تأسست عصابتا ’بلود‘ و’كريبس‘ عندما كنت طالباً في المدرسة الإعدادية.

image title
أطفال في الشوارع خلال أعمال الشغب التي اندلعت على خلفية عرقية عام 1965 في الولايات المتحدة. الصورة: بيل راي.

"الصراع والعنف يكادان يكونان دائماً العرضين الظاهرين لبعض الاحتياجات الأساسية التي لا تتم تلبيتها".

مع ذلك، كان لدي منظور فريد حيال العديد من هذه الأحداث التي كنت أراقبها عن كثب. فبينما رأى الآخرون الخلافات والعنف، رأينا نحن الذين نقطن في الحي منظمات تحاول مساعدة مجتمعاتنا.

كان الفهود السود ينظمون برامج لتقديم وجبات الغداء ويعتنون بالأطفال الصغار في حينا. كانوا يصطحبونني كل يوم من المدرسة ويتحدثون معي حول أهمية الاهتمام بنفسي والعمل بجد من أجل الحصول على التعليم. حتى عصابتا ’بلود‘ و’كريبس‘ نفسهما بدأتا كمنظمتين لبناء المجتمع.

لكن مع مرور الوقت أصبحتا من المجموعات الإجرامية التي تقوم بأعمال عنف على نطاق واسع، على الرغم من أن ذلك لم يكن مقصد الأشخاص الذين عملوا على تأسيسهما. لقد كانوا يمنحون الشباب الذين حرمهم المجتمع من حقوهم وشردهم بالكامل مجتمعاً يحتضنهم.

أعتقد أنه من المهم فهم العصابات – من أجل فهم جميع هذه النزاعات - في ضوء ذلك، ولكي ندرك أن الصراع والعنف يكادان يكونان دائماً العرضين الظاهرين لبعض الاحتياجات الأساسية التي لا تتم تلبيتها.

لقد أهمل المجتمع العديد من الأصدقاء الذين نشأتُ معهم، ما دفعهم للانضمام إلى العصابات. جاء معظمهم من أسر مفككة ولم يكن لديهم فرص اقتصادية حقيقية ولم يتمتعوا بأي هوية. أصبحت ’بلود‘ و’كريبس‘ بمثابة عائلاتهم. لقد كان من المحبط رؤية هذه القوى الهدامة تستولي على حياة أصدقائي، لكنني لم أكف يوماً عن رؤية ذلك النور بداخلهم.

لاحظت شيئاً مشابهاً بعد ذلك بسنوات عديدة عندما بدأت العمل مع الأطفال الذين تم تجنيدهم سابقاً. لقد كان من المروع سماع هؤلاء الشابات والشبان الشجعان وهم يتحدثون عن تجاربهم. لقد تعرضوا بلا استثناء إما لسوء المعاملة أو الإهانة أو تم إجبارهم على ارتكاب أفعال لا توصف بحق أصدقائهم وجيرانهم. لقد كانت محنتهم مأساوية.

لكن بالنسبة للعديد من هؤلاء الشباب - حتى أولئك الذين تم اختطافهم - فإن انضمامهم إلى جماعة مسلحة قد سد احتياجات كانوا يفتقدون إليها في حياتهم. لقد قدمت هذه الجماعات للعديد من الشباب الطعام والمأوى الذين لم يتمكنوا من الحصول عليهما في كثير من الأحيان في أماكن أخرى.

كما أن اضطلاعهم بدور ضمن هذه الجماعات منح العديد منهم هدفاً وهوية. وعلى الرغم من أنها كانت هوية مؤذية ومدمرة للغاية، لكنها في نهاية المطاف هوية.

"يوجد بداخل كل شخص منا شعلة مقدسة، هي ما يمنحنا جميعاً هذه القدرة المذهلة على فعل الخير".

أنا ممتن لجميع المنظمات التي تعمل جاهدة في مختلف أنحاء العالم لتحرير الأطفال من هذه الظروف المروعة، لكنني أدركت أيضاً أن إخراج طفل من الجيش لا يسد بالضرورة هذه الاحتياجات الأساسية.

علينا القيام بالمزيد من أجل هؤلاء الأطفال، وأن نملأ ذلك الفراغ في حياتهم بالحب والتعليم وبمجتمع يعطيهم هدفاً جديداً في الحياة ويسمح لهم بإيجاد فرصة للنجاح. لم ينطفئ النور بداخل هؤلاء الأطفال يوماً، ولذلك كل ما علينا فعله هو مساعدتهم على إعادة اكتشافه.

أصبحت هذه الرغبة في تمكين الشباب لسد الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها في حياتهم الدافع وراء إنشاء مؤسستي، مبادرة ويتكر للسلام والتنمية. نعمل في الأجزاء المتأثرة بالنزاعات في العالم، من أوغندا إلى تيخوانا، ومن جنوب السودان إلى لوس أنجلوس. كما نعمل مع الشابات والشبان لمساعدتهم على تطوير الأدوات التي يحتاجون إليها كي يصبحوا قادة وبناة سلام في مجتمعاتهم.

تواجه العديد من المناطق التي نعمل فيها تحديات هائلة، لكن هناك رغبة قوية بالكفاح والدفع قدماً والتأكد من ملاحظة النجاحات التي تحدث أمامك. فهناك نجاحات تتحقق بالفعل.

لقد بدأنا بالعمل في جنوب السودان في عام 2013، قبل بضعة أشهر فقط من اندلاع الحرب الأهلية التي أغرقت البلاد في الفوضى وأدخلتها في دوامة من العنف. لكن عندما اندلع القتال، اضطررنا إلى تعليق البرنامج. كان تعليق عملنا بعد كل التقدم الذي حققناه أمراً محبطاً ​بالفعل​، وكان من المؤلم للغاية أيضاً رؤية تأثير هذه المأساة على صانعي السلام من الشباب.

أُجبر الكثيرون منهم على مغادرة منازلهم وفَقَد بعضهم أفراد أسرته. لكن في خضم أعمال العنف وإراقة الدماء، تواصل هؤلاء الشبان والشابات الذين ينتمون إلى قبائل مختلفة - والذين وجدوا أنفسهم في الكثير من الحالات ينحدرون من جهتين متنافرتين تماماً على الخط العرقي الذي كان يقسم البلاد – وساعدوا بعضهم البعض في الوصول إلى بر الأمان.

لقد كان عملهم بمثابة إنذار مبكر تقريباً؛ كانوا يتصلون ببعضهم البعض ليقولوا: "لا تسلك هذه الطريق، فهي غير أمنة بالنسبة للأشخاص الذين ينحدرون من قبيلتك". لقد كانوا يوظفون ما تعلموه من البرنامج للعمل معاً على بناء السلام وإنقاذ الأرواح. إن مثل هذه القصص عن الحب والقوة - عن الاهتمام اللامحدود تجاه أخوتنا في الإنسانية - هي ما يمنحني الأمل بمستقبل أفضل لجنوب السودان ولعالمنا ككل.

يواجه الناس والمجتمعات في مختلف أنحاء العالم تحديات هائلة؛ من الحروب الأهلية إلى الفقر المدقع إلى المناخ الذي يتغير أمام أعيننا. إن النظر إلى هذه التحديات من بعيد يكفي للشعور بثقلها.

لهذا السبب تعتبر قصص البطولة والتراحم والتعاطف مهمةً للغاية. إنها تذكير بأن هناك أنواراً بداخلنا جميعاً سوف تستمر في البريق رغماً عن الظلام. إنها ما يجعلنا نؤمن أنه في ظل جهود الرعاية والإرشاد والمناصرة المستمرة التي نقدمها، فإن هذه الأنوار ستجتمع يوماً ما لتشكل معاً شعلة من السلم الدائم، وسوف تكون ناراً متوهجة تسطع بما يكفي لتبديد كل الظلمات. -PA

اقرأ المزيد