مستقبل أفريقيا المشرق

يعد حجم الاحتياجات هائلاً جداً في أفريقيا، لكن مع ظهور فئة جديدة ومتزايدة العدد من القادة الشباب الذين يتمتعون بالذكاء والقيم الأخلاقية النبيلة في القارة، فإن الإمكانات هائلة أيضاً. تشرح ريتا روي كيف يمكننا تنشئة هذا الجيل الجديد من قادة الأعمال ورواد العطاء الأفارقة وتوفير الدعم لهم من أجل رسم مستقبل أكثر إشراقاً لأفريقيا.

قبل بضع سنوات، حدثني 15 شاباً وشابة من بعض أفقر المجتمعات في السنغال بحماس عن مشاريعهم الجديدة – وهي أنشطة ريادة أعمال كانوا يأملون أن تضعهم على طريق أكثر ازدهاراً وأن تساعد غيرهم من الأشخاص المنحدرين من بيئات محرومة مثلهم. كان أحد هؤلاء الشباب يحلم بإدخال المزيد من أجهزة الكمبيوتر إلى المدارس الابتدائية وقام آخر بإنشاء شبكة لمساعدة شباب القرى في إيجاد موطئ قدم لهم في صخب داكار، عاصمة البلاد.

وبينما كنت أهم في المغادرة قلت لهم: "ما تفعلونه أمر رائع. لا بد أن والديكم فخورون بكم". غير أن ردوهم فاجأتني. فقد أجاب كل واحد منهم بالقول: "والداي يعارضان ما أقوم به". فقد واجه كل منهم ضغوطاً عائلية من أجل الحصول على وظيفة حكومية، أو لاستخدام مهاراتهم في اللغة الإنجليزية بدلاً من ذلك كي يصبحوا مرشدين سياحيين.

تعتبر قصصهم هذه مفيدة لفهم بعض العقبات التي تواجه الشباب الأفريقي الطموح. فغالباً ما تكون الرحلة إلى العمل، سواء كان في القطاع الرسمي أم غير الرسمي أو ريادة الأعمال أو الحصول على وظيفة تقليدية، رحلة انفرادية في ظل توفر القليل فقط من الدعم العملي الذي قد يزودهم بالمهارات والتعليم والأدوات التي يحتاجون إليها. أو كما هو موضح في الحالة أعلاه فإنهم يفتقرون إلى بيئة اجتماعية مواتية لمحاولة استكشاف شيء جديد.

يعيش في أفريقيا أكبر عدد من الشباب في العالم الذين سيشكلون في غضون 25 عاماً تقريباً، أكبر قوة عاملة في العالم. وتشير بعض التوقعات إلى أنه من المنتظر أن يدخل 11 مليون شاب سوق العمل في أفريقيا كل عام خلال العقد القادم. ولهذا، إذا تمكنت دول القارة من تعزيز فرص العمل وتزويد الشباب بالمهارات والخبرات العملية اللازمة للعمل، فإن أفريقيا سوف تتمتع بفرصة كبيرة لتحقيق نمو اقتصادي سريع وشامل ومستدام. علاوة على ذلك، ستتاح الفرصة للملايين من الأشخاص لانتشال أنفسهم من براثن الفقر.

لقد قررنا في وقت مبكر في مؤسسة ’ماستركارد‘ التركيز على أفريقيا لأننا أدركنا حجم الفجوات في إمكانية الوصول إلى التعليم الثانوي والعالي والحصول على المنتجات والخدمات المالية.

فوفقاً للبنك الدولي، يفتقر مليارا شخص حول العالم إلى إمكانية الحصول على الخدمات المالية. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يستطيع 34 بالمئة فقط من الأشخاص البالغين الحصول على حساب مصرفي، مما يزيد من الصعوبات التي يواجهها الناس في تخصيص الأموال للأحداث التي لم يتوقعوا حدوثها ولم يقوموا بالتخطيط لها - كنقص الغذاء أو فشل المحاصيل – أو حتى الحصول على التعليم وتأمين الاحتياجات الأخرى. وفي الوقت الذي تم فيه إحراز تقدم في فرص الالتحاق بالتعليم، إلا أن نحو ثلث الشباب فقط ما زالوا ملتحقين بالمدارس الثانوية.

من هذا المنطلق، أقمنا شراكات مع منظمات تشاركنا الرؤى من أجل تصميم برامج تخلق فرصاً للناس، لا سيما الشباب، وتمنحهم الأدوات التي يحتاجون إليها للخروج من الفقر. في المقابل، سيساعد هؤلاء الشباب أسرهم ومجتمعاتهم في الحصول على مستقبل أكثر إشراقاً كذلك.

هكذا نرى ما نقوم به: تساعد برامجنا في تثقيف الجيل القادم من القادة الأفارقة وتنمية قدراتهم، وإعداد هؤلاء الشباب للانخراط في القوى العاملة وتعزيز الشمول المالي وتحقيق النمو.

"إنهم نماذج يحتذى بها وأمثلة حيّة على ما يمكن تحقيقه وتطبيقٌ على أرض الواقع لمفهوم القيادة القادرة على إحداث التغيير".

هناك زيادة - وإن كانت طفيفة في الوقت الحالي – في عدد الشباب الريادي الذي يرغب في القيام بالأعمال التجارية بطريقة مختلفة. نستخدم في مؤسستنا مصطلح ’القيادة القادرة على إحداث التغيير‘ وهي تلك التي تُعنى بالتصدي لأوجه عدم المساواة وإحداث تغيير إيجابي لتحسين حياة الآخرين. وعندما أطرح السؤال التالي على الشباب: "ماذا ستفعل عندما تكتسب هذه المهارات أو عندما تحصل على وظيفة؟" فيكون الرد دائماً هو: "سأساعد شخصاً آخر يمر في نفس ظروفي".

إن الكثير من الطلاب الذين أقابلهم من خلال برنامج ماستركارد للمنح الدراسية - وهو عبارة عن مبادرة لمساعدة المزيد من الطلاب الأفارقة ذوي الدخل المنخفض لاستكمال مرحلة الدراسة الثانوية ومن ثم دخول الجامعة - متعطشون لمثل هذه الفرصة.

هناك العديد من الأمثلة لشباب من دول مثل غانا وكينيا ممن يعودون بعد التخرج مباشرة إلى مدارسهم الثانوية لإلهام الأطفال هناك لمتابعة دراستهم وتشجيعهم على الاجتهاد والجد في العمل. كما أقام بعضهم مشاريع مجتمعية في قراهم للتصدي لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وبنوا ملاجئ للأيتام والأطفال الصغار ومنازل أفضل للسكان. إنهم نماذج يحتذى بها وأمثلة حيّة على ما يمكن تحقيقه وتطبيقٌ على أرض الواقع لمفهوم القيادة القادرة على إحداث التغيير.

نحن نشهد ظهور جيل جديد من رواد الأعمال المتعلمين وذوي القيم الأخلاقية النبيلة في مختلف أنحاء القارة الأفريقية. إنهم يمتلكون القدرة على إحداث التغيير في بلدانهم ومجتمعاتهم، ولكنهم لا يستطيعون تحقيق ذلك بمفردهم. ولذلك يجب علينا رعايتهم والعمل معهم والإصغاء إلى احتياجاتهم ورغباتهم. وإن قمنا بذلك، فإننا نمنح هؤلاء القادة الفرصة ليكونوا محفزين رئيسين للتغيير ورواد عطاء في المستقبل.-PA

 

اقرأ المزيد