التبرعات الرقمية

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعمل على جلب الأعمال الخيرية الإسلامية إلى العصر الرقمي.

"سواء كان المبلغ 10 دولارات أو 10 آلاف دولار، فالمانح يريد التأكد من أن أمواله ستذهب إلى المكان الصحيح".


من الصعب تقدير القيمة الإجمالية للزكاة عالمياً، لذا تختلف تقديرات حجم هذا النوع من العطاء الإسلامي بشكل كبير - من 76 مليار دولار إلى ما يزيد عن 1 تريليون دولار. ويعود سبب هذا التباين جزئياً في التقديرات إلى حقيقة أن جزءاً كبيراً من أموال الزكاة يتم تقديمها بصورة غير رسمية على شكل صدقات تمنح للناس أو لدعم قضايا إنسانية. ويقول حسام شاهين، مسؤول شراكات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: "إن صورة الزكاة ضبابية للغاية، ليس فقط من ناحية قيمة المبالغ المدفوعة، ولكن من حيث أماكن وكيفية إنفاقها".

لكن الشيء الذي يتفق عليه الجميع هو قدرة هذا العطاء، إن تمت إدارته بالشكل المطلوب، على تغيير مشهد المساعدات الإنسانية العالمية. تعتبر الزكاة ركناً أساسياً من أركان الإسلام، وتتطلب من المسلمين الملتزمين إعطاء الفقراء 2.5 بالمئة من القيمة الإجمالية لثرواتهم كل عام. يتم جمع الزكاة في بعض البلدان الإسلامية، مثل إندونيسيا والمملكة العربية السعودية، من قبل الدولة. وفي بلدان أخرى، يمكن للمسلمين اختيار الجهة التي سيدفعون زكاة أموالهم لها، كالمساجد والجمعيات الخيرية أو مباشرة للأفراد المحتاجين. ويمكن لهذه الأموال، إن جمعت بشكل فعّال، أن تسد الفجوة الآخذة في الاتساع بين احتياجات التنمية والتمويل المتوفر - وبالتالي التأثير على ملايين البشر.

وكالة الأمم المتحدة للاجئين هي إحدى الجهات التي تعمل للاستفادة من العطاء الإسلامي عبر بوابة الزكاة الرقمية التي أنشأتها. وفي أبريل من العام 2019، غيّرت الوكالة الاسم الذي تعمل بموجبه على جمع الزكاة إلى "صندوق الزكاة للاجئين". قامت بوابة الزكاة الرقمية منذ العام 2016 بتحويل التبرعات للاجئين والنازحين في الأردن ولبنان واليمن والعراق. كما أضافت البوابة بنغلاديش ومصر وموريتانيا إلى قائمتها. وأدى إدراج مبادرة 'صدقة جارية' (جمع الصدقات الإسلامية التي يتم التبرع بها طوعاً) في أغسطس من العام الماضي، إلى توسيع نطاق الصندوق ليصل إلى المجتمعات المحتاجة في جنوب السودان والصومال.

ويعتبر هذا الصندوق أول عمل بارز للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مجال العطاء القائم على العقيدة. تدعم هذا الصندوق خمس فتاوى إسلامية، وتشارك في حوكمته مؤسسة طابة التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها. يوفر هذا الصندوق للمتبرعين قناة رقمية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، بحيث تذهب التبرعات مباشرة إلى المحتاجين. ويتم صرف الأموال على شكل مساعدات نقدية للأسر التي تعيش في فقر مدقع. كما يمكن للمانحين، إذا رغبوا، اختيار القضية التي يريدون توجيه مساهماتهم على أساسها. وتنشر بوابة الزكاة الرقمية تقارير فصلية عن تأثير الصندوق عالمياً، وهي متاحة أمام جميع المساهمين. كما توفر آلة حاسبة للزكاة لمساعدة الزوار على تحديد مساهماتهم.

image title image title

ويقول شاهين أن الهدف كان إنشاء منصة من شأنها أن تجذب الجهات المانحة التقليدية للزكاة، وتستفيد في الوقت نفسه من التكنولوجيا المبتكرة لتوجيه التمويل إلى حيث تشتد الحاجة إليه. ولتحقيق هذا الهدف بأفضل ما يمكن، تنازلت المفوضية عن حصتها المعتادة من التبرعات، البالغة 6.5 بالمئة والمخصصة لتغطية تكاليفها التشغيلية، ووافقت عوضاً عن ذلك على منح كامل مبالغ الزكاة المتحصلة للعائلات المؤهلة لها.

ويوضح شاهين بقوله: "نحن نحاول خلق تحوّل في كل من التفكير الداخلي لدى المفوضية والتصور الخارجي حولها على أنها وكالة غربية وبعيدة عن ثقافة الشعوب الأخرى". ويضيف: "نحن نقدم خدماتنا في الميدان، ونساعد المحتاجين مباشرة في أماكن تواجدهم، أياً كانت ديانتهم أو ثقافتهم أو أعراقهم. أعتقد أن برامج كهذه يمكن أن تساعد في تقريبنا من الجهات المانحة والمستفيدين على حد سواء".

وكانت الاستجابة لنداء المفوضية واعدة. ففي أول عامين، جمعت الخطة 14.4 مليون دولار - معظمها من دول مجلس التعاون الخليجي - مع قفزة بنسبة 380 بالمئة في التبرعات بين عامي 2017 و2018. وحصل الصندوق على دفعة كبيرة عام 2019، عندما تبرع الشيخ القطري ثاني بن عبد الله بن ثاني آل ثاني بمبلغ 35 مليون دولار، ليتم تقسيمه بين النازحين اليمنيين ولاجئي الروهينجا في بنجلاديش. وقد قدمت الدفعة الأولى التي تزيد قيمتها قليلاً عن 13 مليون دولار مساعدات نقدية لحوالي 300 ألف من ضحايا الحرب في اليمن. أما الدفعة الثانية، التي تبلغ قيمتها حوالي 22.2 مليون دولار، فقدمت الطعام والمأوى والرعاية الصحية لنحو 670 ألف شخص من الروهينجا في كوكس بازار.

وتبرع المحسن القطري مرة أخرى في وقت لاحق من هذا العام للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمنحة جديدة قيمتها 43 مليون دولار لدعم عملها مع اللاجئين والنازحين في اليمن ولبنان وبنغلاديش وتشاد.

وقد جمع الصندوق خلال عام 2019 أكثر من 43 مليون دولار، وهو رقم يتجاوز كثيراً الهدف الأولي البالغ 26 مليون دولار للعام بأكمله - ويقارب أربعة أضعاف المبلغ المحصل عام 2018. ومن إجمالي المبالغ المتحصلة بين يناير وسبتمبر، تم جمع 2.2 مليون دولار منها خلال شهر رمضان، وهو الوقت التقليدي لعطاء المسلمين.

image title

"كقطاع مختص في العمل الإنساني، تحدثنا لسنوات عن الأعمال الخيرية الإسلامية والتمويل الاجتماعي. حان الوقت كي نتوقف عن الحديث ونبدأ العمل على هذا التوجه".


بالإضافة إلى النازحين اليمنيين ولاجئي الروهينجا في بنغلاديش، دعمت الأموال الممنوحة عام 2019 أيضاً اللاجئين السوريين وطالبي اللجوء في الأردن ومصر ولبنان، والأسر النازحة في العراق، واللاجئين الماليين في موريتانيا، الذين تلقوا دعماً معظمه على شكل مساعدات نقدية متعددة الأغراض بالإضافة إلى بعض المواد والخدمات الأساسية.

ويقول شاهين: "أعتقد أننا قللنا من تقدير عدد الأشخاص الذين كانوا يبحثون عن منصة سهلة وآمنة لدفع الزكاة"، ويضيف بأن الجهات المانحة أصبحت أكثر تطلباً لمعرفة مصير الدولارات التي تمنحها. ويقول: "سواء كان المبلغ 10 دولارات أو 10 آلاف دولار، فالمانح يريد التأكد من أن أمواله ستذهب إلى المكان الصحيح".

وتقدّر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 60 بالمئة من إجمالي 70.8 مليون نازح في العالم مؤهلون للحصول على أموال الزكاة، وفق القواعد التي تحكم استخدامها وتوزيعها. وتم حتى الآن، تخصيص الجزء الأكبر من تبرعات الصندوق الرقمية للعائلات السورية في الأردن ولبنان التي حددتها الوكالة على أنها الأكثر حاجة للإعانات. ويتم إعلام المستفيدين من خلال رسالة نصية بأن حصتهم من الأموال - عادة حوالي 175 دولاراً في الشهر - جاهزة للاستلام. ويستلم المستحقون الأموال المخصصة لهم من أجهزة الصراف الآلي بواسطة بطاقات تم إصدارها لهم مسبقاً، أو عبر مسح لقزحية العين، حيث تستخدم العائلات هذه الأموال لدفع الإيجار وتكاليف التعليم وشراء الطعام والضروريات الأخرى - وهو إجراء يساعد أيضاً على ضخ الأموال مرة أخرى في اقتصادات البلدان المضيفة.

ويوضح شاهين أن "المنح النقدية هي توجه المساعدات الإنسانية مستقبلاً، فهي تحافظ على كرامة الناس وتمنحهم حرية اتخاذ القرارات الملائمة لعائلاتهم".

وهناك فوائد أخرى ملموسة بشكل أكبر للمساعدات النقدية. فقد خلص تقرير المفوضية لعام 2018 حول تأثير المساعدات النقدية إلى أن أكثر من نصف المستفيدين أشاروا إلى تحسن ظروف معيشتهم. وأفاد 61 بالمائة من المستفيدين في الأردن أن مستويات التوتر قد انخفضت لديهم، كما أفاد ثمانية من بين كل عشرة مستجيبين للدراسة بأن علاقتهم مع المجتمع المحلي أصبحت إما "جيدة" أو "جيدة جداً".

وينصب تركيز المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الآن على تنمية المبالغ الممنوحة للزكاة، بعد أن تمكنت من تجاوز هدفها المخطط له لعام 2019 من 26 مليون دولار إلى 44 مليون دولار، وهو هدف وصلت إليه بحلول سبتمبر الماضي. وبالنسبة لعام 2020، فالوكالة تستهدف 265 مليون دولار لدعم 1.6 مليون مستفيد.

image title image title

وقد قدّر التقرير الصادر في أبريل الماضي القيمة المحتملة للزكاة على مستوى العالم بنحو 356 مليار دولار - على الرغم من اعترافه بأن الحجم الفعلي الحالي يمثل جزءاً صغيراً من ذلك، كما وضع التقرير خريطة طريق توضح بشكل أفضل الصلة بين حجم الزكاة واحتياجات اللاجئين الملحّة. ويتضمن جزء من خريطة الطريق هذه جعل تقديم الزكاة متاحاً بشكل أكثر سهولة للشباب المسلمين المؤهلين رقمياً من خلال تطبيقات الهاتف المحمول ومنصات الإنترنت، وإقناع المانحين بالتحول من تسليم الصدقات بصفة شخصية للمستفيدين إلى تحويلها لهم عن طريق قنوات التوزيع الرقمية الرسمية.

وفي حال اكتسب نهج المفوضية زخماً عالمياً، فقد يكون ذلك بداية تحول حاسم في كيفية استخدام الوكالات الإنسانية للعطاء الإسلامي من أجل تعزيز نطاق عملياتها.

ويختتم شاهين بقوله: "كقطاع مختص في العمل الإنساني، تحدثنا لسنوات عن الأعمال الخيرية الإسلامية والتمويل الاجتماعي. حان الوقت كي نتوقف عن الحديث ونبدأ بالعمل على هذا التوجه. دعونا نسهّل على المانحين المشاركة في تحسين حياة الناس". — PA