العطاء الاجتماعي العربي يواجه عقبات في تطوره إلى ما بعد الإحسان والصدقة

على الرغم من أن العطاء الخيري في العالم العربي مستمر في النمو والتطور، لكن البيروقراطية والنقص في ثقة الجمهور يحدّان كثيراً من التحول نحو المزيد من العطاء الفعّال والاستراتيجي، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً.

يحذر تقرير صدر مؤخراً من أن التحول في نهج عمل الخير في العالم العربي من النمط التقليدي للإحسان والصدقة إلى نموذج العطاء الاستراتيجي والهادف أصبح يتباطأ لعدة أسباب، أهمها صدور قوانين تقييدية، وتفكك في القطاع الخيري، وقصور في الوعي بين عامة الناس. 

وقد بدأ العطاء في الدول العربية بالتوسع بالفعل خارج نطاق الحدود الضيقة للإحسان داخل المجتمعات المحلية. وما يدفع بهذا التوجه هو الحاجة إلى التعامل مع قضايا ملحة على صعيد المجتمع ككل مثل الفقر المستفحل والبطالة وتحديات كبيرة أخرى غيرهما. 

لكن القوانين المشددة التي صدرت إثر الاضطرابات التي صاحبت الربيع العربي في بعض الدول في عام 2011، والتي هدفت إلى التصدي للأخطار المتصورة من بعض فئات المجتمع المدني، حرمت المنظمات غير الحكومية من التمويل الضروري لكي تتخذ نهجاً تنموياً أكثر في أعمالها، حسب ما يقول تقرير 'العطاء الاجتماعي في المنطقة العربية'. 

ويقول الدكتور عطا الله كتّاب، المؤسس ورئيس مجلس إدارة الشركة الاستشارية 'ساند' التي تتخذ من الأردن مقراً لها، في التقرير: "يظهر الرسم البياني لفترة ما قبل وما بعد الربيع العربي منحنىً تصاعدياً سرعان ما يبدأ بالانحدار بقوة. لاحظنا تغييراً في عامي 2012 و2013، لكن ما لبث أن تراجع الوضع إلى الممارسات التقليدية المعتادة".

وقد تبيّن أن المانحين بدؤوا يتفادون الأنشطة الخيرية التي قد تتصف بأنها تقدمية مخافة أن تستاء منهم الحكومات في المنطقة. وعوضاً عن ذلك، اتجهوا نحو سد النقص في الميزانيات الحكومية، أو ركزوا دعمهم على الخدمات الأساسية مثل الغذاء والصحة والتعليم. 

وما يزيد الأمور تعقيداً هو نقص أو انعدام الثقة من جانب الجمهور بالجمعيات والمنظمات غير الحكومية بشكل عام، فضلاً عن ضعف في فهم دور العطاء الاستراتيجي كقوة فاعلة في إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع. 

ويعلق كتّاب قائلاً: "قد يواجه المتبرعون متاعبَ إذا دعموا المنظمات غير المعتمدة من قبل الحكومة. ويمكن القول بشكل عام أن قطاع العطاء الخيري لم يعد يجد لنفسه دوراً واضحاً منذ تلك اللحظة الحاسمة التي شعر فيها أنه قادر على دعم الربيع العربي وحرية المواطنين".

"يجب علينا التحلي بالصبر عند الحديث عن نقلة نوعية. فلا ينبغي أن نتوقع حدوث ذلك قبل جيلين من الآن".

قامت شبكة 'العطاء الاجتماعي من أجل العدالة الاجتماعية والسلام' (PSJP) بإعداد التقرير، وهو الثالث من نوعه ضمن سلسلة تقارير تبحث في شؤون العطاء والعمل الخيري في الاقتصادات الناشئة. يرصد التقرير التوجهات في العطاء في 22 بلداً عربياً ضمن عدة مجالات تشمل كبار الأثرياء، والمؤسسات الخيرية التي أنشأها الأفراد أو الشركات، والاستثمار المؤثر. 

وينوه التقرير الحالي ببعض التطورات الإيجابية، مثل ظهور المشاريع الاجتماعية في العالم العربي، والتي يرى فيها التقرير عاملاً يساعد جزئياً في تخفيض معدلات بطالة الشباب العالية في المنطقة، فضلاً عن مشاركة متنامية للقطاع الخاص في العطاء الخيري. 

ويقول التقرير أن "هناك علامات واضحة بأن الشركات بدأت تأخذ دورها في المسؤولية الاجتماعية على محمل الجد، وهي تبتعد عن العمل الخيري غير المنظّم"، وتتجه نحو مبادرات مبتكرة وأكثر استدامة. كما أن التجارب الأولية في الاستثمار الاجتماعي تشكل مؤشراً إيجابياً أيضاً. 

أما فيما يتعلق بالمؤسسات الخيرية، فبينما تفضل غالبيتها العمل بنفسها على البرامج المصممة داخلياً عوضاً عن تقديم المنح للمنظمات غير الحكومية، هناك توجه لديها نحو نموذج من العطاء أكثر استراتيجية وقابلية للتوسع. 

من جهتها، ترى نايلة فاخوري، الرئيس التنفيذي لملتقى المؤسسات العربية الداعمة، ومقره عمّان، بأن أي تغيير حقيقي في العطاء والعمل الخيري في المنطقة سوف يستغرق وقتاً طويلاً. وأوضحت قائلة: "يجب علينا التحلي بالصبر عند الحديث عن نقلة نوعية. فلا ينبغي أن نتوقع حدوث ذلك قبل جيلين من الآن أو 50 عاماً". – PA

حول التقرير

تعمل شبكة 'العطاء الاجتماعي من أجل العدالة الاجتماعية والسلام' على نشر تقرير 'العطاء الاجتماعي في المنطقة العربية' بالتعاون مع مجلة آلييانس العالمية، وملتقى المؤسسات العربية الداعمة، ومركز جون د. غيرهارت للعطاء الاجتماعي، ومؤسسة الملك خالد، ومجلة زمن العطاء، ومؤسسة ساند لتنمية العطاء الاجتماعي و'وينغز'. للاطلاع على التقرير بالكامل باللغة الإنجليزية أو قراءة تقرير موجز عنه باللغة العربية، يرجى تحميله هنا.