العطاء الهادف

أليشا موبين من مؤسسة ’آستر دي إم‘ الخيرية تتحدث عن الشراكات والمنصات والأعمال الخيرية المدفوعة بالرسالة التي تتبناها المؤسسة.

تم تشجيع أليشا موبين منذ نعومة أظفارها على تخصيص جزء من مصروفها لإنفاقه على عمل الخير، فبقي هذا النهج ملازماً لها طوال حياتها وهو مستمر في تشكيل فلسفتها الخيرية اليوم.

وعن ذلك تقول المحاسبة القانونية التي تخصص اليوم ما لا يقل عن 10 في المئة من راتبها الشهري للتبرع لأعمال الخير: "كان يتم حثنا على الدوام على القيام ببعض الأعمال الخيرية، سواء كان ذلك رعاية أطفال أو تقديم المساعدة بأي طريقة أخرى".

وكان جزء كبير من هذا الإيعاز يأتي والد أليشا، الدكتور آزاد موبين، الذي زار دولة الإمارات العربية المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي لجمع الأموال لبناء مسجد في مسقط رأسه في ولاية كيرالا، إلا الأمر انتهى به إلى البقاء فيها من أجل تأسيس عيادة للعمّال ذوي الياقات الزرقاء.

وقد تطور هذا الطموح ليصبح اليوم ما يُعرف باسم’أستر دي إم للرعاية الصحية‘، إحدى أكبر مجموعات الرعاية الصحية في المنطقة والتي تقدم خدماتها في ثمانية دول وتوظف أكثر من 20,000 شخص.

واليوم، يعتبر الدكتور موبين أحد أشهر رجال الأعمال الهنود في دبي ورائد عطاء ذائع الشهرة. ولقاء أعماله الاجتماعية، تم منح الدكتور موبين دكتوراه فخرية في العمل الخيري من جامعة أميتي في دبي، كما حصل على وسام ’بادما شري‘ ووسام ’برافاسي باراتيا سامان‘ المقدمان من الحكومة الهندية، فضلاً عن سلسلة من الجوائز الأخرى في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات.

وعلى الرغم من أن لوالد أليشا تأثير جلي عليها، إلا أنهما لم يكونا متفقان في الرأي دوماً بشأن العمل الخيري.

وكونها فرداً من أفراد أسرة مسلمة محافظة، تقول أليشا إنها لم تكن تحب الطريقة التي يتحدث بها والدها علناً عن الهبات والتبرعات التي يقدمها. وتقول أليشا: "كانت والدتي تقول دائماً: "إذا قدمت عطاءً بيدك اليسرى فلا ينبغي أن تعلم يدك اليمنى بذلك"، ولذلك واجهت والدي بشأن نهجه في العطاء".

وتوضح ذلك في حديثها مع ’زمن العطاء‘ فتقول: "أخبرني أن الأمر يتعلق بإحداث تأثير الدومينو. فمن المهم بالنسبة له أن يكون، بصفته شخصاً يعتبره الناس مثلاً أعلى في المجتمع، مؤثراً من أجل إحداث التغيير الإيجابي".

وتضيف قائلة: "أنا أفهم ذلك الآن وباتت هذه الفكرة تشكل قاعدة متينة بالنسبة لي".

image title
تدير ’آستر للمتطوعين‘ عيادات صحية متنقلة تقدم العلاج والفحوصات الطبية للمجتمعات الريفية التي لا يمكنها الوصول إلى الخدمات الصحية. الصورة: نواه سيلام/غيتي إميجيز.

تلقت أليشا تعليمها في دبي (بعد أن انتقلت إليها من الهند عندما كانت في الرابعة من عمرها) ومن ثم حصلت على بكالوريوس في إدارة الأعمال من كلية روس للأعمال في جامعة ميشيغان قبل أن تحصل على تأهيل معهد المحاسبين القانونيين في اسكتلندا.

وبعد العمل لمدة ست سنوات في شركة ’إيرنست آند يونغ‘ Ernst and Young، انضمت أليشا في عام 2013 إلى مجموعة ’أستر دي إم للرعاية الصحية‘ للعمل كمديرة وهي تشرف اليوم على التوجه الاستراتيجي للمؤسسة في إطار منصبها كنائب للمدير العام. كما أن أليشا هي إحدى أمناء مؤسسة ’أستر دي إم‘ الخيرية ومنصة ’آستر للمتطوعين‘ Aster Volunteers المنبثقة عنها.

وعلى الرغم من تولي أليشا - التي تم اختيارها في عام 2018 للانضمام إلى منتدى القيادات العالمية الشابة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي - مجموعة واسعة من المهام، إلا أنه من الواضح أنها تستمتع بها وتتحدث بحماس عن أدوارها في الشركة والعمل الخيري.

وتوضح أليشا ذلك بالقول: "من الصعب جداً بالنسبة لي أن أفصل بين الأعمال التجارية والمؤسسة لأن ما نقوم به مدفوع بالرسالة التي نؤمن بها ... صحيح أننا شركة عامة محدودة ولديها مساهمون، لكن مهمتنا الأساسية هي تقديم رعاية صحية جيدة وبأسعار معقولة".

ومع توسع ’أستر دي إم للرعاية الصحية‘ من عيادة واحدة في دبي في عام 1987 إلى شركة رائدة في المنطقة تعمل في مختلف أنحاء الهند ودول مجلس التعاون الخليجي - بدأت العائلة تدرك أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص الذين لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية.

وقد أتى ذلك بفكرة إنشاء مؤسسة ’آستر دي إم‘ الخيرية التي تقدم اليوم مجموعة من المبادرات، من الفحوصات الصحية المجتمعية وجراحات القلب المجانية إلى الإغاثة في حالات الكوارث، والمركبات المتنقلة لتوفير الخدمات الصحية، فضلاً عن التدريب على الإسعافات الأولية في المجتمعات المحلية.

وتعد مؤسسة ’آستر دي إم‘ الخيرية ، المسجلة في كل من مركز دبي المالي العالمي والمدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، واحدة من أكبر المؤسسات من نوعها في منطقة الخليج.

وحتى اليوم استفاد أكثر من مليون شخص في كل من الهند والأردن والصومال وبنغلاديش واليمن وغيرها من الإعمال الخيرية التي قدمتها المؤسسة.

"من الصعب جداً بالنسبة لي أن أفصل بين الأعمال التجارية والمؤسسة لأن ما نقوم به مدفوع بالرسالة التي نؤمن بها".

وتقول أليشا: "إن الصحة أمر مهم جداً أيضاً. فإذا لم تبدأ حياتك عند مؤشر الصحة الصحيح، فستصبح المنافسة في هذا العالم أكثر صعوبة. من هنا فإن تقديم الرعاية الصحية الجيدة للناس يعتبر نقطة البداية بالنسبة لنا لأنه تشكّل جزءاً كبيراً من الحياة التي سيعشها المرء".

ومن خلال جمع المؤسسة بين هذا التركيز على الرعاية الصحية من جهة والتعبئة المجتمعية من جهة أخرى، فإنها تقدم الكثير من أعمالها الخيرية من خلال ’آستر للمتطوعين‘، وهي عبارة عن منصة تستثمر مهارات وخبرات موظفي مجموعة ’أستر دي إم للرعاية الصحية‘.

وتقول أليشا: "بدأنا بانضمام أطبائنا وممرضاتنا إلى ’أستر للمتطوعين‘، ثم وجدنا أننا نحصل على الكثير من المتطوعين من خارج المجموعة أيضاً".

وتضيف قائلة: "كانت نقطة البداية ذلك السؤال حول كيفية استخدام مجموعة مهاراتنا الأساسية لتعزيز الرعاية الصحية، وتشكّل الآن هذا الزخم حول العطاء".

وترى أليشا أنه من خلال برنامج ’آستر للمتطوعين‘ الذي يضم اليوم 40,000  شخص مسجل ويستهدف 100,000 متطوع بحلول عام 2025، فإن المجموعة قد نجحت في تشكيل منصة وآلية للناس للالتقاء معاً من أجل تقديم المساعدة.

وفي هذا السياق، تقول أليشا: "يرغب الكثير من الأشخاص بالقيام بعمل الخير، لكن في بعض الأحيان يكون لديهم النية فقط وليس المنصة اللازمة لتقديم عطائهم". وتضيف قائلة: "إنك بحاجة إلى تلك المنصة لتتمكن من التواصل ولكي تتمتع بالمصداقية وتسهّل عليك العطاء، أياً كان نوعه، سواء كان تبرعاً بالمال أو الوقت".

"إن الوقت ثمين للغاية. ولذلك فإنني أقول للناس دائماً، كرسوا وقتكم أولاً ومن ثم ستختبرون التأثير الذي ستتركونه في حياة الأشخاص الذين تتعاملون معهم".

image title

"العطاء الناجح يعني القدرة على تحقيق التأثير المضاعف".

ولا تقدم مؤسسة ’أستر دي إم‘ الخيرية المنح بل قررت تنفيذ أعمالها الخيرية بنفسها. كما أنها لا تجمع التبرعات - ويعود السبب جزئياً إلى القوانين الصارمة في دولة الإمارات العربية المتحدة فيما يتعلق بجمع الأموال للأعمال الخيرية.

مع ذلك تقول أليشا أنه خلال المراحل المبكرة من جائحة كوفيد-19، تلقت المؤسسة اتصالات من العديد من أصحاب الثروات الذين أرادوا دعم جهودها في الاستجابة للوباء، والتي تضمنت إنشاء خط هاتفي للتطبيب عن بُعد في الهند وإقامة مستشفيات ميدانية هناك لعلاج المرضى المصابين بفيروس كورونا.

وتوضح أليشا بالقول: "أعتقد أنه مجال نريد استكشافه"، ولم تستبعد إمكانية التعاون مع مانحين آخرين في المستقبل. "نريد النظر في كيفية مساعدة المؤسسات الأخرى على تطوير أهداف المسؤولية الاجتماعية للشركات الخاصة بها ومساعدتها على تحقيق أهدافها. أعتقد أن هذا هو نوع النموذج المستدام الذي نريد العمل من أجل تحقيقه".

وتضيف قائلة: "إن التعاون وعقد الشراكات أمران مهمان للغاية. فهما ما نحتاج إليه للارتقاء بمستوى العمل الخيري ومن أجل التمكن من توسيع نطاق تأثيرنا. فالعطاء الناجح يعني القدرة على تحقيق التأثير المضاعف".

يذكر أن أليشا هي عضو في منظمة ’الرئيس الشاب‘ - فرع دبي - وقد حصلت في عام 2021 على لقب المرأة الهندية للعام الذي يمنحه مجلس سيدات الأعمال الهنديات، فضلاً عن ذلك صنفتها مجلة ’فوربس‘ كواحدة من  أفضل قادة الجيل القادم في الهند، وتم مؤخراً إدراج اسمها في قائمة مجلة ’آريبيان بزنيس‘ للنساء الـ50 الأكثر تأثيراً في العالم العربي.

مع ذلك، وعلى الرغم من جميع الجوائز والألقاب التي حصلت عليها أليشا، إلا أنها تقف على أسس متينة، وهي مستعدة للاعتراف بالامتيازات التي تتمتع بها هي وعائلتها. وتقول أنها تُخبر أطفالها دائماً ألا ينتظروا منها فلساً واحداً وأن عليهم الاعتماد على أنفسهم وعلى التعليم الذي حصلوا عليه لتسيير حياتهم.

وتوضح قائلة: "إذا تركت الناس يعتمدون على الثروة، فلن تتمكن من صنع قادة الغد". وتضيف قائلة: "يسيطر الواحد بالمئة الأغنى في العالم على ما يقرب من نصف ثرواته. إنه أمر غير مقبول. نحن بحاجة بالفعل إلى الانتقال من عقلية التكديس إلى عقلية التوزيع. يجب علينا الابتعاد عن مفهوم صنع الثروة والتركيز على إعادة توزيعها".

وبينما تؤكد على التاريخ الطويل لدولة الإمارات العربية المتحدة في الكرم والعطاء، إلا أنها تشعر أيضاً أن العديد من أقرانها الأثرياء يستطيعون تقديم المزيد.

وتنهي حديثها بالقول: "لا يزال الكثير من الناس يفكرون بالعقلية الرأسمالية. فكل تفكيرهم يدور حول ما يمكنهم فعله لكسب المزيد [من الثروة] لأنفسهم وعائلاتهم، لكن في الحقيقة علينا أن نطرح السؤال التالي: ’ماذا يمكنني أن أفعل لبقية العالم، حتى نتمكن جميعاً من النهوض معاً؟" -PA

اقرأ المزيد