المؤسسة الخيرية العائلية التي تكافح الفقر في باكستان

بمزيج من التمويل والاستثمار والابتكار، تساهم مؤسسة ’هاشو‘ الخيرية في تحفيز النمو الاقتصادي الشامل في بعض أفقر المناطق في باكستان.

ربما يكون من الصعب العثور على وظائف في غلغت بلتستان. فعلى الرغم من أن هذه المنطقة الواقعة على الطرف الشمالي من باكستان هي موطن لخمس من أعلى القمم في العالم، وتحتضن مناظر خلابة لجبال الألب، والكثير من الطموحات السياحية لباكستان – إلا أن النساء على وجه الخصوص لا يزلن يتقاضين أجوراً متدنية جداً ويعانين من ندرة الفرص.

اصطدمت مؤسسة ’هاشو‘ الخيرية Hashoo Foundation بهذه المشكلة عام 2007 خلال سعيها للتصدي لمشكلة تدني مستوى التحاق أطفال المقاطعة بالمدارس. فنحو ثلث الأطفال في سن الدراسة في غلغت بلتستان هم خارج مقاعد الدراسة وواحد من كل سبعة منهم منخرط في سوق العمل، وهو ما يؤكد على مشكلة الفقر التي تعاني منها المنطقة. وعندما يواجه الآباء خيار إرسال أطفالهم إلى العمل أو إلى فصل دراسي، فإن الفقراء منهم يختارون الخيار الأول من دون تردد.

من هنا أيقنت مؤسسة ’هاشو‘ أنها إذا تمكنت من التصدي لفقر الأسر في المنطقة، فإنها ستحقق المكاسب المرجوة في قطاع التعليم كذلك.

قررت المؤسسة الخيرية الاهتمام بالأمهات، فركزت خطتها على إيجاد وسيلة لمساعدتهن على كسب الرزق بطريقة تتناسب مع موقع غلغت بلتستان البعيد وعدد سكانها المنخفض جداً (إذ يسكنها واحد بالمئة فقط من سكان باكستان) ومواردها المحلية المتاحة. وكانت الفكرة التي أتى بها الفريق آنذاك هي تربية النحل لإنتاج العسل. 

ويتذكر مرتضى هشواني، رئيس مجلس إدارة مؤسسة ’هاشو‘ الخيرية ونائب رئيس مجلس إدارة مجموعة ’هاشو‘ الباكستانية تلك الفترة فيقول: "لقد كان تركيزنا على منح ربات الأسر دخلاً طويل الأجل". ويضيف قائلاً: "كنا ندرك تماماً أنه لا تنشأ أي مشكلة في معزل عن غيرها. يمكنك بناء أو تمويل مدرسة - وهذا أمر رائع جداً، والكثيرون يقدمون على فعله. لكنك إن لم تضع إصبعك على السبب الجذري وتتصد للمشكلات الأساسية المتعلقة بالفقر والبطالة، فإن مثل هذا الحل لن يكون مستداماً".

وتقدّم المؤسسة الخيرية إلى يومنا هذا التدريب وأدوات العمل وأكثر من 6,500 خلية نحل إلى 1,300 مربية نحل في مختلف أنحاء غلغت بلتستان وبلدة شيترال المجاورة، ما سمح لهن بإنتاج 45,000 كيلوغرام من العسل وتوليد دخل يزيد عن 44.2 مليون روبية باكستانية (نحو231,252 دولار ). يتم شراء العسل من قبل مجموعة واسعة من العملاء تمتد من شركة الطيران الوطنية الباكستانية وحتى مجموعة ماريوت العالمية - وهي مكاسب مهدت الطريق لتبني مجموعة من المشاريع الحرفية الأخرى التي تقودها النساء ضمن حافظة المؤسسة.

ويوضح هشواني أن تمكين المرأة هو الركيزة الأساسية للجهود التي تقوم بها المؤسسة فيقول: "لقد لاحظنا أنه عندما يصبح للأمهات دخل، فإننا نرى المزيد من الأطفال في المدرسة ... إنه أمر حاسم الأهمية".

تأسست مؤسسة ’هاشو‘ الخيرية عام 1988 على يد والد مرتضى، صدر الدين هشواني، بهدف جمع العطاء والأعمال الخيرية للأسرة تحت مظلة واحدة. وبتمويل من العائلة ومجموعة ’هاشو‘ المملوكة للقطاع الخاص، توسعت المؤسسة منذ ذلك الحين لتصبح كياناً وطنياً يضم 18 مكتباً منتشراً في مختلف أنحاء باكستان وعلامةً فارقةً في مجال التعليم والنمو الاقتصادي الشامل - ومؤخراً - في العمل المتعلق بالمناخ. وتشير بيانات المؤسسة إلى أنها قد نجحت في الوصول إلى أكثر من 1.3 مليون مستفيد في جميع أنحاء باكستان حتى الآن، مع تركيز خاص على النساء والأطفال.

ويقول هشواني أن ما بدأ كإحسان في بادئ الأمر أصبح الآن تحفيزاً على العمل الخيري المستدام الذي يتم تقديمه من خلال مشاريع تمتد من التدريب على المهارات والتعلُّم في السنوات المبكرة إلى الزراعة وريادة الأعمال وتعبئة المجتمع للتصدي لتغير المناخ. 

ويوضح هشواني بالقول: "ما أسميه تقليد العطاء كان ولا يزال جزءاً لا يتجزأ من إرث عائلتنا منذ أجيال عدة، لكنه لم يتعد كونه إحساناً أو توزيعاً للصدقات. غير أن العطاء المباشر بات يشكّل جزءاً صغيراً جداً فقط مما نقوم به اليوم. ولذلك يمكنني وصف مؤسستنا بأنها مؤسسة إنمائية. يبقى ذلك تقديماً للمساعدة ولكن بطريقة مستدامة".

وقد تجاوزت روح العطاء هذه حدود المؤسسة الخيرية لتتغلغل في الأعمال التجارية للعائلة. فهشواني يرى أن كليهما يعد أداة من أدوات التأثير الإيجابي، إذ أنهما قادرتين على خدمة المستفيدين والمستهلكين والمجتمع ككل. على ضوء ذلك، أنشأ هشواني نهجاً هجيناً إلى حد ما يتم من خلاله في أغلب الأحيان تنفيذ مشاريع المؤسسة الخيرية بالتوازي مع مشاريع مجموعة ’هاشو‘، بمساعدة الفكر التجاري الذي تتمتع به المجموعة وقدرتها على الوصول إلى الأسواق.

على سبيل المثال، وجدت المؤسسة فرصة لتدريب المتقدمين من ذوي الدخل المنخفض على المهارات الضرورية لشغل وظائف في قطاعي السياحة والضيافة في باكستان اللذين - على الرغم من نموهما السريع - يفتقران إلى ما يكفي من الموظفين. وبينما كانت المؤسسة تدير البرنامج، تلقى المشاركون تدريباً أثناء العمل من خلال التنسيب في الفنادق وشركات السفر والمطاعم التابعة لمجموعة ’هاشو‘. وتولى الكثيرون منهم بعد تخرجهم وظائف في فروع الشركة، أو حصلوا على الدعم من شبكة علاقاتها من أجل العثور على وظائف مع العلامات التجارية الأخرى في الصناعة.

ويقول هشواني: "تعد المؤسسة العامل المحفز، لكنها جزء من نظام كامل، حيث يمكن للمؤسسة الاستفادة من المجموعة، أو للمجموعة التعلُّم من المؤسسة".

من جانبها، تستفيد المجموعة من المؤسسة الخيرية كوسيلة رئيسية للقيام بجهود المسؤولية الاجتماعية للشركات، كما تعتمد عليها للحصول على المشورة بشأن أفضل السُبل لتقليص أثرها البيئي. (مؤسسة ’هاشو‘ هي عضو في شبكة العمل لجنوب آسيا في مجال المناخ، وهو تحالف يضم أكثر من 250 منظمة مجتمع مدني في ثماني دول في جنوب آسيا تعمل على التصدي للتهديد الذي يشكله تغير المناخ). وقد تعهدت الشركة مؤخراً بأن تمتنع كلياً عن استخدام البلاستيك في فنادقها. وكشركة تحمل امتياز مجموعة ماريوت إنترناشونال، فإنها تدعم كذلك طموح السلسلة في الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050.

وعن ذلك يقول هشواني: "نحن ملتزمون [بالمساهمة في التصدي لتغير المناخ]. ولذلك نلجأ إلى المؤسسة لمساعدتنا على فهم ما يجب علينا القيام به بالتحديد والخطوات التي لا بد من اتخاذها ... في كل صباح أقول لفريقي أنه كلما زادت الأموال التي تجنيها، زادت قدرتك على رد الجميل. هذا ما نركّز عليه بالتحديد".

وتظهر هذه الديناميكية المزدوجة أيضاً في التركيز المتزايد لمؤسسة ’هاشو‘ على المشاريع الاجتماعية، وهو نموذج تلتقي فيه الأعمال مع العطاء والعمل الخيري. فإلى جانب الحاضنة التي تساعد روّاد الأعمال الطموحين على ترجمة أفكارهم إلى أفعال، قامت المنظمة غير الربحية ببدء وتطوير مشاريع اجتماعية لدعم المجتمعات ذات الدخل المنخفض.

’أورغانيكس بلاس‘ Organiks Plus هي إحدى هذه الشركات الناشئة والمنبثقة عن خط إنتاج العسل التابع للمؤسسة. فقد توسعت المؤسسة، مدفوعة بالنجاحات التي حققتها، لإنتاج الصابون والمنسوجات والشاي والشموع المصنوعة يدوياً، وجميعها منتجات صنعت من قبل المزارعات والحرفيات الفقيرات في المناطق الريفية في باكستان باستخدام اللافندر والحنطة السوداء والمحاصيل الأخرى المزروعة محلياً.

ويتم تنسيق مجموعة المنتجات وتسويقها وبيعها تحت اسم العلامة التجارية ’أورغانيكس‘، ما يمكّن النساء من المشاركة في سلسلة القيمة وكسب الدخل وترسيخ الاستقلال.

ويوضح هشواني قائلاً: "لا نسعى فقط أن تترك الأعمال التجارية تأثيراً اجتماعياً، بل نبحث عن المشكلات الاجتماعية التي تنطوي على إمكانية تأسيس عمل تجاري". ويشير هشواني إلى وادي هونزا، المنطقة الجبلية الواقعة شمال باكستان التي تشتهر ببساتين المشمش البري. يقوم المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة بحصاد هذه الفاكهة وبيعها في الأسواق المحلية بعائدات زهيدة. وعلى الرغم من نضوج الفاكهة بما يناسب التصدير، إلا أن افتقار المزارعين إلى وسائل التخزين البارد وانعدام إمكانية الوصول إلى هذه الأسواق يعني أن جزءاً بسيطاً فقط من هذه الفاكهة القابلة للتلف بسرعة يُباع سنوياً خارج البلاد حيث يمكنها تحقيق هوامش أعلى من الربح.

ويعلّق هشواني قائلاً: "إنها فرصة ... فإذا كان بوسعنا التدخل من أجل إكمال سلسلة التوريد، فسوف يتمكن المزارعون من التصدير، وهو ما يعني تحقيق النمو والدخل المستدام للمجتمع. هذه هي الثغرات التي نرغب بالعثور عليها [والتصدي لها] كمؤسسة خيرية".

image title

اكتشف المزيد: لمحة عن رائد العطاء

الاسم: مرتضى هشواني
الجنسية: باكستاني
بلد الإقامة: دبي، الإمارات العربية المتحدة
العمل التجاري: مجموعة ’هاشو‘
المؤسسة الخيرية: مؤسسة ’هاشو‘
سنة التأسيس: 1988
مكان التسجيل: المملكة المتحدة والولايات المتحدة وباكستان
مصادر التمويل الرئيسية: عائلة هشواني وعملها التجاري الملوك للقطاع الخاص، مجموعة ’هاشو‘
التركيز الجغرافي: باكستان
القضايا الرئيسية: التمكين الاقتصادي؛ التعليم والتنمية الاجتماعية؛ البيئة وتغير المناخ

"لقد كانت مسيرتي في العطاء عبارة عن رحلة تعلّم ذاتي. إلا أن الجيل القادم، جيل أطفالي، يطرح بالفعل الأسئلة الصحيحة. [فهم يريدون أن يعرفوا] ’ما هو الأثر الاجتماعي؟‘"

ولا يعد إحراز التقدم في التخفيف من حدة الفقر مسؤولية وكالة بعينيها. وينطبق ذلك بصفة خاصة على باكستان، حيث تشير تقديرات البنك الدولي، إلى أن أكثر من ثلث سكان البلاد الذين يزيد عددهم عن 220 مليون نسمة يعيشون على أقل من 3.2 دولار في اليوم. وإدراكاً لذلك، يملأ مؤسسة ’هاشو‘ الحماس للتعاون مع المنظمات الأخرى حيث تمتد مجموعة شركائها من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية مثل منظمة ’بلان‘ ومنظمة ’وورلد فيجن‘ إلى الجمعيات الخيرية المحلية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني.

وتتعدى هذه العلاقات تقديم المنح إلى جهات خارجية: "ففي بعض الأحيان، تقدم لنا الوكالات التمويل لتطوير مشروع لأننا نجلب معنا الخبرات والمهارات المحلية؛ وفي بعض الأحيان نقوم بتمويل مشروع بشكل مشترك، وفي أوقات أخرى نقوم فقط بتبادل أفضل الممارسات فيما بيننا".

ويضيف أن الهدف هو تحقيق نمو مؤثر ومستدام، إذ يقول: "ما يهمني كرجل أعمال هو قابلية التوسع".

كما يستفيد الشركاء من الجذور المحلية المتأصلة والانتشار الجغرافي للمؤسسة الخيرية. فعندما جمّد كوفيد-19 حركة المنظمات غير الحكومية الأجنبية، تمكنت فرق المؤسسة الإقليمية من مواصلة العمليات. ويقول هشواني أن المكاتب الميدانية كانت سريعة في حشد الموارد في أعقاب الكوارث، فضلاً عن القدرة على تحويل الأموال والمساعدات الطارئة إلى المجتمعات المتضررة من الأزمات. ويوضح بالقول: "لقد كنا من بين أوائل المستجيبين على الأرض بعد زلزال [كشمير] عام 2005".

وفي بعض الأحيان، يمكن لحجم مؤسسة ’هاشو‘ أن يجذب مشاريع غير عادية. ففي العام الماضي، وقعت المؤسسة اتفاقاً مع منظمة مقرها المملكة المتحدة للمساعدة في التصدي للتهديد الذي تسببه لدغات الأفاعي في المناطق الريفية في باكستان على الرغم من كونها قضية صحة عامة تقع خارج نطاق مجالات التركيز الرئيسية للمؤسسة. وعن ذلك المشروع يقول هشواني: "أنهم يجلبون المعرفة التقنية، أما نحن فلدينا الفرق على الأرض. وإذا كان الأمر يتعلق بإنقاذ الأرواح، فسنقدم الدعم حيثما نستطيع".

image title
نساء يغزلن الصوف في قرية جبلية في منطقة هونزا الباكستانية. الصورة: تيم غراهام/غيتي إميجيز.

وإذا كانت مؤسسة ’هاشو‘ قد انطلقت في مسيرة بدأت بالعطاء والأعمال الخيرية وانتهت بالتنمية، قد يكون الأمر مختلفاً بالنسبة للأعمال الخيرية في باكستان بشكل عام.

فنظراً لتركيز الإسلام على العطاء، يتبرع أكثر من 80 في المئة من المواطنين للأعمال الخيرية، وفقاً لمؤشر العطاء الباكستاني لعام 2021. لكن نصيب الأسد من هذه الأموال يذهب مباشرة إلى الأفراد، متخطياً المنظمات غير الربحية. ولتحقيق تقدم ملموس في التصدي لأكبر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، لا بد من إدراج الأعمال الخيرية - سواء المؤسسية أم الفردية - ضمن قنوات تتمتع بمستويات أعلى من التنظيم.

ويرى هشواني، أن الحل مؤلفٌ من شقين. يتمثل الأول في تحسين تعبير الحكومة ووكالات التنمية عن أهمية العطاء الاستراتيجي وتأثيره، أما الثاني فيتعلق بالوقت.

ويوضّح هشواني هذه الفكرة بالقول: "سنشهد تحولاً من جيل إلى آخر. إن هذا التغيير قادم لا محالة. لقد كانت مسيرتي في العطاء عبارة عن رحلة تعلم ذاتي. إلا أن الجيل القادم، جيل أطفالي، يطرحون بالفعل الأسئلة الصحيحة. [فهم يريدون أن يعرفوا] ’ما هو الأثر الاجتماعي؟ وإذا قدمت العطاء هنا فما الفائدة التي سأحققها؟‘"

ويضيف هشواني أنه مع المزيد من التثقيف حول العطاء ومع توفر تعليم أفضل، يمكن تشجيع هذا النهج لينتشر بين الشركات وصفوف رواد العطاء الأثرياء في باكستان. وأينما اتجه هؤلاء فسوف يسير على خطاهم المانحون الرئيسيون الآخرون بكل تأكيد.

وأنهى هشواني حديثه بالقول: "هناك قصور في فهم ما تعنيه التنمية الاجتماعية بالفعل وكيف يمكن للعطاء تقديم الدعم لها". مع ذلك، لا أقترح أن يتوقف [المحسنون] عن العطاء وأعمال الخير، بل في واقع الأمر أرى أنه يمكن تقديم المزيد من خلال العطاء بطريقة مختلفة. لا بد أن يلعب العمل الخيري دوراً محورياً". -PA

اقرأ المزيد