الزكاة لمحاربة الفقر

يقول طارق شيما أن الاستخدام الأفضل للعطاء الإسلامي يمكنه توفير مليارات الدولارات لتمويل جهود التنمية المستدامة.

ما هو العطاء الإسلامي؟

الزكاة هي ركن من أركان الإسلام ووسيلة لتوزيع الثروة. ففي كل عام، يتوجب على جميع المسلمين الملتزمين التبرع بنسبة 2.5 في المئة من مجموع ثروتهم للفقراء على شكل زكاة. أما الصدقة فهي تقديم أموال بشكل طوعي لعمل الخير ولتلبية احتياج محدد.

تعد الزكاة قضية الساعة في الأوساط الإنسانية. فهذا المفهوم الذي لم يكن معروفاً إلى حد كبير خارج العالم الإسلامي قبل عقد من الزمن يتم الترحيب به اليوم كحل جزئي للعجز في تمويل المعونة على مستوى العالم، إذ أنه تنطوي على إمكانات هائلة يمكن الاستعانة بها وتوسيع نطاقها.

ولا يعد من المبالغة تسمية هذا التطور بالتغير الملموس. ففي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وجدت العديد من المنظمات الخيرية الإسلامية نفسها موضع شبهات. وأدت القوانين الصارمة لمكافحة الإرهاب إلى تشديد الرقابة على المنظمات الإسلامية باعتبارها واجهات محتملة للإرهاب والجهاد، وفي بعض الحالات تعرضت هذه المنظمات للتمييز ضدها.

غير أنه خلال السنوات التي تلت ذلك - وبالتزامن مع تزايد الاحتياجات الإنسانية في شتى أنحاء العالم – أخذ هذا الخطاب بالانحسار. واليوم، ثمة إقرار متزايد بالدور الذي يمكن أن يلعبه العطاء الإسلامي في توفير التمويل الذي تشتد الحاجة إليه للتصدي للعديد من القضايا التي تواجه عالمنا بدءاً بإغاثة اللاجئين وانتهاءً بالتخفيف من حدة الفقر.

وقد ترافق هذا الاتجاه مع تزايد أعداد الصناديق التي تركز على الزكاة. فقد كرست منظمات مختلفة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة إنقاذ الطفولة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) فرقاً للعطاء الإسلامي، فضلاً عن إطلاقها منصات وقنوات لجمع التبرعات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وبفضل التكنولوجيا، بات دفع الزكاة أكثر سهولة مما مضى، فبطاقات الائتمان والمواقع الإلكترونية وتطبيقات الهواتف تجعل عملية دفع الزكاة سلسة للغاية وتمكّن المسلمين من البحث عبر الإنترنت عن القضايا التي يرغبون بتوجيه أموال زكاتهم إليها. كما توفر بعض المنصات أدوات لحساب الزكاة والصدقات يمكن للمتبرعين من خلالها حساب المبلغ الذي يتوجب عليهم - أو يريدون – دفعه والاحتفاظ بسجل للأموال التي تم التبرع بها على مدار العام.

لكن في خضم كل هذا التقدم، تبرز بعض المسائل الأخلاقية، فأنا أرى المزيد من الحملات الإعلانية المتميزة لمنظمات عالمية تم تصميمها لتشجيع المسلمين على التبرع بزكاتهم لقضية محددة. وبالطبع لا يمكن للجمعيات الخيرية الأصغر حجماً المنافسة. ولذلك سيكون لدينا عدد قليل جداً فقط من المنظمات التي تدير أموال الزكاة بقدر كبير من الصلاحية والسلطة، ما يجعل رصد تأثيرها الاجتماعي أكثر أهمية من أي وقت مضى.

"تعتبر الزكاة مسؤولية كبيرة ونحن جميعاً مسؤولون عن ضمان فعالية العطاء".

تقدر قيمة العطاء الإسلامي بما يتراوح بين 300 مليار وتريليون دولار سنوياً، وهو مبلغ يمكنه تغيير حياة الملايين حول العالم في حال تم تقديمه بشكل فعّال. من وجهة نظري لا ينبغي النظر إلى الزكاة على أنها صدقة يتم تقديمها على أساس سنوي للفقراء وإنما كأداة للتنمية قادرة على انتشال الناس من براثن الفقر.

ومع الاستخدام الأفضل للتكنولوجيا، أصبحنا قادرين على جمع البيانات وإدارتها حول الأشخاص المحتاجين للمساعدة وكيفية توزيع الأموال ورصد تأثيرها وإيجاد سبل لمساعدة المستفيدين على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

على سبيل المثال، عادة ما يكون الأشخاص المؤهلون للحصول على الزكاة فقراء ويفتقرون إلى الموارد، كما أن الكثيرين منهم مستبعدون من الخدمات المالية. ولذلك يمكن الاستفادة من حلول تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول لضمان وصول الزكاة إلى المتلقي المقصود - بسرعة وشفافية – وفي الوقت ذاته إتاحة الوصول إلى الخدمات المصرفية الرئيسية، وتمكين الأشخاص من إدارة أموالهم بشكل مباشر.

تخيلوا لو كان متلقو الزكاة على دراية بأنهم سيحصلون على مبلغ معين من المال كل عام يتم إيداعه في حساباتهم مباشرة. إن هذه المعرفة ستؤثر دون شك على شعورهم بالأمان وعلى نهجهم في اتخاذ القرارات بشأن حياتهم ومستقبلهم. فقد يختارون، على سبيل المثال، إرسال أطفالهم إلى المدرسة، أو الاستثمار في اكتساب مهارات كسب الرزق، أو بدء عمل تجاري صغير. تخيلوا أنهم مع مرور الوقت سيصبحون من دافعي الزكاة بدلاً من المتلقين لها.

والمؤسسة الوطنية للزكاة في المملكة المتحدة ما هي إلا مثال واحد على كيفية استخدام الزكاة لتمكين المستفيدين. فإلى جانب تحصيل أموال الزكاة، تقوم المؤسسة بتوزيعها من خلال أربعة صناديق يقوم الأفراد بتقديم طلباتهم إليها وفقاً لاحتياجاتهم. وهذه الصناديق هي: صندوق الإغاثة من العسر الشديد للحصول على دفعات مالية في حالات الطوارئ؛ وصندوق السكن لدفع الإيجار والمتأخرات وضريبة المجلس؛ وصندوق التدريب أو التأهيل الوظيفي؛ وصندوق التعليم للمساعدة على دفع الرسوم الدراسية. يلبي هذا النوع من العطاء المحلي الاحتياجات المباشرة ويقدم المساعدة للأفراد، ما يخلق موجة كبيرة من التأثير على المدى الطويل.

وفي إندونيسيا، يستخدم المجلس الوطني للزكاة (BAZNAS)، وهو الهيئة الرسمية الوحيدة في البلاد المختصة بإدارة صناديق الزكاة – أموال الزكاة لدعم المزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة. وقد دخل المجلس مؤخراً في شراكة مع البنك الإسلامي للتنمية، الذي يتخذ من جدة مقراً له، ضمن مبادرة نموذجية لدمج الزكاة مع بعض برامج التنمية المجتمعية ومكافحة الفقر القائمة حالياً في إندونيسيا.

لدينا أحياناً كمسلمين موقف ساذج وبسيط تجاه الزكاة، فالكثيرون منا يعتقدون أن مسؤوليتنا تنتهي في اللحظة التي يترك فيها المال حساباتنا. ولكن الأمر ليس كذلك. ففي حين أن بعض المؤسسات توظف الزكاة بشكل جيد، إلا أن الكثير منها لا يفعل ذلك. فقد يتم استخدام الأموال بشكل عشوائي بحيث يتلقى الأشخاص الأقل استحقاقاً العديد من الصدقات من مصادر مختلفة في الوقت الذي قد لا يحصل فيه آخرون ممن هم في أمس الحاجة إلى هذه المساعدات على أي شيء على الإطلاق.

من هنا لا بد لنا من القيام بجهد جماعي لإعادة التفكير في التوزيع الحالي للزكاة على مستوى العالم، والابتعاد عن النظر إليها كشكل من أشكال الإغاثة الطارئة، بل كأداة قادرة على التخفيف من حدة الفقر وتعزيز الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية. تعتبر الزكاة مسؤولية كبيرة ونحن جميعاً مسؤولون عن ضمان فعالية العطاء والعمل سوياً لإيجاد طريق هادف للمضي قدماً. - PA