علوم التنمية والتقدم

تؤمن حياة سندي بأن من شأن العلوم والتكنولوجيا والابتكار أن توفر زخماً جديداً وقوياً في مسار تقدم أفقر الدول الإسلامية. وفي حديث مع مجلة "زمن العطاء"، تشرح كيف يقود البنك الإسلامي للتنمية هذا التوجه.

"لا بد أن يشعر الفقراء في المقام الأول بفوائد التقدم العلمي والتكنولوجي. لكن ما وجدته هو العكس، وهذا شيء غير عادل وغير مقبول".

هذا ما تقوله العالمة والباحثة السعودية حياة سندي من مكتبها في جدة، منتقدة بشدة الوضع القائم في أوساط العلوم والتكنولوجيا حيث توجه فوائد الاكتشافات العلمية والتقدم التكنولوجي إلى تحسين حياة الناس القادرين على تحمل تكاليفها، لا الذين هم بأمس الحاجة إليها. وتضيف سندي أن الابتكارات التي من شأنها تحويل حياة فقراء العالم نادراً ما تصل إليهم، إذ تقول: "أنا أومن بأن العلوم والتكنولوجيا لها القدرة على إحداث فرق هائل في حياة الناس. فهي فعّالة بشكل مذهل، مع ذلك، ينبغي علينا أن نضمن وصولها إلى كل من يحتاج إليها".

السعي لوصول ثمار العلوم والتكنولوجيا إلى من هم بحاجة إليها هي بالفعل أهم المهام التي تقوم بها سندي ضمن عملها كأكبر المستشارين لرئيس البنك الإسلامي للتنمية في مجال العلوم والتكنولوجيا والابتكار (STI)، حيث تتصدر الجهود التي يقوم بها البنك لوضع الحلول المبتكرة القائمة على التكنولوجيا في صميم المشاريع التنموية القائمة في الدول الأعضاء في البنك. ولا تقتصر فوائد هذا التوجه على استخدام الأفكار المبتكرة لمكافحة الفقر، والحد من عدم المساواة، وتحسين مستوى معيشة وصحة البشر فحسب، بل من شأنه المساهمة في خلق مناخ في الدول المتدنية الدخل يشجع على قيام بيئة معرفية تمكّن تلك الدول من تصميم الحلول المناسبة لها بنفسها.

وتؤكد سندي، قائلة: "نحن لا نريد تبني نهج العلوم والتكنولوجيا والابتكار داخل البنك فحسب، بل في الدول الأعضاء، خاصة تلك التي تتراجع فيها مستويات التنمية إلى حدها الأدنى. إذا كنا نرغب فعلاً باستخدام الطاقة المتجددة، وجعل التشخيص الطبي في متناول الجميع، وتوفير سبل النقل والمياه النظيفة، فلا بد أن تحتل العلوم والتكنولوجيا صدارة الأجندة".

يمتلك البنك الإسلامي للتنمية المكانة والقدرات اللازمة للمساهمة في تحويل هذا التوجه إلى حقيقة على أرض الواقع. فهناك 57 دولة في أربع قارات تشارك في عضويته، ما يمنح البنك القدرة على الوصول إلى 20 بالمئة من سكان العالم؛ هذا فضلاً عن تمتعه بأصول تشغيلية تبلغ قيمتها 16 مليار دولار، ورأس مال مكتتب بقيمة 70 مليار دولار. كما يعد البنك من أكبر مانحي القروض للعديد من الدول الإسلامية، حيث كان تاريخياً يهتم بمشاريع البنية التحتية، وإن كان دوره يقتصر على التمويل فقط – وهي استراتيجية تمت إعادة صياغتها بالكامل في ظل توجيهات رئيس البنك الحالي، بندر حجار.

وتوضح سندي، التي انضمت إلى البنك في عام 2017 استجابة لعرض حجار عليها مهام قيادة استراتيجية البنك الجديدة، قائلة: "أراد [حجار] أن تتحول المؤسسة من بنك للتنمية إلى بنك لرواد التنمية". وتضيف قائلة: "منحنا النموذج الحالي الذي يتمحور حول أهداف التنمية المستدامة إطاراً للتركيز ومرجعاً نقيس على ضوئه مدى تحقيق الدول الأعضاء لهذه الأهداف بحلول عام 2030".

image title
كسر الحواجز

تدرك حياة سليمان سندي من تجربتها الشخصية قدرة العلم على تغيير حياة البشر إلى الأفضل. ولدت سندي في عائلة محافظة في محافظة مكة، لكنها كسرت التقاليد عندما سافرت وحدها كي تدرس علم الصيدلة في كلية 'كينغز كوليدج' في لندن. ثم التحقت بجامعة كامبريدج لتصبح أول امرأة من دول مجلس التعاون الخليجي تحصل على شهادة الدكتوراه في التقنية الحيوية.

ومنذ ذلك الحين تابعت سندي مسيرتها في التفوق والتميز. فبعد إكمالها لدراساتها العليا في كل من جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قامت بتأسيس مجموعة أعمال، كان من ضمنها 'التشخيص للجميع' – وهو مشروع اجتماعي رائد يستخدم أدوات تشخيص طبية متدنية التكلفة للتخفيف من وطأة الأمراض في الدول النامية. وكانت سندي سابقاً سفيرة النوايا الحسنة لليونيسكو، وهي أيضاً من أوائل النساء اللواتي حصلن على عضوية في مجلس الشورى السعودي – وهي هيئة ذات نفوذ كبير تضطلع بمهام تقديم الشورة لحكومة المملكة.

وبينما يعمل البنك الإسلامي للتنمية على مساعدة الدول الأعضاء على دعم استثماراتها في العلوم والتكنولوجيا، تأمل سندي بأن ترى النساء العالمات يتقدمن ويكتسبن مكانتهن في تلك الدول.

وتقول: "أذكر أنني عندما كنت أنظر إلى صور العلماء وكبار المفكرين عندما كنت فتاة صغيرة، قلت لوالدي، 'لا أرى أحداً يشبهني في هذه الصور'، فأجابني قائلاً 'حياة، بالعلم والدراسة يمكنك فعل أي شيء'".



 

"إذا توفرت لبلد ما البنية التحتية الصحيحة، والمعرفة الفنية والعملية، لاستطاع أن يجد بنفسه حلولاً للتحديات التي يواجهها".

 


وفي ظل هذا التحوّل الاستراتيجي، ركز البنك الإسلامي للتنمية اهتمامه على تصور وتصميم مشاريع مستدامة، وقابلة للتوسع والتكرار، ومتوائمة مع أهداف التنمية المستدامة. كما تحرص هذه الاستراتيجية الجديدة على أن تكون الأفكار والأبحاث ذات الصلة متاحةً لكل الدول الأعضاء في البنك، وأن يتم تغذية منصات الابتكار في هذه الدول. وتقول سندي أن الفرضية هنا هي إن كان البنك قادراً على تقليص الهوة بين الدول المتقدمة والدول النامية في مجال التكنولوجيا والاكتشافات العلمية، يمكنه أيضاً البدء بعملية تقليص الهوة في مجالات الفقر، والرعاية الصحة، وخلق الوظائف وغيرها.

وتوضح قائلة: "إذا توفرت لبلد ما البنية التحتية الصحيحة والمعرفة الفنية والعملية، لاستطاع أن يجد بنفسه حلولاً للتحديات التي يواجهها".

لكن تحقيق هذا الطموح ليس بالأمر السهل. فبعض الدول الأعضاء في البنك هي من أفقر دول العالم وأكثرها عرضة للمحن، حيث تعد البحوث والتطوير أموراً ثانوية فيها مقارنة بقضايا مثل الجوع والأمراض والحوكمة. على سبيل المثال، تشير بيانات البنك الدولي إلى أن نسبة الباحثين في النيجر لا تتعدى 26 باحثاً لكل مليون شخص من السكان، وتصل هذه النسبة إلى 33 في مالي. هذا بالمقارنة مع نحو 8,000 باحث في المليون في الدانمارك و6,800 في سنغافورة. وحتى عندما تبرز الابتكارات في إحدى هذه الدول، فليس بالضرورة أن تتبعها سلسلة التوريد. ويكون السبب في الغالب أن المستهلكين في تلك الدولة والذين قد يكونون الأكثر حاجة لحصد فوائد تلك الابتكارات، غير قادرين على تحمل كلفتها في السوق – سواء كانت أدوية أو تطبيقات برمجية أو غيرها.

ويتكون الحل الذي يطرحه البنك الإسلامي للتنمية لهذه المسألة من ثلاثة جوانب. يهدف البنك أولاً إلى تمكين رواد الأعمال في الدول الأعضاء من خلال التمويل والارشاد والتدريب، ما يمهد الطريق لجيل جديد من المبتكرين الشباب الذين يدركون جيداً التحديات المحلية. بالتوازي مع هذا، يعمل البنك على مساعدة الدول على وضع أطر السياسات التي يمكنها أن تحفز الابتكار العلمي والتكنولوجي. وأخيراً، عدّل البنك إطار أعماله لتشجيع المشاريع التي تتضمن نقل المعرفة من الدول المتقدمة إلى النامية.

تتحدث سندي عن أحد الأمثلة حول نهج البنك في هذا المجال، وهو 'بير فوت كوليدج' (أو ما قد يسمى بكلية الحُفاة) في الهند، التي دخل البنك في شراكة معها. تم في هذه الكلية تدريب 40 امرأة أمية أو شبه أمية من تسع دول أعضاء في البنك - تعاني غالبيتها من مشاكل متعلقة بتغير المناخ – على مهارات في هندسة الطاقة الشمسية. والآن أصبحت تلك المتدربات جاهزات لكسب العيش وتزويد ما يزيد عن 2,000 منزل في المناطق الريفية الفقيرة بالإنارة من الطاقة النظيفة الزهيدة التكلفة على مدى السنوات القادمة.

وتوضح سندي بقولها: "هذا مشروع بسيط، لكن الأثر الأوسع من تطبيقه هائل، إذ أننا نمكّن نساءً بعضهن لم يدخلن المدرسة بتاتاً لكي يصبحن رائدات أعمال – وفي ذات الوقت، يساهمن في تنمية ميزة المرونة والقدرة على الصمود في المجتمعات المحلية وفي حماية هذه المجتمعات من التغير المناخي".

والهدف على المدى البعيد هو أن تبدأ هذه الدول ببناء صناعات استراتيجية تمكّنها من كسب ميزات تنافسية وإلحاق الشركات المحلية بسلاسل القيمة العالمية. تمثل هذه السلاسل محركاً رئيسياً للتجارة الدولية، وبالتالي تشكل عاملاً مهماً في خفض معدلات الفقر في الدول النامية – ومن الأمثلة على ذلك الصين وبنغلاديش وفيتنام - التي شهدت تقدماً كبيراً في نمو الدخل والإنتاجية.

وتؤكد سندي بقولها: "لا تتعلق المسألة بمشاريع منفردة بعد الآن، بل في خلق البيئة الداعمة على نطاق واسع. والسؤال هو كيف يمكننا المساعدة في تطوير الجيل الرابع من الصناعات؟ هنا يأتي دور البنك – وهو التركيز على منح الدول الأدوات التي تمكنها من التفوق".

image title

إن الشغل الشاغل للبنك الإسلامي للتنمية في الوقت الحالي هو جائحة كوفيد-19. فقد كشف البنك في وقت سابق من هذا العام عن حزمة مساعدات بقيمة 2.3 مليار دولار مصممة لدعم جهود الدول الأعضاء في مكافحة الجائحة وتدارك تداعياتها على اقتصاداتها. وبحلول شهر مايو، كان البنك قد تعهد بمساعدات بقيمة 1.86 مليار دولار لصالح 27 دولة، تنوعت من تمويل شراء الأدوية في تونس إلى تزويد العيادات وسيارات الإسعاف في ساحل العاج بالمعدات الوقائية.

وتصف سندي الجائحة بأنها نقطة انعطاف في مسار التنمية، حيث أصبح مختلف الفاعلين، مثل بنوك التنمية المتعددة الأطراف، والحكومات ووكالات الإغاثة، ورواد العطاء الاجتماعي، والقطاع الخاص، بحاجة للتعاون مع بعضهم البعض أكثر من أي وقت مضى.

وكان رئيس البنك الإسلامي للتنمية، بندر حجار، قد أشار في مقالة نشرت له في وقت سابق من هذا العام إلى أن الجائحة كانت فرصة للقيام بالعمل التنموي بشكل مختلف، والتحول نحو خلق أسواق عوضاً عن الاستمرار في الاكتفاء بردود الأفعال إزاء إخفاقات السوق، والاستثمار في العلوم والتكنولوجيا للتحوط من أزمات مماثلة في المستقبل.

وكتب حجار في مقالته: "يمكننا إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الخيرية والشعوب بما يصب في صالح كل من المواطنين والاقتصادات".

وهكذا اتخذ البنك الإسلامي للتنمية مهمة القيادة من المقدمة. فعلى سبيل المثال، حددت استمارات الطلب على "صندوق التحول" (Transform Fund) للبنك لعام 2020 أن تتضمن الطلبات حلولاً لقضايا مرتبطة بجائحة كوفيد-19 من شأنها أن تعود بالنفع على المجتمعات المحلية – سواء كانت هذه الحلول وسائل رصد رقمية لانتشار الوباء أو فحوصات سريعة وزهيدة التكلفة للكشف عن الإصابات، أو ما شابهها من حلول.

وهكذا يسعى البنك، من خلال منصتيه - صندوق التحول ومنصة "شارك" (Engage) - إلى أن يصبح بنكاً للفاعلين في شؤون التنمية وليس فقط بنكاً للتنمية. ويهدف صندوق التحول، الذي تم تخصيص رصيد أولي له بقيمة 500 مليون دولار، إلى دعم المبتكرين ورواد الأعمال القادرين على وضع حلول للمشاكل في بلادهم. يوفر الصندوق التمويل للعلماء والمبتكرين والمؤسسات الناشئة خلال المرحلة المبكرة من المشروع، أو وهو في طور النمو، أو للمشاريع التجارية القائمة. والفكرة وراء هذا الصندوق هي الدفع بموجة جديدة من الحلول التنموية.

يعلق البنك الإسلامي للتنمية من خلال منصتيه – "صندوق التحول" و"شارك" - أهمية كبيرة على بناء القدرات والشراكة بين القطاعات. تم إطلاق منصة "شارك" في عام 2018 بهدف الدفع بعجلة التقدم نحو تحقيق ستة من أهداف التنمية المستدامة – من بينها القضاء على الجوع، وتوفير مياه نقية وصرف صحي جيد. وتعمل المنصة على الربط ما بين العلماء، والمنظمات غير الحكومية، ورواد الأعمال، والقطاع الخاص، وغيرهم، وبين الفرص المتاحة في السوق، فضلاً عن ربط هذه الجهات مع بعضها البعض.

وتفيد سندي أن البنك يرغب في أن تصبح هذه المنصة أشبه بحاضنة رقمية تعمل على نشر الأفكار والتكنولوجيا بين رواد الابتكار حول العالم. وتقول: "نحن بحاجة إلى أفضل الأفكار، وأفضل التقنيات، كما أننا بحاجة إلى علوم مفتوحة وابتكارات مفتوحة لأنه ليس بمقدور شخص واحد أن يجد الحلول".

ووفق النتائج الأولية للمشاريع التي يتم تمويلها من قبل المنصة، يبدو أن هناك بوادر جيدة. ومن بين هذه المشاريع مبادرة تهدف إلى تحسين أنظمة الصرف الصحي ومعالجة المياه في إحدى المناطق الفقيرة في الأردن، حيث يعيش أيضاً العديد من اللاجئين السوريين. تعمل منظمة "بوردا" (Borda) الألمانية غير الربحية على إدارة المشروع الذي تموله الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. وسيكتمل المشروع بإقامة نظام صرف صحي مستدام للمجتمع المحلي في مدينة الأزرق.

يحظى المشروع بتمويل بقيمة 150,000 دولار من قبل "صندوق التحول"، وهو يهدف إلى الاستفادة القصوى من إعادة استخدام المياه، وإنهاء الممارسات غير الآمنة للصرف الصحي، وخلق ظروف سكن أفضل للسكان المحليين. وسيساهم تمويل البنك في بناء القدرات المحلية لاستمرار استخدام نظام الصرف الصحي في المستقبل. ويتوقع أن يصبح البرنامج نموذجاً مناسباً للتطبيق على نطاق أوسع في الأردن والمنطقة بشكل عام.

طالب التل، وهو بروفيسور في جامعة الشارقة في دولة الإمارات، فاز أيضاً بالتمويل من البنك الإسلامي للتنمية لقاء أبحاثه في تطوير علاجات لبعض الآفات المقاومة للعقاقير التقليدية. كما حظي مشروع آخر في بنغلاديش بالتمويل لزيادة إنتاجه من المساكن المصنوعة من نسيج الجوت لإيواء أسر اللاجئين الروهينغا.

وفي هذا الصدد تعلق سندي قائلة: "لقد تلقينا أفكاراً مدهشة يمكنها مساعدة الدول الأعضاء في مجالات عدة، سواء على صعيد التشخيص الطبي أو الاستدامة أو الزراعة. ويمكن إعادة تطبيق جميعها في الدول المجاورة".


 

"إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب تريليونات من الدولارات. الأموال موجودة، والمسألة تنحصر فقط بإطلاق هذه الأموال".

 


لكن يبقى التمويل مسألة شائكة، والسبب هو أن التمويل الذي يهدف إلى إحداث التغيير على نطاق واسع في دول ذات موارد محدودة، لا يتوفر بسهولة. وهذا بدوره يجعل عملية تطوير الأفكار وتحويلها إلى مشاريع تجارية – أو تحقيق ما يكفي من الزخم لتوسيع نطاق الأثر – مسألة صعبة. لهذا السبب، يتجه المطورون والفاعلون في مشاريع التنمية بشكل متزايد إلى البحث عن التمويل المختلط – الذي يجمع ما بين التمويل العام والخاص – كسبيل لسد النقص في التمويل، والاستمرار بالاستجابة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية.

وتوضح سندي بأن البنك الإسلامي للتنمية قد أحرز تقدماً على هذا الصعيد، مستندة إلى نموذج البنك الذي يسمى 'Five Ps' أو الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات الخيرية والشعوب. ويشكل هذا جزءاً من اختبارات البنك لأدوات تمويل جديدة تجمع بين شركاء مختلفين لضم جهودهم سوياً وفتح المجال أمام النمو.

وتقول سندي: "إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب تريليونات من الدولارات. الأموال موجودة، والمسألة تنحصر فقط بإطلاق هذه الأموال". وتضيف قائلة: "لا بد لمشاريع التنمية أن تكون مدعومة من البنوك، وهذا أمر مفروغ منه. لكن هذا لا ينفي أننا أيضاً بحاجة لأن يؤدي أصحاب المصلحة دورهم".

شركاء ضد الفقر

يعد صندوق العيش والمعيشة الذي أطلقه البنك الإسلامي للتنمية وشركاؤه في التنمية في عام 2016 مشروعاً طموحاً ومثالاً بارزاً على نهج التمويل الميسّر. ويعد الصندوق الذي تشارك به مؤسسة بيل وميليندا غيتس وتدعمه مجموعة من المانحين المبادرة الأكبر من نوعها في المنطقة.

يتيح الصندوق الذي تبلغ قيمته 2.5 مليار دولار القروض الميسّرة لأفقر الدول الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية بهدف تمويل المشاريع التي تحد من الفقر في مجالات تشمل الصحة والزراعة والبنية التحتية. ويعتمد نهج عمل الصندوق على استخدام الأموال التي يقدمها المانحون – والتي تقوم مؤسسة غيتس بالمقابل بتقديم ما يعادلها – لخفض قيمة الفوائد على تسديد القروض، ما يجعل هذه القروض بمتناول يد الدول الأشد فقراً.

وقد تجاوزت قيمة المشاريع التي اعتمدها الصندوق منذ انطلاقه المليار دولار، وشملت مناطق جغرافية واسعة، ابتداءً بغرب أفريقيا وامتداداً إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والشرق الأوسط وآسيا.


على صعيد آخر، وضمن مساعيه لتوسيع قاعدة أعماله، ضم البنك الإسلامي للتنمية العام الماضي جهوده إلى جهود منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) لتأسيس الصندوق العالمي للأعمال الخيرية للأطفال، وهو منصة متوافقة مع الشريعة الإسلامية تستهدف كبار المانحين وتهدف إلى حشد الموارد لدعم الأطفال والشباب. سيركز الصندوق على التعليم والصحة وتنمية الطفل، وسيقبل مختلف أشكال العطاء الإسلامي – سواء كان زكاة أو صدقة أو وقفاً – لتمويل المساعدات وأعمال التنمية. وسيتم صرف الهبات على مبادرات اليونيسيف والبنك الإسلامي للتنمية في الدول الإسلامية.

وكان من أوائل المانحين للصندوق عبدالعزيز عبدالله الغرير من دولة الإمارات الذي تعهد بمبلغ 10 ملايين دولار في عام 2019. وسيسهم هذا المبلغ في دعم تعليم أطفال اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حسبما تقول سندي.

كما يسعى البنك الإسلامي للتنمية إلى الاستفادة أكثر من التمويل الإسلامي، كما هو الحال في مشروع النظافة الصحية (One Wash Fund) الذي تم إطلاقه في عام 2019 بالشراكة مع الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر. سيعمل الصندوق على الاستثمار في مشاريع تتعلق بالمياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية في الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي بهدف مكافحة داء الكوليرا وأمراض أخرى مسببة للإسهال. وسيكون قد حقق نجاحاً تاماً في حال تمكنت هذه المشاريع من خفض الوفيات الناجمة عن الكوليرا في الدول الأعضاء الأكثر تأثراً بالمرض بنسبة 90 بالمئة بحلول عام 2030.

وسيتم تمويل الصندوق من خلال مزيج من التبرعات الخيرية وعائدات من سندات صكوك الأثر الاجتماعي – والتي يتوقع أن تجتذب الاستثمار الإسلامي. وتقتضي الخطة أن تمول عائدات الصكوك هذه المشاريع، بينما يقوم المانحون الذين يستندون إلى النتائج بتسديد مستحقات المستثمرين – في حال حقق البرنامج النتائج المنشودة.

تنظر سندي إلى مختلف المقاربات المطروحة، وتستمر في بحثها عن طرق جديدة لإيجاد وتمويل وتوسيع نطاق الحلول التي من شأنها أن تحسن حياة ومعيشة بعض أفقر المجتمعات في عالمنا – وفي ذات الوقت تساعد في الاقتراب من تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتقول أن تزويد البلدان التي تقع على خط المواجهة مع تحديات التنمية بالمعرفة والوسائل للتعامل معها يمكن أن يغير المشهد نحو الأفضل، ليس فقط لسكان تلك الدول، بل للعالم أجمع.

وتوضح سندي وجهة نظرها، قائلة: "ما يحثني في عملي هذا هي معرفتي بأن العلم والمعرفة يمكنهما إحداث الفرق. العلم لا يعرف حدوداً ولا يفرق بين بين البشر في جنسياتهم أو جنسهم – فكل هذه الفروقات تزول أمامه. كما أن التغيير يتطلب المثابرة، وهو ليس بالأمر الهين، لكنني على قناعة بأننا سننجح في هذه المساعي". – PA