العملات الرقمية المشفرة: آفاق جديدة للمنظمات غير الربحية

تشهد التبرعات الخيرية بالعملات الرقمية المشفرة تزايداً في ظل استعانة المنظمات غير الربحية العالمية بالتقنيات الجديدة للوصول إلى فئات جديدة من المتبرعين. لكن هل يكتسب هذا النهج المبتكر زخماً في منطقة الخليج؟

يتجه عدد متنامٍ من المؤسسات الخيرية الدولية إلى استخدام العملات الرقمية المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال لجذب متبرعين جدد والعثور على مصادر تمويل بديلة واستكشاف طرق أكثر سرعة وفعالية من حيث التكلفة لجمع التبرعات وتوزيعها.

وما ’إنقاذ الطفولة‘ Save the Children  و’ووترآيد‘  WaterAid و’كير‘ CARE إلا بعض الأمثلة على المنظمات غير الربحية التي تقوم بجمع الملايين من الدولارات عن طريق العملات الرقمية المشفرة للاستجابة لطائفة واسعة من الأزمات، من الصراع في أفغانستان وأوكرانيا إلى الجفاف في الصومال والظواهر الجوية الشديدة الوطأة في الولايات المتحدة.

ووفقاً لمؤسسة ’ذا غيفينغ بلوك‘ The Giving Block، وهي منصة للعملات الرقمية المشفرة يقع مقرها في الولايات المتحدة، فإن نصف المؤسسات الخيرية المدرجة على قائمة فوربس لأفضل 100 مؤسسة خيرية أصبحت تجمع التبرعات بانتظام باستخدام العملات الرقمية المشفرة والأعمال الفنية التي تتخذ شكل رموز غير قابلة للاستبدال، بينما ستتجاوز القيمة الإجمالية للتبرعات بالعملات الرقمية المشفرة خلال العقد المقبل الـ 10 مليار دولار.

وقد لعبت المزايا التي تتمتع بها العملات الرقمية المشفرة، وهي الشفافية وعدم قابلية التغيير وانخفاض تكاليف المعاملات المرتبطة بها وقدرتها على عبور الحدود بسهولة أكبر، دوراً مهماً في تزايد شعبية التبرعات الرقمية. فضلاً عن ذلك، فإن العملات الرقمية المشفرة تعد وسيلة تسهل على الجمعيات الخيرية الوصول إلى متبرعين جدد.

وتقول مؤسسة ’ذا غيفينغ بلوك‘ أنه يوجد في الوقت الحالي نحو 300 مليون مستخدم نشط في سوق العملات الرقمية المشفرة بمتوسط عمر يبلغ 38 عاماً مقارنةً بالأشخاص الذين يتبرعون بانتظام للقطاع الخيري والذين عادة ما يكونون في العقد السادس من عمرهم.

كما أن قيمة التبرعات التي يقدمها المتبرعون بالعملات الرقمية المشفرة أكبر. فوفقاً لـ ’فيديليتي تشريتبل‘ Fidelity Charitable، وهو صندوق موصى به من قبل المانحين (DAF) يقع مقره في الولايات المتحدة، فإن متوسط قيمة التبرع بالعملات الرقمية المشفرة أكبر بنحو 31 مرة من متوسط التبرع المقدم عبر الإنترنت (204 دولارات).

وفي هذا السياق، تقول كارلي إيفانز، كبيرة مديري الشراكات غير الربحية لدى مؤسسة ’ذا غيفينغ بلوك‘: "إنها "شريحة كبيرة من المتبرعين يمكننا الاستفادة منها ... إذ يمكن لهؤلاء المتبرعين البدء في تقديم التبرعات في الثلاثينات من عمرهم ... وربما يستمرون في القيام بذلك طوال حياتهم".

وهذه المجموعة الديموغرافية التي نشأت في العصر الرقمي هي أيضاً جزءٌ مما يسمى بـ "الجيل القادم"، الذي يستعد للحصول على ما يقدر بنحو 80 تريليون دولار من خلال انتقال الثروة من آبائهم من "جيل الطفرة" على مدى العقدين المقبلين. وتضيف إيفانز قائلة: "يشارك الكثيرون ممن ينتمون إلى جيل الألفية والجيل ’زد‘ بالفعل في نظام العملات الرقمية المشفرة ولذلك من المفيد جداً الوصول إلى هؤلاء المتبرعين أينما كانوا والاستعداد لتلقي الأصول التي يرغبون في التبرع بها".

العملات الرقمية المشفرة هي رموز رقمية ذات قيمة يمكن شراؤها بالعملات التقليدية. ويتم تسجيل جميع المعاملات غير القابلة للتغيير في سجلات ’البلوك تشين‘. وتعمل العملات الرقمية المشفرة بشكل مستقل عن اللوائح الحكومية، أي أنها لا تخضع للوائح البنوك المركزية. ويمكن استخدام هذه العملات لدفع ثمن بعض السلع والخدمات وتقديم التبرعات الخيرية. كما يشتري معظم الناس العملات الرقمية المشفرة كنوع من الاستثمار. وتتضمن بعض أكثر العملات الرقمية شيوعاً البيتكوين Bitcoin والإيثيريوم Ethereum واللايتكوين Litecoin.

"تعتبر إمكانات تقديم التبرعات بالعملات الرقمية المشفرة هائلة لأنها توفر فرصاً فريدة في مجال جمع التبرعات وإجراء المعاملات المالية"

نبيل بوبكر، رئيس قسم الاستراتيجية، ’يلا غيف‘

بصمة على جبين الإنسانية

رسمت خمسة من أمراض العالم الغني، وهي السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والصحة النفسية والعقلية والسمنة، التي باتت منتشرة على نحو متزايد بين سكان الإمارات العربية المتحدة والمنطقة، على مغلفات ذات ألوان زاهية.

وتقول الفنانة الإماراتية ميسون آل صالح التي ابتكرت هذه الرسومات أنها تسعى إلى تسليط الضوء على المخاطر التي تسببها هذه الأمراض والجهود الحثيثة التي تبذلها المؤسسات كمؤسسة الجليلة لإيجاد العلاجات، فضلاً عن الحاجة إلى جمع التبرعات من أجل ذلك.

وتتكون المجموعة من خمسة رموز غير قابلة للاستبدال بإجمالي 2,000 نسخة تباع على منصة ’أوبن سي‘ Opensea. وتتراوح أسعار هذه الرموز التي تم إدراجها بالإيثيريوم، وهي إحدى العملات الرقمية المشفرة المعروفة، بين 99 و223 دولاراً، وهي مبالغ يمكن أن تتغير بحسب القيمة المتغيرة باستمرار للإيثيريوم.

وكانت آل الصالح، التي تم عرض أعمالها الفنية في ما يزيد عن 100 معرض في أكثر من عشرة دول حول العالم، قد صممت أول رموزها غير قابلة للاستبدال في مارس 2021 وتم عرض عملها أيضاً في معرض أغورا للفنون في مدينة نيويورك. وعلى الرغم من أن الفنانة المبدعة البالغة من العمر 35 عاماً قد قامت من قبل بتخصيص ريع أعمالها الفنية لصالح الجمعيات الخيرية كمؤسسة دبي العطاء، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها بالتبرع برموز غير قابلة للاستبدال.

وتشرح آل صالح ما دفعها للاشتراك في هذه المبادرة، فتقول: "تعد الرموز غير القابلة للاستبدال طريقة أسرع لجذب المتبرعين من جميع أنحاء العالم ... إذ يمكنك شراؤها من هاتفك المحمول في أي وقت ومن أي مكان. كما أنها لا تستدعي القيام بالترتيبات اللوجستية كالشحن أو أي شيء من هذا القبيل، وتجعلك تمتلك العمل الفني. لذا فإنها طريقة سريعة للغاية للتبرع للقضايا النبيلة".

يزدهر سوق العملات الرقمية المشفرة في بعض دول الخليج، إذ تشير التقارير إلى أن دبي وحدها باتت اليوم موطناً لأكثر من 700 شركة للعملات الرقمية، في حين تتخذ حكومتا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية خطوات استباقية لإيجاد بيئة تنظيمية داعمة لها.

وفي أوائل يونيو 2023، تبرعت منصة ’باي بيت‘ Bybit، وهي ثالث أكبر بورصة لتبادل العملات الرقمية المشفرة في العالم والتي قامت مؤخراً بنقل مقرها إلى دبي، بمبلغ مليون درهم (272,000 دولار) للجامعة الأمريكية في الشارقة لتمويل منح دراسية لصالح طلاب علوم وهندسة الكمبيوتر المهتمين في مجالات التكنولوجيا المالية كتقنية سلسلة الكتل ’البلوك تشين‘.

مع ذلك، لا يزال الاهتمام بالتبرعات الخيرية بالعملات الرقمية المشفرة منخفضاً نسبياً.

’يلا غيف‘ YallaGive هي أول منصة تمويل جماعي عبر الإنترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  تعتمد على تقنية ’البلوك تشين‘ وقد جمعت حتى الآن 19 مليون دولار من استضافة 5,000 نداء خيري على موقعها. ويقول نبيل بوبكر، رئيس قسم الاستراتيجية لدى المنصة، أنها حالياً بصدد استكشاف إمكانية قبول التبرعات بالعملات الرقمية المشفرة.

ويوضح بوبكر في مقابلة مع ’زمن العطاء‘ أن "إمكانات تقديم التبرعات بالعملات الرقمية المشفرة هائلة لأنها توفر فرصاً فريدة في مجال جمع التبرعات وإجراء المعاملات المالية".

ويضيف بوبكر أنه نظراً للطبيعة "اللامركزية والآمنة" للعملات الرقمية المشفرة فإنها "تسمح للأفراد والمؤسسات بالقيام بالمعاملات المباشرة من دون حدود وبرسوم مخفضة وبمستويات أعلى من الشفافية".

وفي عام 2022، أصبحت مؤسسة الجليلة أول مؤسسة خيرية للرعاية الصحية في دولة الإمارات تتلقى تبرعات خيرية بالعملات الرقمية المشفرة والتي تضمنت حتى اليوم عملات بقيمة 16 مليون دولار من مؤسسي شركة ’كوينت‘ Quint، وهي شركة للتمويل اللامركزي يقع مقرها في الإمارات العربية المتحدة، من أجل تأسيس مركز كوينت لزراعة نخاع العظم في مستشفى حمدان بن راشد الخيري لرعاية مرضى السرطان.

وفي عام 2023، أعلنت مؤسسة الجليلة أيضاً عن أول مزاد للأعمال الفنية من الرموز غير قابلة للاستبدال. وكانت هذه المجموعة الفنية، التي حملت عنوان "بصمة على جبين الإنسانية" وابتكرتها وتبرعت بها الفنانة الإماراتية ميسون آل صالح، عبارة عن ألفي نسخة من الرموز غير القابلة للاستبدال تمثل خمس حالات طبية هي: السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والصحة النفسية والعقلية والسمنة.

وعن هذه المبادرة، قالت كارلا دوارته، مديرة الاتصال المؤسسي لدى مؤسسة الجليلة أن هذا المزاد للرموز غير القابلة للاستبدال كان محاولة لجذب رواد العطاء الشباب ومن يُطلق عليهم مسمى ’المتبرعون من الجيل زد‘". وتضيف قائلة: "لقد ازدهر سوق الرموز غير القابلة للاستبدال خلال السنوات القليلة الماضية ... [ولذلك] قررت مؤسسة الجليلة تنظيم هذا المزاد لهذه المجموعة من الرموز غير القابلة للاستبدال لتعزيز الوعي والحصول على التبرعات من خلال مجتمع الجيل الثالث من الشبكات Web3".

ومن الأسباب التي تجعل الرموز غير القابلة للاستبدال طريقة جذّابة لجمع الأموال لصالح المنظمات غير الربحية أنها لا تسمح فقط بالمطالبة بالقيمة الأولية للبيع بل بعوائد إعادة البيع في المستقبل كذلك.

البلوك تشين هو سجل رقمي عام أو قاعدة بيانات عامة تقوم بتسجيل المعلومات باستخدام شبكة "من النظير إلى النظير" بحيث يتم نسخ السجل وتوزيعه عبر شبكة الأنظمة الحاسوبية التي تستخدم تقنية البلوك تشين. وتجعل هذه المزايا تقنية البلوك تشين أكثر أماناً إذ من الصعب جداً على أي شخص العبث أو التلاعب في البيانات التي تتم مراقبتها ونسخها بشكل متزامن عالمياً.

image title
مجموعة من صور الأفاتار على شكل رموز غير قابلة للاستبدال من تصميم ’العرب الأولون‘.

الرموز غير القابلة للاستبدال هي معرّفات فريدة للتشفير لا يمكن تكرارها ويتم تسجيلها على البوك تشين. ويمكن أن تمثل الرموز غير القابلة للاستبدال أي شيء، من اللوحات الفنية الرقمية إلى تسجيلات الموسيقى والفيديو أو أي شكل آخر من أشكال الأصول الرقمية. وعلى عكس العملات الرقمية المشفرة التي يمكن استبدالها بالعملات التقليدية أو السلع أو الخدمات، تعتبر هذه الرموز غير القابلة للاستبدال وبذلك فهي منتج رقمي فريد من نوعه.

اختبرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أيضاً تجربة الرموز غير القابلة للاستبدال لحشد الأموال من أجل إغاثة أفغانستان. وفي نوفمبر عام 2021، تبرع رسام الكاريكاتير الفلسطيني السوري هاني عبّاس الحاصل على العديد من الجوائز والذي فر من دياره في سوريا في عام 2012، بأول رموز غير قابلة للاستبدال من إبداعه، وهي عبارة مجموعة من سبع صور بعنوان ’ويندوز‘ (نوافد) تناولت موضوعي الذكريات والفقدان.

وفي العام الماضي، تعاون مكتب المفوضية في دول الخليج مع مجموعة فنية من المنطقة تسمى ’العرب الأولون‘ لتخصيص جزء من مبيعات مجموعة من صور الأفاتار لصالح المفوضية.

ويوضح أحد أعضاء المجموعة الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن "العملات الرقمية المشفرة توفر سبلاً جديدة ومبتكرة لجمع التبرعات والقيام بالمعاملات" ويضيف قائلاً: "لقد تمت الاستفادة كثيراً من هذه الابتكارات لأعراض ربحية فقط [لكننا] نرى حقاً فرصة كذلك لاستخدام التكنولوجيا في مجالات أكثر تأثيراً".

وعلى الرغم من أن الحملة جمعت 20,000 دولار فقط، إلا أن حسام شاهين، رئيس شراكات القطاع الخاص في مفوضية اللاجئين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يشعر بأن المبادرة لاتزال مجدية.

ويوضح شاهين في حديث مع ’زمن العطاء‘ أنه "يوجد اليوم ما يزيد عن 110 ملايين لاجئ أو نازح في جميع أنحاء العالم، ولذلك بات من الأهمية بمكان البحث عن طرق بديلة لحشد الدعم وإشراك فئات جديدة من المتبرعين. إن الجيل الذي لم نستطع الوصول إليه هو الجيل ’زد‘ ... لطالما تساءلنا عن كيفية الوصول إلى أبناء هذا الجيل وهذه إحدى الطرق للقيام بذلك".

غير أن رامي شيشان، رئيس الشراكات الاستراتيجية لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الإمارات، يرى أن الحماس المبكر الذي أحاط بالرموز غير القابلة للاستبدال وغيرها من أشكال العمل الخيري الذي يستخدم العملات الرقمية المشفرة قد تلاشى بالفعل. يعزو شيشان ذلك إلى الافتقار إلى الفهم الكافي لكيفية استخدام الأصول الرقمية للغايات الخيرية، بالإضافة إلى بعض التردد بسبب المخاطر التي قد تنجم عن الانخراط في هذا النهج الذي لم يتم اختباره بشكل كاف حتى الان.

ويضيف شيشان  قائلاً: "عندما حاولنا إشراك بعض المؤثرين أو المشاهير الداعمين لنا، كانوا مترددين ولم يرغبوا بربط أسمائهم بهذا المجال الجديد ... أظن أنهم يشعرون أنهم لا يستطيعون ربط اسمهم بشيء لا يعرفون الكثير عنه".

"يوجد اليوم ما يزيد عن 110 ملايين لاجئ أو نازح في جميع أنحاء العالم، ولذلك بات من الأهمية بمكان البحث عن طرق بديلة لحشد الدعم وإشراك فئات جديدة من المتبرعين".

حسام شاهين، رئيس شراكات القطاع الخاص في مفوضية اللاجئين في شمال أفريقيا والشرق الأوسط

بالفعل، فعلى الرغم من كل هذا الحماس الذي يحيط بالعمل الخيري الذي يستخدم التبرعات الرقمية والإمكانات الكبيرة التي يمتلكها للوصول لمتبرعين جدد، فإنه لا يخلو تماماً من المخاطر. فمن بين التحديات التي يواجهها التقلب في أسعار العملات الرقمية المشفرة التي لا تخضع للتنظيم من قبل البنوك المركزية.

وحتى لحظة كتابة هذا التقرير، بلغت قيمة البيتكوين الواحد 25,917 دولاراً، منخفضاً بأكثر من 62 بالمئة من أعلى مستوى له على الإطلاق في نوفمبر 2021. في الوقت ذاته، تم تداول الإيثيريوم بسعر 1,752 دولاراً بانخفاض 64 بالمئة عن أعلى قيمة له - وهي 4,815 دولاراً - التي تم تسجيلها أيضاً في نوفمبر 2021.

من هنا قد تؤدي هذه التقلبات الحادة إلى فقدان الآلاف من الدولارات التي تم التبرع بها في غضون أيام، ما قد يتسبب بالإحباط للمنظمات غير الحكومية التي تعاني من ضائقة مالية والتي لا بد لها من الاعتماد على تمويل مستقر ويمكن التنبؤ به لتحقيق أهداف محددة بعناية.

وبينما تضمن سجلات ’البلوك تشين‘ الشفافية وعدم قابلية التغيير إلا أن الثقة في منصات التبادل التي لا تخضع للتنظيم بدأت تتضاءل.

ففي عام 2022، هزت صناعة الأصول الرقمية صدمة قوية بعد أن تم القبض على سام بانكمان فريد، مؤسس منصة تداول العملات المشفرة ’إف تي إكس‘ وشركة تداول العملات الرقمية المشفرة ’ألميدا ريسرتش‘ Alameda Research بتهمة الاحتيال.

وتم وصف انهيار ’إف تي إكس‘ بأزمة  ليمان الخاصة بالعملات الرقمية المشفرة، إذ أعاد إلى الأذهان حادثة إفلاس البنك الاستثماري في عام 2008 التي لعبت دوراً في اندلاع الأزمة المالية العالمية. فقد أدى انهيار ’إف تي إكس‘ إلى سحب مبالغ ضخمة من المنصة وانخفاض كبير في قيمة ملايين العملات الرقمية  المشفرة.

وفي يونيو 2023، أعلنت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية أيضاً أنها تحقق في ادعاءات ارتكاب بورصة العملات الرقمية المشفرة المملوكة للصين ’بينانس ‘ Binance والتي افتتحت مؤخراً مقراً رئيسياً لها في دبي، مخالفات متعلقة بتسجيل المنصة وتواصلها مع المستثمرين، غير أن البورصة نفت ارتكاب أي مخالفات.

ولدى المنظمات غير الربحية، التي تواجه بالفعل عدداً لا يحصى من التحديات المتعلقة بالامتثال للقوانين واللوائح أسبابٌ وجيهةٌ لتوخي الحذر بشأن التعامل مع هذه الأموال التي ربما تضر بسمعتها أو تعرضها لمخاطر مالية.

وفي هذا الإطار، يقول بوبكر من موقع ’يلا غيف‘، أنه "على الرغم من المزايا التي تتمتع بها العملات الرقمية المشفرة إلا أنها تعد جديدة نسبياً ويمكن أن تخضع للتقلبات وعدم اليقين فيما يتعلق بالقوانين واللوائح" موضحاً أنه من المهم وضع الضمانات والأطر التنظيمية المناسبة "من أجل الاستفادة الكاملة من إمكاناتها". ويضيف بوبكر أن تعزيز الوعي بكيفية استخدام العملات الرقمية المشفرة لتقديم التبرعات وجمع الأموال يعد أمراً مهماً كذلك.

كما لا بد من النظر إلى البصمة البيئية التي تتسبب بها هذه الصناعة. فقد أفاد تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز أنه خلال موجة البرد التي ضربت ولاية تكساس في عام 2021 وتجمد خلالها أكثر من 40 شخصاً حتى الموت بسبب انقطاع التيار الكهربائي، استمر ما يقرب من ثلاثين مصنعاً للعملات الرقمية المشفرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة (10 منها في تكساس) بالعمل مستخدمين الكهرباء لتوليد 170 ألف دولار كل 10 دقائق من تعدين البيتكوين. وأضافت المقالة أن أحد المصانع في تكساس كان يستهلك ما يكفي لإمداد ما يقرب من 300,000 منزل بالكهرباء.

ولذلك فإن بعض المنظمات غير الحكومية ترفض تماماً الحصول على التبرعات بالعملات المشفرة وترى أنه يتناقض مع رسالتها بسبب التأثير الضار لتعدين العملات المشفرة على البيئة. وفي بيان صدر عام 2023، وصفت منظمة ’غرين بيس‘ Greenpeace البيتكوين، وهي واحدة من أكثر العملات الرقمية المشفرة شعبية في العالم، بأنها "عقبة رئيسية ومتزايدة أمام خفض انبعاثات الكربون والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري" موضحة أن التعدين الرقمي "أصبح الآن مسؤولاً عن انبعاثات تفوق ما تنتجه العديد من الدول الصغيرة والمتوسطة.

وعلى الرغم من هذه المخاوف، لا يزال بات دافي، المؤسس المشارك لمؤسسة ’ذا غيفينغ بلوك‘ واثقاً من مستقبل العملات الرقمية المشفرة وقدرتها على تمكين العمل الخيري. ويقول دافي في مقالة نشرها موقع ’كوين ديسك‘ أن "عدم اليقين الذي يحيط بالعملات الرقمية المشفرة ليس بالأمر الجديد" ويرى أن القطاع لم يتغلب فقط على العاصفة التي أعقبت انهيار منصة ’إف تي إكس‘ بل في واقع الأمر "ازدهر" كذلك.

ويوضح دافي بالقول: "هذا النمط مألوف جداً بالنسبة لنا، فكل بضع سنوات يتم الإعلان عن فشل العملات الرقمية المشفرة مع انخفاض الأسعار ... ولكن هناك مجال واحد في نظام التشفير مستمر في النمو بقوة، على الرغم من الصعود والهبوط في أسعار الأصول: إنه العمل الخيري. ومهما كانت التحديات التي تواجهها المنظمات غير الربحية، إلا أنها تواصل إحراز التقدم في مجال جمع التبرعات بالعملات الرقمية المشفرة".-PA