صندوق خيري سعودي يسعى لتوطيد العلاقات العلمية بين الشمال والجنوب

يأتي الصندوق الجديد التابع لمجتمع جميل في إطار جهوده الأوسع نطاقاً لسد الثغرات في مجال العلوم على الصعيد العالمي، وفقاً لمدير المؤسسة الخيرية.

يعكس صندوق جديد أطلقه مجتمع جميل بهدف تنشيط جهود مكافحة الأمراض المعدية التركيز الجديد للمؤسسة الخيرية، التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقراً لها، على تعزيز المساواة في مجال العلوم، بحسب مدير المؤسسة.

وسيقدم الصندوق الذي يحمل اسم ’صندوق جميل لأبحاث الأمراض المعدية والابتكار‘ منحاً تصل قيمتها إلى 65,000 دولار للمشاريع التي يمكنها المساهمة في  كبح التهديد العالمي الذي تشكله فيروسات كورونا والأمراض الأخرى من خلال تمويل الأبحاث المختصة في هذا المجال في كل من إمبريال كوليدج لندن وجامعة الملك عبد العزيز في جدة.

ويتضمن البرنامج الذي يمتد على مدى عامين جولتي تمويل لكل مؤسسة علمية وسيتم تقديم المنح والإشراف عليها من قبل لجنة مشتركة من أعضاء هيئة التدريس.

وفي هذا الإطار، أوضح جورج ريتشاردز، مدير مجتمع جميل، أن الصندوق الذي يهدف إلى توثيق الروابط بين الأقران في كلتا الجامعتين يعكس التركيز الجديد لمنح مجتمع جميل على الاستثمار في التعاون بين الشمال والجنوب وإيجاد الفرص للباحثين في بلدان الجنوب.

وقال ريتشاردز خلال حديثه مع ’زمن العطاء‘: "إنه أمر جديد بالنسبة لنا ... فنحن، في مجتمع جميل، عازمون على التركيز بشدة على قضية المساواة في العلوم والبحوث على الصعيد العالمي والتفكير في سبل دعم المؤسسات البحثية - لا سيما في جنوب الكرة الأرضية".

وقد تم تصميم هيكل صندوق جميل، الذي يعتبر مشروعاً تجريبياً يعكس هذه الروح الجديدة، للمساهمة في بناء القدرات بين الباحثين في جنوب الكرة الأرضية، الذين غالباً ما لا يتمتعون بالقدر الكافي من التمثيل في المخرجات والنقاشات العلمية.

فقد يواجه الباحثون في الدول ذات الدخل المنخفض صعوبات في الحصول على التمويل والاعتراف العالمي بإنجازاتهم، بما في ذلك الاستشهاد الأقل بجهودهم وأبحاثهم في المجلات والدوريات العلمية الغربية. ويعني ذلك أيضاً في مجال الرعاية الصحية القيام بعدد أقل من التجارب التي تأخذ في الاعتبار العوامل التي تؤثر بشكل خاص على الدول المنخفضة الدخل، كتوفر العلاج وتكلفته والقيود الأخرى ذات الصلة بالموارد.

وقال ريتشاردز: "إذا استطعنا إنشاء منصة للتعاون بين الأقران، ودمج الباحثين والمؤسسات العلمية في جنوب الكرة الأرضية مع مؤسسات بحثية أكثر بروزاً وأفضل تمويلاً في شمال الكرة الأرضية، فسيكون لدينا القدرة على إطلاق العنان لجميع أنواع التقنيات".

وأضاف قائلاً: "إنها فرصة حقيقية ليس فقط لدعم الأبحاث المهمة، بل للقيام بذلك بطريقة قادرة على تمكين الباحثين في بلدان الجنوب وتزويدهم بالمزيد من القدرات والموارد".

وسيركز صندوق جميل بشكل خاص على المشاريع في المراحل المتأخرة والقادرة على إحداث تأثير كبير. وعن ذلك، قال ريتشاردز: "هذا ما نطلق عليه اسم التمويل الي يعطي الزخم، بمعنى أنه تمويل يسعى لإعطاء الدفعة الأخيرة اللازمة لإخراج أحد الحلول من المختبر ودفعها نحو الميدان".

"إن تحقيق المساواة في مجال الصحة يتطلب أبحاثاً صحية أفضل ومجموعات بيانات أفضل من دول الجنوب".

جورج ريتشاردز، مدير مجتمع جميل.

image title
رجال يصطفون للحصول على لقاح ضد الفيروس المسبب لكوفيد-19 في كلكوتا في الهند. وقد حصل أقل من 0.5 بالمئة من السكان في الدول المنخفضة الدخل على الجرعات حتى الآن. الصورة: غيتي إميجيز.

يستثمر مجتمع جميل، المنظمة الخيرية التي تمولها عائلة جميل في السعودية، بشكل كبير في الرعاية الصحية من خلال تمويل المبادرات المختلفة في التي تركز على هذا القطاع كمعهد عبد اللطيف جميل لمكافحة الأمراض المزمنة والأوبئة والأزمات الطارئة (J-IDEA) في إمبريال كوليدج لندن وعيادة جميل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التي تركز على تطوير تقنيات الذكاء الآلي في مجال الرعاية الصحية.

وقد دفع ظهور جائحة كوفيد-19 المؤسسة الخيرية إلى رفع مستوى تمويلها لكلا المعهدين لدعم جهودهما في مكافحة الفيروس. وشمل ذلك صندوقاً تم إنشاؤه في إمبريال كوليدج لتقديم منح تصل قيمتها إلى 200,000 جنيه إسترليني (283,000 دولار) لدعم الأبحاث ذات الصلة بمكافحة كوفيد-19. في ضوء ذلك، تم تقديم منح للمشاريع التي تستكشف إمكانية إنتاج كمامات آلياً حسب الطلب للعاملين الصحيين على الخطوط الأمامية وأداة للتنبؤ بخطر تدهور الحالة الصحية للمرضى المصابين بكوفيد-19 وغيرهما من الابتكارات.

وأضاف ريتشاردز: "كان لكليهما دور مهم للغاية، سواء من خلال اكتشاف علاجات أو أدوية يمكن استخدامها في علاج كوفيد-19 أو وضع نماذج لانتشار الوباء، كما في حالة معهد جميل".

يذكر أن جائحة كوفيد-19 قد كشفت عن وجود تفاوتات كبيرة بين الدول الفقيرة والغنية، ما أدى إلى تفاقم أوجه عدم المساواة القائمة بالفعل في مجال الصحة وتراجع المكاسب التي تم تحقيقها في الحد من انتشار الفقر. فحتى الآن، لم يتم إعطاء سوى 0.4 بالمئة فقط من سكان الدول المنخفضة الدخل اللقاح ضد  كوفيد-19، مقارنة بنحو 40 بالمئة من السكان في أوروبا وأمريكا الشمالية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

ويستمر هذا التفاوت على الرغم من ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا بصورة كارثية في ​​جنوب آسيا وأمريكا الجنوبية، الأمر الذي ساهم في حدوث تحوّل كبير في عبء الوفيات الناتجة عن كوفيد-19 إلى الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. وفي مايو، تم تسجيل 52 بالمئة من حالات الإصابة الجديدة و40 بالمئة من الوفيات في الدول الفقيرة.

"كثيراً ما نشارك في اجتماعات تكون جميع المؤسسات أو الوكالات الحكومية الأخرى الحاضرة فيها من دول الشمال، ولذلك من الضروري أن نكون من بين الأصوات التي تعبر عن آرائها".

جورج ريتشاردز، مدير مجتمع جميل.

أفاد ريتشاردز أنه على الرغم من أن النقاشات حول أهمية التركيز بشكل أكبر على تحقيق المساواة في مجال العلوم كانت تدور بالفعل في مجتمع جميل قبل تفشي الوباء، إلا أن الحوار العالمي حول الإنصاف في الحصول على اللقاحات والوصول المتفاوت لخدمات الرعاية الصحية قد ساهم في الشعور بأن هذا التحوّل قد حدث في الوقت المناسب تماماً.

وأوضح ريتشاردز بالقول: "لقد رأينا التأثير غير المتناسب على المجتمعات في دول الجنوب، لكن حتى في دول الشمال نفسها، عانت الأقليات من نتائج صحية وخيمة بشكل غير متناسب ... من قبيل أجهزة مراقبة الأكسجين التي لم تعمل بنفس الفعالية للمرضى السود وفشلها في الكشف عن انخفاض مستويات الأكسجين في الدم لديهم. لقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على الكثير من أوجه عدم المساواة المرتبطة بالعرق، وهي تغيّر الخطاب كذلك".

وأفاد أن السرعة غير المسبوقة التي تم بها طرح لقاحات كوفيد-19 في الأسواق تظهر أيضاً أهمية التعاون عبر المناطق المختلفة حول العالم. وأضاف: "يمثل ذلك دافعاً آخر للقيام بالمزيد من التعاون، وهو ما سيوفر بدوره بيانات وتجارب أفضل. إن تحقيق المساواة في مجال الصحة يتطلب أبحاثاً صحية أفضل ومجموعات بيانات أفضل من دول الجنوب".

وقد أصبح مجتمع جميل، الذي لا يقوم بالكشف عن حجم تبرعاته السنوية، مؤسسة خيرية مرموقة على نحو متزايد خلال السنوات الأخيرة، تعزز مكانتها الاستثمارات الطويلة الأجل التي تقوم بها في المعاهد العالمية.

وتقدم المؤسسة في المعتاد منحاً في مجالات الصحة والتعليم والمناخ وتدعم النهج المرتكزة على الأدلة في صنع السياسات لتحقيق هدفها الأوسع المتمثل في تحفيز الابتكار وتعزيز الأنظمة.

وقال ريتشاردز: "نرى أن دورنا هو محاولة تحسين الظروف التي يمكن للباحثين والعلماء من خلالها تحقيق الإنجازات ... نعلم أن احتمالية حدوث ذلك، سواء في مجال الصحة أو التعليم أو علم المناخ، أمر صعب، ولذلك يوجد هذا الجانب من رأس المال الخيري المجازف".

يحتفل مجتمع جميل هذا العام بمرور 75 عاماً على انطلاق العمل الخيري لعائلة جميل التي قامت بتأسيسه، ما يشكل محطة مهمة استغلتها المؤسسة لتقييم مجالات منحها الرئيسية والنُهج التي تتبعها في عملها. وقال ريتشاردز أن هذا التأمل الذاتي يؤكد على الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الخيرية في الجنوب في الحوار العالمي كي تتمكن من تمثيل احتياجات مجتمعاتها ومصالحها بشكل أفضل.

وأضاف: "نرى حاجة متزايدة لأن تتولى هذه المؤسسات الخيرية دوراً عالمياً. فكثيراً ما نشارك في اجتماعات تكون جميع المؤسسات أو الوكالات الحكومية الأخرى الحاضرة فيها من دول الشمال، ولذلك من الضروري أن نكون من بين الأصوات التي تعبر عن آرائها".

وأنهى ريتشاردز حديثه بالقول: "نود أن نرى المزيد من هذه الجهود. تلعب المنظمات من أمثال منظمتنا دوراً مهماً في سد هذه الفجوات وإفساح المجال للمشاركة بين الأقران – على أمل أن يتم تحقيق مستوىً من التكافؤ بين الشمال والجنوب". - PA