فرصة ذهبية

اللاجئة السورية والسبّاحة الأولمبية يسرى مارديني تطلق مؤسستها الخيرية لتوفير الفرص الرياضية للاجئين الشباب.

في عام 2015، فرت يسرى مارديني وشقيقتها سارة من الحرب المستعرة في بلدهما سوريا، فسافرتا من دمشق إلى بيروت ومنها إلى اسطنبول، ثم وصلتا سباحةً إلى أوروبا بعد أن بدأ القارب الذي استقلته المراهقتان إلى جزيرة ليسبوس اليونانية في الغرق.

وبمجرد أن وصلت الشقيقتان إلى أوروبا، تابعتا رحلتهما سيراً على الأقدام وبركوب السيارات عبر سبع دول لتجدا في النهاية ملاذاً آمناً في ألمانيا. وبعد أقل من 12 شهراً على هذه الرحلة، شاركت يسرى في دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016 في ريو دي جانيرو كعضو في أول فريق رياضي للاجئين يشارك تحت الراية الأولمبية.

وبعد مرور سبع سنوات على هذه الرحلة وانعقاد دورة أولمبية ثانية، أطلقت الفتاة البالغة من العمر اليوم 25 عاماً والتي تحولت قصتها وشقيقتها إلى فيلم من إنتاج نتفليكس مؤسستها الخيرية التي أطلقت عليها اسم "مؤسسة يسرى مارديني" بهدف تقديم برامج وفرص رياضية للشباب الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين حول العالم.

وقالت مارديني في مقابلة مع ’زمن العطاء‘: "عندما وصلت إلى ألمانيا، كانت السباحة هي الشيء الذي منحني الأمل ... ولذلك اخترت أن تركز مؤسستي على تطوير الرياضة حتى يتمكن اللاجئون الشباب هم أيضاً من الشعور بالأمل واستعادة الإحساس بالحياة الطبيعية، لأنه أمر مهم جداً".

وقد تم تسجيل المؤسسة الخيرية التي شاركت مارديني في تأسيسها مع مدربها الأولمبي السابق، سفن سبانيكريبس، في ألمانيا والولايات المتحدة.

وتقول مارديني أنها ما تزال تعمل على التفاصيل المتعلقة بخطتها، لكنها ترغب في جمع التمويل لتتمكن من إطلاق مشاريع رياضية للاجئين الشباب، بدءاً من لبنان والأردن وتركيا - حيث يقيم أكثر من خمسة ملايين لاجئ سوري.

النزوح العالمي يصل إلى مستويات قياسية

مع نهاية العام الماضي، وصل عدد الأشخاص الذين اضطروا للنزوح قسراً نتيجة الحروب والاضطهاد والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان مستويات قياسية بلغت 108.4 مليون شخص، بزيادةً قدرها 19 مليون شخصٍ مقارنةً بنهاية عام 2021، وفقاً لتقرير الاتجاهات العالمية الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن النزوح القسري في عام 2022.

  وقد يأتي أكثر من نصف النازحين في العالم من ثلاث دول هي: سوريا (6.5 مليون) وأوكرانيا (5.7 مليون) وأفغانستان (5.7 مليون).

image title
انضمت يسرى مارديني لأول فريق أولمبي للاجئين عندما شاركت في ألعاب ريو دي جانيرو عام 2016 تحت الراية الأولمبية. الصورة: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وفي حديثها مع ’زمن العطاء‘ على هامش عرض فيلم "السباحتان"، الذي يروي قصتها وشقيقتها وتم ترشيحه لجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون (البافتا)، والذي استضافته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في دبي، أكدت مارديني أنها لم تفكر مطلقاً في اللاجئين حتى أصبحت واحدة منهم.

وتتذكر مارديني قائلة: "في البداية، كنت أكره أن يطلق عليَّ مسمى ’لاجئة‘ لأنني كنت أرى ان لدي منزلاً وسأعود إليه يوماً ما"، موضحة أنها لم ترغب في البداية المشاركة في ريو كعضو في الفريق الأولمبي للاجئين. وتضيف بالقول: "لقد أردت أن يعرف الناس أن جهودي هي التي أوصلتني للمشاركة في الأولمبياد وليس الظروف التي مررت بها".

لكن في اللحظة التي دخلت فيها الفتاة البالغة من العمر 18 عاماً وزملاؤها التسعة الملعب، تغير كل شيء. "كان الكثير من الناس يقفون ويصفقون ويهتفون ويرفعون الرايات لنا. في تلك اللحظة، أدركت أنه لم يعد حلمي فقط، بل بات شيئاً أكبر من ذلك بكثير. لقد أصبح لدي صوت وعلي أن أستخدمه في مساعدة اللاجئين الآخرين".

وفي عام 2017، أي بعد عام واحد على أولمبياد ريو، أصبحت يسرى مارديني سفيرة للنوايا الحسنة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكانت في ذلك الوقت أصغر سفيرة يتم تعيينها في منصب عادة ما يشغله المشاهير.

وتعترف مارديني بأنها لم تكن تعرف حقاً ماذا سيترتب على هذا المنصب، لكنها سرعان ما اكتشفت معالم طريقها وأخذت تسافر حول العالم وتتحدث إلى النازحين واللاجئين من الشباب.

وتوضح قائلة: "إنني أتفهم تماماً ما يشعرون به ... لكن رسالتي لهم هي ’إنها ليست النهاية‘ و’أن تشهد ظروفاً مروعة لا يعني مطلقاً أنه لا ليس باستطاعتك البدء من جديد والمحاولة مرة أخرى‘".

"في تلك اللحظة، أدركت أنه لم يعد حلمي فقط، بل بات شيئاً أكبر من ذلك بكثير. لقد أصبح لدي صوت وعلي أن أستخدمه في مساعدة اللاجئين الآخرين".

image title
قامت نتفليكس بإنتاج فيلم يروي تفاصيل رحلة يسرى مع أختها سارة إلى أوروبا. وزارت يسرى دولة الإمارات العربية المتحدة في يونيو لحضور عرض خاص للفيلم والمشاركة في حلقة نقاشية تناولت الظروف والتجارب التي مرت بها. الصورة: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ولدى مارديني رسالة للسياسيين أيضاً، فهي تشعر بالأسف لأن عدداً ضئيلاً جداً من اللاجئين يشاركون في السياسات التي تؤثر على حياتهم موضحة أن صانعي القرار بعيدون كل البعد عن واقع حياة الناس.

وتضيف مارديني التي تشعر بالحزن بسبب غرق قارب ينقل مهاجرين قبالة سواحل اليونان قبل بضعة أيام والإحباط بسبب تصاعد الخطاب اليميني المناهض للمهاجرين الذي بدأ يترسخ في أجزاء واسعة من أوروبا قائلة: "هناك مساحة كافية للجميع على هذا الكوكب ... لن يسرق أحد وظيفتك إن كنت تتقن عملك جيداً".

وإيمان مارديني القوي بصوتها - وتفانيها في إعطاء الآخرين أيضاً صوتاً - قد أوصلها إلى الولايات المتحدة، حيث أكملت للتو سنتها الجامعية الأولى في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في جامعة جنوب كاليفورنيا (USC) المرموقة.

وتختم مارديني حديثها بالقول: "أريد أن أروي قصص الآخرين، لا سيما أولئك الذين لا تُسمع أصواتهم ... أشعر أنني حظيت بصوت قوي بالفعل، وحتى عندما أرحل [عن هذه الدنيا]، أريد أن أترك إرثاً لتغيير هذا العالم وجعله مكاناً أفضل".-PA

اقرأ المزيد