كيف يمكن للعمل الخيري دعم جهود الاستجابة لحالات الطوارئ

 تعد الشراكات الاستراتيجية ذات أهمية حاسمة لتلبية الاحتياجات الفورية والطويلة المدى في حالة الأزمات، كما تقول أورانيا ديونيسيو، نائب رئيس قسم الأعمال الخيرية والشراكات الدولية لدى لجنة الإنقاذ الدولية.

في الأسابيع القليلة الأولى من الأزمة الأوكرانية، أُجبر أكثر من ثلاثة ملايين شخص على الفرار من ديارهم إلى دول أخرى، ومعظمهم لم يحمل سوى ما يزيد قليلاً عن الثياب التي يضعها على جسده. وما الوتيرة التي تكشفت بها فصول هذه الأزمة إلا تذكيرٌ صارخٌ بالهشاشة التي تتسم بها حياتنا اليوم ودليل على أنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يكون مستعداً في أي وقت للتخفيف من المعاناة البشرية.

ويبقى التمويل السريع والمرن أمراً بالغ الأهمية في حالة مثل أوكرانيا، التي تتسم بسياق متقلب وسريع التطور وينطوي على استقبال اللاجئين في العديد من الدول المجاورة.

فقد أتاح هذا النوع من التمويل لنا – في لجنة الإنقاذ الدولية – الفرصة لتعزيز الجهود التي يبذلها شركاؤنا المحليون على الخطوط الأمامية - والذين لا يتمتعون سوى بوصول محدود إلى الموارد - من أجل ضمان حصول أكبر عدد ممكن من الأشخاص على الدعم المنقذ للأرواح.

وعلى الرغم من بشاعة الصراع في أوكرانيا، إلا أنه للأسف ليس حالةَ منعزلة. فأعمال الحرب الوحشية - بما في ذلك قصف المستشفيات والمدارس والمباني المدنية - تحدث أيضاً في سوريا واليمن وليبيا وأفغانستان، على سبيل المثال لا الحصر.

تسلط "قائمة مراقبة الطوارئ" لعام 2022 الضوء على الدول العشرين الأكثر عُرضة لخطر تفاقم الأزمات الإنسانية. وتبيّن هذه القائمة أن هناك أعداداً قياسيةً من الأشخاص المحتاجين إلى المساعدات وأعداداً قياسية من الأشخاص الذين يعانون من العنف والنزاعات وأعداداً قياسية أيضاً من المدنيين المُعرضين لتهديدات خطيرة لحياتهم وسُبل عيشهم.

وعلى الرغم من أن الملايين من الأوكرانيين يستحقون بالفعل الحصول على اهتمامنا ومواردنا، لكننا لا يجب أن نسمح للأفغان واليمنيين والإثيوبيين والسوريين وغيرهم ممن يعانون في أماكن أخرى من العالم بدفع ثمن تحويل جزء كبير جداً من موارد المعونة واهتمام وسائل الإعلام بعيداً عن أزماتهم.

لقد بات العديد من هذه النزاعات اليوم أزمات ممتدة في ظل استمرارها لعدة سنوات، بل لعقود، الأمر الذي يجعل الحاجة إلى توفير التمويل والدعم على المدى الطويل أكثر أهميةَ من أي وقت مضى.

"يمكن للعمل الخيري حشد التمويل المؤسسي ... والتأثير على صانعي السياسات على أرفع المستويات".

ولا بد أن نشيد هنا بثقافة العطاء السخيّة والراسخة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبالتاريخ الطويل لروّاد العطاء في المنطقة في تمويل الأزمات المُهملة والتي طال أمدها، فضلاً عن دعمهم للفئات المُهمشة التي لم تعد معاناتها مدرجة على أجندات الأخبار.

فعلى سبيل المثال، تلعب مؤسسة عبدالله الغرير للتعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً تحفيزياً يدعم سُبل عيش الشباب العربي من خلال مبادرات التعليم المفضية إلى التوظيف المستدام. أما يعد صندوق الشفاء، وهي مبادرة تعاونية من المملكة العربية السعودية، من أبرز الداعمين لبرامج الرعاية الصحية للأمهات والقضاء على الأمراض.

علاوة على ذلك، أقامت لجنة الإنقاذ الدولية شراكات تمويلية بارزة مع المنطقة. ففي عام 2020، واستجابةً للأزمة المزدوجة الناتجة عن جائحة كوفيد-19 وانفجار مرفأ بيروت الذي خلّف ما يقدر بنحو 300,000 نازح، تعاونت اللجنة مع المؤسسة الخيرية السعودية، مجتمع جميل، وشركة تويوتا للسيارات. وفي إطار هذه الشراكة تم تقديم مركبات لاستخدامها في عملية الاستجابة لحالة لطوارئ التي نفذتها لجنة الإنقاذ الدولية في لبنان، وهو ما زاد بشكل كبير من قدرتنا على الاستجابة لاحتياجات المتضررين من الانفجار، فضلاً عن احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة.

كما تمكنّا من خلال شراكة أخرى مع مجتمع جميل، تم التوصل إليها بعد مائدة مستديرة جمعت بين رئيس المؤسسة الخيرية، حسن جميل، ورئيس لجنة الإنقاذ الدولية ومديرها التنفيذي، ديفيد ميليباند، من توسيع نطاق استجابتنا لانتقال الفيروس المسبب لكوفيد-19 في أوساط اللاجئين الذين يعيشون في الأردن.

وقد تكفلت المؤسسة بدفع تكاليف توزيع معدات الحماية الشخصية ومستلزمات الوقاية الأخرى، وغطت تكلفة العلاج في أقسام الطوارئ في المستشفيات للمرضى المعرضين لمخاطر صحية عالية وساهمت في دعم الرعاية المتصلة بمضاعفات الولادة.

ويعني الدعم القوي الذي نحصل عليه من الشركاء مثل مجتمع جميل أننا أصبحنا مجهزين بالأدوات اللازمة للاستجابة لحالات الطوارئ، والأهم من ذلك أننا بتنا قادرين على اختبار الحلول المبتكرة والتعلُّم منها وتصميمها لدعم الأشخاص المتضررين من الأزمات والصراعات.

وهذا بالتحديد جوهر شراكتنا مع دبي العطاء. فقد قدم برنامج التعليم في حالات الطوارئ: دليل العمل (3EA) للجنة الإنقاذ الدولية من خلال استثمار أولي رائد في التعليم التقويمي وتدخلات التعلم الاجتماعي والعاطفي الموجهة للأطفال اللاجئين والنازحين وأطفال المجتمع المضيف.

ولا توفر مثل هذه الشراكات الاستراتيجية المتعددة الأوجه الإغاثة التي تشتد الحاجة إليها لبعض الفئات السكانية الأكثر ضعفاً فقط، بل هي مثال واضح على قدرة العمل الخيري على حشد التمويل المؤسسي، وتغيير طريقة تفكيرنا وعملنا بشكل منهجي، والأهم من ذلك، التأثير على صانعي السياسات على أرفع المستويات.

وفي الوقت الذي لا يزال فيه الملايين من الأشخاص حول العالم بحاجة إلى المساعدات، فإننا لن نتمكن من التخفيف من معاناتهم ومساعدتهم على إعادة بناء حياتهم إلا من خلال التعاون بين مجتمع العطاء والوكالات الإنسانية مثل لجنة الإنقاذ الدولية. - PA