مستقبل مشرق

بيل غيتس يوضح خلال فعالية في الإمارات عن العمل الخيري التحفيزي لماذا يشعر بالتفاؤل بأن العالم يسير نحو الأفضل.

تطوير لقاح ضد فيروس نقص المناعة البشرية، وابتكارات للتخفيف من آثار تغير المناخ، واستخدام الذكاء الاصطناعي للنهوض بالتعليم، والقضاء على الملاريا والحصبة، وتطوير أدوية جديدة للتصدي لحالات صحية من قبيل السمنة والزهايمر، ما هذه إلا بعض الأسباب التي تجعل بيل غيتس يشعر بالتفاؤل بأنه على الرغم من التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم، إلا أنه يخطو خطوات ثابتة نحو غد أفضل.  

مع ذلك، خاطب غيتس جمهوراً من روّاد العطاء وصانعي السياسات والأكاديميين الذين اجتمعوا في جامعة نيويورك أبوظبي مؤخراً بالقول: "لا تزال هناك أمور تدعو للقلق ...  فما من شك أنني خائف من الاستقطاب السياسي الأمريكي وحرب أوكرانيا وهذه الدورة الاقتصادية - على الرغم من أنها دورة وستمر ...".

غير أنه أضاف أن "سلسلة من الأشياء الرائعة حقاً في طريقها إلينا ... (وهناك أيضاً) وتيرة الابتكار التي باتت أسرع من أي وقت مضى ... ولذلك من الأفضل أن يكون المرء على قيد الحياة بعد 40 عاماً من الآن مقارنة باليوم".

في عام 2000، أطلق غيتس مع زوجته (السابقة الآن) ميليندا مؤسسة بيل وميليندا غيتس وخلال العقود التي تلت إطلاق المؤسسة نمت لتصبح واحدة من المؤسسات الخيرية الرائدة في العالم وقدمت حتى اللحظة منحاً تزيد قيمتها عن 65 مليار دولار.

وبالتوازي مع الأعمال الخيرية التي يقوم بها غيتس، يتابع مكتبه الخاص ’غيتس فينتشرز‘ Gates Ventures بذل الجهود في مجموعة من المجالات، لاسيما تغير المناخ وابتكارات الطاقة النظيفة والأبحاث وقضايا الرعاية الصحية الأخرى والتعليم المتعدد التخصصات والتكنولوجيا.

كما أن غيتس هو أيضاً مؤسس منظمة ’بريكثرو إنيرجي‘ Breakthrough Energy، التي تسعى للتصدي لتغير المناخ من خلال دعم الجيل الصاعد من روّاد الأعمال وكبار المفكرين والتقنيات النظيفة.

image title
اجتمع قادة من الهئيات المهتمة بالتنمية الاجتماعية والشركات والوسط الأكاديمي والمجتمع المدني في أبوظبي لمناقشة كيف يمكن للعمل الخيري الشديد التأثير والصبور أن يغيّر العالم.

وخلال حديثه مع ريما المقرب، الرئيس المشارك لمنتدى أفكار أبوظبي، إحدى مبادرات ’تمكين‘، الجهة المنظمة للمنتدى بالتعاون مع معهد آسبن والذي تطرق خلاله لموضوعات متنوعة، أشاد الملياردير صاحب شركة ميكروسوفت بالشراكات الطويلة الأمد بين مؤسسته وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة شلل الأطفال والأمراض المدارية المهملة.

فمنذ عام 2011، خصص رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، أكثر من 376 مليون دولار لدعم الجهود العالمية للقضاء على شلل الأطفال، كما كان أحد المانحين الرئيسيين لمبادرات القضاء على الأمراض المدارية المهملة مثل صندوق إنهاء الأمراض المهملة End Fund والمعهد العالمي للقضاء على الأمراض المعدية (غلايد) الذي تم إطلاقه مؤخراً في أبوظبي.

فالمعركة ضد شلل الأطفال قد وصلت إلى ما يسمى بالميل الأخير، لكن غيتس قال منوهاً بالتأثير الضار للوباء على حملات اللقاح: "إذا لم يظهر كوفيد-19 لكنا قد أنهينا المهمة كما أعتقد". كما أعرب عن أسفه لإصابة عشرات الأطفال اليمنيين بالشلل هذا العام بسبب انتشار الفيروس وحيث يعود السبب جزئياً في ذلك إلى الصراع الذي يعرقل حملات التطعيم.

وأضاف أن الحرب في أوكرانيا أدت كذلك إلى خفض العديد من الدول الأوروبية ميزانيات المساعدات الخارجية التي تقدمها من أجل إعادة ترتيب أولوياتها للإنفاق على الدفاع والطاقة، لكنه أكد قائلاً: "نحن مصممون [على تحقيق الهدف] ونحن ندرك تماماً ما يتطلبه ذلك".

"من الأفضل أن يكون المرء على قيد الحياة بعد 40 عاماً من الآن مقارنة باليوم". 

بيل غيتس

وعلى الرغم من هذه الانتكاسات أشاد غيتس بتعزيز الترصد البيئي أثناء الجائحة وتحسن مستوى التشخيص، حيث قال: "سنستخدم هذه التقنية في جميع أنحاء العالم وسنكون قادرين على اكتشاف تفشي الأمراض بسرعة فائقة".

وأوضح غيتس، الذي حذر من خطر حدوث جائحة قبل سنوات من انتشار كوفيد-19، أنه بينما كان الجميع يتحدثون عن اللقاحات، كان من المهم أيضاً وقبل كل شيء القيام بالتشخيص السريع والدقيق لمنع مسببات الأمراض من الانتشار عالمياً.

وإلى جانب أهمية مكافحة شلل الأطفال، وجّه رائد العطاء نداءً مؤثراً لبذل المزيد من الجهود على مستوى العالم للتصدي لسوء التغذية، وهي قضية خصصت لها مؤسسته مؤخراً 922 مليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وأوضح بالقول: "إذا كنت أملك عصا سحرية لكنت قد لوحت بها للقضاء على سوء التغذية - حتى قبل القضاء على فيروس نقص المناعة البشرية والملاريا". وأضاف أن "أجساد أو عقول أكثر من ثلث الأطفال في أفريقيا جنوب الصحراء لا تنمو أبداً. كما أنهم أقصر [من أقرانهم] بمعدل ثلاث بوصات ومعدل ذكائهم منخفض كذلك لدرجة لا يمكنهم معها تعلم القراءة أو الكتابة على الإطلاق".

وأفاد غيتس أنها "أكبر خسارة للإمكانات البشرية ... فهي أسوأ من الوفيات، التي لا تزال تصل إلى نحو خمسة ملايين طفل سنوياً ... فالمأساة الأكبر هي وجود مثل هؤلاء الأطفال الذين لن يكتمل نموهم أبداً".

وشارك غيتس قصة رحلته في العمل الخيري وكيف استوحى إلهامه من والده الراحل، بيل غيتس الأب، والممول الدولي وارن بافيت، أحد أكبر المحسنين في العالم، ودعا الجيل الصاعد من روّاد العطاء المشاركين في المنتدى للمساهمة في معالجة القضايا التي تهمهم.

وقال في معرض حديثه مع المقرب: "لكل شخص رحلته الخاصة في العطاء التي تختلف عن رحلات الآخرين ... لا أحد يتبرع بأمواله للأعمال الخيرية مستنداً إلى المنطق فقط. يشكل [العطاء] إلى حد بعيد ارتباطاً بالبشر الآخرين، وكما تعلمين فإن ما يحركه هو الاهتمام ولذلك فإن التنوع هو جزء من روعة العمل الخيري".

image title
إفساح المجال أمام الأجيال القادمة. من اليسار إلى اليمين: الأمير خالد بن الوليد بن طلال آل سعود، الكاتبة المقيمة في دبي نيها هيرانانداني، رائدة العطاء والأعمال الزيمبابوية إليزابيث تانيا ماسيوا، منسقة الحوار جين ويلز، نائبة رئيس معهد آسبن.

كما تضمن منتدى العمل الخيري التحفيزي، الذي انعقد في أوائل ديسمبر، كلمة رئيسية من سلامة العميمي، مدير عام هيئة المساهمات المجتمعية "معاً"، التي تقف وراء إطلاق أول مشروع لسندات الأثر الاجتماعي في منطقة الخليج.

وشددت العميمي على أهمية الشراكات القوية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني "للمساعدة في تسريع التقدم بوتيرة غير مسبوقة والتي لا يمكن تحقيقها في حال عملنا بشكل منفرد".

وتضمنت الفعالية أيضاً جلسة منفصلة أدارتها جين ويلز، المديرة التنفيذية لبرنامج العمل الخيري والابتكار الاجتماعي لدى معهد آسبن وضمت رائدة العطاء والأعمال الزيمبابوية إليزابيث تانيا ماسيوا، والكاتبة المقيمة في دبي نيها هيرانانداني، والأمير السعودي خالد بن الوليد بن طلال آل سعود.

"أعتقد أن الجيل القادم يتخذ القرار بانتهاج الطريقة التي يتبعها العالم للقيام بالأشياء".

رائدة العطاء والأعمال الزيمبابوية إليزابيث تانيا ماسيوا.

وتبادل المشاركون في الجلسة الحوارية وجهات نظرهم حول كيفية قيام الشباب بإعادة تشكيل مشهد العمل الخيري والاستثمار المؤثر وريادة الأعمال الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها، واتفقوا جميعاً على أن التغييرات الكبيرة في طريقها إلينا.

من جهتها، أوضحت تانيا ماسيوا، الرئيس التنفيذي لمؤسسة ’دلتا فيلانثروبيز‘ المملكة المتحدة Delta Philanthropies UK، وعضو مجلس إدارة مؤسسة ’هايرلايف‘ الخيرية Higherlife Foundation التابعة لعائلتها قائلة: "لقد خلق الجيل القادم ثقافة للوعي الاجتماعي وقد أصبحت اليوم راسخة في كل شيء نقوم به، سواء التفكير في اتخاذ القرارات الشرائية أو حتى مجرد الطريقة التي نعيش بها حياتنا".

وأضافت قائلة: "أعتقد أن الكثيرين من الجيل القادم يتخذون القرار بانتهاج الطريقة التي يتبعها العالم للقيام بالأشياء، الأمر الذي يجبر الشركات على النظر في كيفية تبني التغيير الاجتماعي والطريقة التي نؤدي بها أعمالنا".

تأسس منتدى أفكار أبوظبي عام 2017 بالتعاون مع معهد آسبن ليكون منصة لاستضافة القادة العالميين من أجل مناقشة سُبل التصدي لبعض أكبر التحديات التي يواجهها عالمنا اليوم.-PA

اقرأ المزيد