مليارا سبب للاستثمار في العشوائيات

كيف يمكن لمؤسسة خيرية أن تخطط للاستثمار في مجالٍ جديد من الأعمال الإنسانية؟ آندرو داوست، نائب رئيس الشؤون الاستراتيجية في مؤسسة ليغاتوم، يتحدث عن تجربة مؤسسته في استكشاف مجال عمل جديد لم تخضه من قبل.


image title
الاستثمار في العشوائيات هو فرصة لإحداث الأثر على نطاق واسع، حسبما يفيد به داوست.

مليارا نسمة هو عدد الأشخاص الذين تقدّر الأمم المتحدة أنهم سوف يعيشون في الأحياء العشوائية (مناطق السكن غير الخاضعة للإشراف والتخطيط العمراني في المدن) بحلول العام 2030، ما يشكل ضعف عددهم اليوم. ورغم أن هؤلاء الناس يقصدون تلك المناطق أملاً في مستقبلٍ أفضل، إلا أن الحقيقة المحزنة تكمن في أن الملايين منهم يتعرضون للاستغلال ويقعون في براثن الفقر. لكن، ما الذي سيضمن أن تكون أكبر هجرة حضرية في التاريخ الإنساني طريقاً إلى الحياة الكريمة بدلاً من الفقر؟

هذا النوع من التحديات هو ما يجذب اهتمامنا وتمويلاتنا في مؤسسة ليغاتوم. فعلى مر السنين، استثمرت المؤسسة في مشاريع ومقاربات شملت المساعدة في إنهاء العبودية وتحرير 30 مليون إنسان من خلال 'صندوق الحرية'، والقضاء على الأمراض المدارية المهملة التي تهدد حياة أكثر من مليار شخص من خلال "صندوق END"، ومساعدة 60 مليون طفل خارج المدرسة على العودة مرة أخرى لمواصلة تعليمهم من خلال مبادرة 'المدارس السريعة'.

وفي بداية كلّ تحدي من تلك التحديات كنا نطرح السؤال الذي يطرحه كل مستثمر: أي فرصة قادرة أن توفر أفضل عائد على الاستثمار؟ في مجال العمل الخيري الاستراتيجي، ذلك يعني: ما هي التدخلات والأساليب التي يمكن أن تحقق أكبر أثر اجتماعي قابل للقياس؟

فالاستثمار في البرامج التي تحقق أفضل وأذكى استخدام للأموال هو مسألة فائقة الأهمية بالنسبة للمؤسسة. فعندما بدأت ليغاتوم في دراسة الاستثمار لمكافحة الأمراض المدارية المهملة، على سبيل المثال، كانت مسألة العائد الاستثماري مقنعة للغاية. فقد كان العائد مقابل كل نصف دولار استثمرته المؤسسة نحو 10 دولارات من تبرعات الأدوية، وبالتالي ضمنا حصول الأشخاص المعرضين للخطر على العلاج لمدة عام، بالإضافة إلى دعم نظم الرعاية الصحية المحلية.

هكذا انطلق البرنامج من بوروندي ليحقق نتائج مذهلة حقاً. فعلى مدى خمس سنوات، انخفض معدل انتشار الدودة الشصّية (الأنسيلوستوما) في البلاد من 18 بالمئة إلى 2.6 بالمئة فقط، وانخفضت معدلات الإصابة بالتراخوما المسببة للعمى من 13 بالمئة إلى 3 بالمئة، كما تراجع معدل انتشار البلهارسيا من 12 بالمئة إلى 1.4 بالمئة.

انعكس هذا بشكل رائع على الحياة اليومية للسكان، إذ تمكنت أعداد أكبر من البالغين من ممارسة أعمالها أو العودة للعمل، كما انحسرت نسبة غياب الأطفال عن مدارسهم. لقد كانت نتائج هذا الاستثمار من أفضل ما حققته المؤسسة عبر تاريخها. مما قادنا إلى إطلاق صندوق 'إيند' (END) في العام 2011 كأداة استثمارية خيرية تجمع المانحين والمستثمرين الاجتماعيين بهدف مكافحة الأمراض المدارية المهملة.

وهكذا طرحنا ذات السؤال بشأن جدوى الاستثمار عندما نظرنا في قضية مليار شخص يعيشون – وغالباً ما يعانون – في الأحياء العشوائية. لكنه على الرغم من وضوح فرص تحقيق آثار إيجابية في هذه الحالة، إلا أن جدوى الاستثمار لم تكن واضحة. دفعنا هذا إلى تجريب طريقة جديدة في محاولة بلورة الحالة الاستثمارية مع شريكنا في تقديم البرنامج، مؤسسة جنيفا غلوبال الأميركية. كانت العملية بحد ذاتها تجربةً مفيدة تعلمنا واكتسبنا منها الكثير من المعارف لمواجهة تحديات التعامل مع العشوائيات.

على الرغم من حجم الاستثمارات الهادفة إلى تحسين ظروف المعيشة في الأحياء العشوائية في أنحاء العالم، فإن المقاربات المعتمدة لا تعمل بالسرعة الكافية ولا يرجح أن تحقق الأثر اللازم لمواجهة حجم التحدي. لذا قررنا أن نعقد ورشة عمل في دبي بعنوان "قمة الأحياء العشوائية" للبحث عن إجابات شافية لبعض الأسئلة الجوهرية: ما هي الأشياء التي أثبتت نجاحها في مجال تحسين أحوال الأحياء العشوائية والتي يمكن تعزيزها أو تكرارها أو توسيعها؟ وما هي المكونات المفقودة التي يمكن، في حال توفيرها وتفعيلها، أن تقود إلى أثر تحفيزي؟ ما هي الفرص المتاحة للتكامل بين عمل المنظمات في الأحياء العشوائية لتحقيق أثر أكبر؟ وما المساهمة المميزة التي يمكن لمؤسسة ليغاتوم تقديمها لتحقيق عائد اجتماعي ملموس على الاستثمار؟

ونظراً لافتقارنا الخبرة في مجال تحسين الأحياء العشوائية، فقد كانت الخطوة التالية هي البحث عمّن يستطيع الإجابة على هذه الأسئلة. لقد أدركنا ضرورة الاستعانة بمجموعة متنوعة من العقول وأصحاب الخبرة والرأي بشأن هذه القضية، لذلك بذلنا جهوداً كبيرة في انتقاء المشاركين المناسبين لنضمن التنوع والشمول في المهارات والخبرات. وعقدنا الأمل على أن تسهم ورشة العمل في طرح مقاربات وأفكار جديدة تسهم في تحسين ظروف الحياة وإيجاد سبل لتحويل الأحياء العشوائية إلى مجتمعات حافلة بفرص واعدة.

وهكذا اخترنا المشاركين من خمس فئات، هي: قادة الأحياء العشوائية، والمنظمات غير الحكومية، ورواد الأعمال، ومقدمو الخدمات من القطاع الخاص، وصانعو السياسات؛ وحددنا عدد المشاركين في كل فئة. ولم نغفل أيضاً عن ضمان التنوع بين الجنسين والفئات العمرية بين المشاركين. وكانت دعوة رواد وقادة الأعمال للمشاركة، برأيي، حاسمة لاستكشاف دور القطاع الخاص في تحسين أوضاع العشوائيات.

ومع أن ورشة العمل كانت صغيرة نسبياً (إذ ضمت 25 مشاركاً فقط)، إلا أنها سعت لتمكين كل شخص من المساهمة بأفكاره والمشاركة في حوار مفتوح، ومثمر وبناء. وكانت الغاية المرجوة من جمع مثل هذه الخبرات المتنوعة إثراء الحوار بوجهات نظر مختلفة، وتشجيع الابتكار عبر طرح أفكار جديدة أو الخروج بنموذج جديد من الأفكار القائمة، بطريقة تضمن أن تحقق أكبر أثر ممكن.

كما كان التمثيل الجغرافي الواسع مهماً أيضاً بالنظر لحجم التحدي وامتداده العالمي، فحرصنا على دعوة المشاركين من تسعة بلدان منها البرازيل وأوغندا والهند، وهي ثلاث مناطق جغرافية تواجه تحديات كبيرة في التحول الحضري، حيث يمكن لمؤسستنا اختبار وصقل نهج الاستثمار من خلال إطلاق مشاريع تجريبية فيها.

أما على صعيد التعلم والاستكشاف، فقد بدا جلياً للمشاركين أنّ هناك مجتمع بشري ضخم حول العالم يعيش ويعمل في الأحياء العشوائية، لكنه يفتقر إلى صوت قوي موحد واستراتيجية موجهة تتيح له تحسين أوضاع معيشته والارتقاء بها إلى العيش الكريم. وكان المؤتمر منبراً لإجراء حوارات أثمرت عن نتائج فورية، كما وضعت الأسس لتعاون طويل الأمد، سواءً ضمن نطاق برامج المؤسسة المستقبلية أو خارجها.

السؤال هنا هو هل سنعود لتكرار أسلوب ورشة العمل مرة أخرى؟ لقد كان ذلك النهج جديداً بالنسبة لنا على صعيد تصميم البرامج، وكان مؤثرا حقاً في مثل تلك الحالة، إذ أننا بتنا نمتلك حالياً، كمستثمر محتمل، معرفة كافية تمكننا من صياغة الحالة الاستثمارية. أما بالنسبة لنجاح تلك الورشة في تقديم حالة استثمارية مقنعة، فإننا واثقون من ذلك، ولو لم يكن ذلك من نتائجها الفورية.

فالأفكار التي أنتجتها الورشة تحتاج لبعض الوقت كي تنضج ويُنتقى منها المناسب من أجل طرح نموذج استثماري عبر سلسلة من المشاريع التجريبية التي سيتم تنفيذها في الدول الثلاث (البرازيل وأوغندا والهند). بالإضافة إلى ذلك، أتاحت ورشة العمل التعرف عن كثب على عدد من الشركاء الميدانيين الذين نأمل في العمل معهم على تنفيذ المشاريع.

ونحن في مؤسسة ليغاتوم على ثقة من قدرتنا على أداء دور واضح ومهم في دعم المستثمرين الساعين إلى الارتقاء بأوضاع العشوائيات. ومع أنّ القول بنجاح هذه الجهود في تحقيق الأثر والتغيير المأمول قد يكون سابقاً لأوانه، لكننا تعلمنا الكثير، واقتربنا أكثر من تحقيق رؤيتنا بإطلاق صندوق استثماري خيري جديد يهدف إلى مساعدة الأحياء العشوائية والارتقاء بها إلى مصاف الحياة الكريمة. – PA

"عقدنا الأمل على أن تسهم ورشة العمل في طرح مقاربات وأفكار جديدة تسهم في تحسين ظروف الحياة وإيجاد سبل لتحويل الأحياء العشوائية إلى مجتمعات حافلة بفرص واعدة".

نبذة عن الكاتب

آندرو داوست هو نائب رئيس الشؤون الاستراتيجية في مجموعة ليغاتوم الخاصة التي تضم مؤسسة ليغاتوم، وهي مؤسسة تشتمل أعمالها الخيرية على استثمارات في برامج تنموية محفزة حول العالم. وقد خصصت المؤسسة أكثر من 100 مليون دولار لمشاريع في مجالات الصحة، وحرية الإنسان، والتعليم، والتمكين الاقتصادي توزعت على 107 دول.