جني الثمار: لماذا ينبغي علينا الاستثمار في التعليم

مع تحوّل الأزمات الإنسانية إلى إشكاليات تنموية، تقول سونيا بن جعفر أننا بحاجة إلى التفكير على المدى الطويل وبشكل أكثر شمولية في باستجابتنا.

يعتبر قطاع العمل الإنساني منهكاً إلى أقصى حدوده. فقد تجاوز عدد النازحين من ديارهم قسراً الـ 100 مليون نسمة بسبب مزيج سام من النزاعات والكوارث الطبيعية وحالات عدم الاستقرار الاقتصادي وتفاقم الجوع.

وبينما تتدافع الحكومات ومنظمات الإغاثة عاماً تلو الآخر لمساعدة المحتاجين، قد حان الوقت الآن لطرح الأسئلة التالية: متى نتوقف عن معالجة الاستنزاف الناتج عن حالة طوارئ محددة زمنياً وسياقياً وندرك أننا نواجه أزمة تنموية؟ وكيف يمكننا العمل على نحو مختلف لإعادة تشغيل نظامنا المتداعي؟

ففي ظل تداعيات جائحة كوفيد-19 وتغير المناخ وأخيراً الحرب في أوروبا، بات العالم يقف عند مفترق طرق، ومن هنا فإن الطريقة التي سنتصرف بها خلال العشرين سنة القادمة ستحدد الحال الذي ستكون عليه البشرية خلال الفترة القادمة.

يعد حجم الأزمات التي نمر بها كبيراً لدرجة لم تعد الدول الغنية معها قادرة على النظر للجانب الآخر وأصبحت تتجاهل المعاناة. علاوة على ذلك، لم تؤد الصدمات المتعلقة بالإمدادات والظواهر الجوية في العامين الماضيين سوى إلى تكثيف وعينا بمدى ترابطنا، وكشفت المخاطر التي تتسبب بها الاقتصادات غير السليمة وهشاشة الاقتصادات التي يُفترض أنها اقتصادات قوية.

تحتاج هذه المشكلات المعقدة إلى حلول مشتركة، ونحن في مؤسسة عبد الله الغرير للتعليم، إحدى المؤسسات الخيرية الرائدة في دولة الإمارات العربية المتحدة، نؤمن تماماً بذلك.

وتوضح أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة السبل الكفيلة بالتمتع بمستقبل أفضل. وفي مؤسستنا نعطي الأولوية للهدف 4 (التعليم الجيد)، والهدف 8 (العمل اللائق ونمو الاقتصاد)، والهدف 5 (المساواة بين الجنسين)، والهدف 17 (عقد الشراكات لتحقيق الأهداف).

ومن منظور أهداف التنمية المستدامة الأربعة هذه، قمنا بوضع برامج وعقد شراكات تركز على الشباب في المنطقة العربية لأن الاستثمار بهم كفيل بتحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية لسنوات عديدة قادمة.

image title
لا ينبغي حرمان الشباب من فرص التعليم لأنهم من اللاجئين.

ينصب تركيز صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين، الذي تديره المؤسسة، على لبنان والأردن. فهذان البلدان المتوسطا الدخل يستضيفان أكبر عدد للاجئين على مستوى العالم على أساس نصيب الفرد، الأمر الذي يتسبب بضغوط هائلة على بنيتهما التحتية ومواردهما واقتصاديهما.

وعلى الرغم من أن برامجنا غير قادرة على حل القضايا الهيكلية في الأردن ولبنان، إلا أنه بإمكاننا مساعدة الشباب الذين يعيشون هناك، لاسيما أولئك الذين يعيشون على الهامش مثل اللاجئين، من خلال منحهم إمكانية الوصول إلى التعليم من أجل بناء مستقبل أفضل.

ومركز عبد الله الغرير للتعليم والتعلم الرقمي هو أيضاً أحد المشاريع الرئيسية للمؤسسة. تستضيف الجامعة الأمريكية في بيروت هذا المشروع الذي يوظف التكنولوجيا لإتاحة التعليم الجامعي لأكثر من 1,000 طالب من غير القادرين على تحمل تكاليف التعليم المباشر داخل الحرم الجامعي ويفتح شبكات جديدة توفرها هذه المؤسسة الأكاديمية المرموقة.

ومن الأمثلة الأخرى على جهودنا التي تركّز على المستقبل شراكتنا مع جمعية توحيد شبيبة لبنان، وهي منظمة غير ربحية مقرها لبنان، والتي نقوم من خلالها بتمويل أكثر من 300 من اللاجئين الشباب من أجل حضور دورات مصممة خصيصاً لتزويدهم بالمهارات والمؤهلات المطلوبة في مكان العمل.

وقد بدأ هذا الاستثمار يؤتي ثماره بالفعل، فقد قامت جمعية توحيد شبيبة لبنان مؤخراً، بالشراكة مع منظمة مواهب بلا حدود Talent Beyond Boundaries، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة تعمل على ربط اللاجئين بفرص العمل حول العالم، بمساعدة 27 خريجاً من اللاجئين الشباب بتأمين عمل لهم كممرضين وممرضات في دائرة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة.

كما يدعم صندوق عبد العزيز الغرير لتعليم اللاجئين ’إس إي فاكتوري‘ Software Engineering Factory، وهو برنامج رائد للتدريب التقني والتوظيف في لبنان، لتقديم دورات تدريبية مكثفة في البرمجة الحاسوبية ومن ثم ربط الطلاب بسوق العمل.

من المستفيدين من مبادرات مؤسستنا أحمد، وهو لاجئ فلسطيني وأحد الطلاب الحديثي التخرج من ’إس إي فاكتوري‘. حصل أحمد على وظيفة في شركة ضاهر الفرنسية للتكنولوجيا ويكسب الآن ستة أضعاف متوسط ​​الرواتب في لبنان، ما سيمكنه من بناء مستقبل مستقل له، كما أنه يأمل في دعم أفراد اسرته من خلال التعليم.

"بات العالم يقف عند مفترق طرق، ومن هنا فإن الطريقة التي سنتصرف بها خلال العشرين سنة القادمة ستحدد الحال الذي ستكون عليه البشرية خلال الفترة القادمة".

وهذه مجرد أمثلة على كيفية استثمار الصندوق بطريقة مستدامة في مستقبل الشباب العربي بدلاً من الاستجابة فقط للأزمات الإنسانية التي تطلب تدخلاً عاجلاً.

أما كمجتمع، فنحن بحاجة إلى أن نأخذ رأس المال البشري والاجتماعي على محمل الجد، تماماً كما نتعامل مع الاستثمار الرأسمالي والبنية التحتية. فما فائدة المباني الجامعية البراقة إذا لم يكن هناك مدرّسون مؤهلون أو طلاب قادرون على تحمل تكاليف الرسوم الجامعية؟ وما فائدة الخريجين إذا كانت مهاراتهم لا تتناسب مع ما هو مطلوب في مكان العمل؟

يمتلك العمل الخيري القدرة على العمل على نحو تعاوني مع المنظمات الخاصة والمؤسسات الأكاديمية والحكومات والمنظمات غير الحكومية لاستكشاف نماذج مبتكرة يمكنها، في حال كُتب لها النجاح، توسيع نطاقها لإحداث التغيير على مستوى الأنظمة.

لا بد أن نتوقف عن حرمان الأفراد لأنهم لاجئون أو من ذوي الدخل المنخفض بل ينبغ علينا النظر بشكل شمولي إلى الاحتياجات. يتوجب علينا أن نستثمر الآن أو ندفع ثمن إهمالنا في المستقبل.-PA

 

اقرأ المزيد