داء دودة غينيا: الميل الأخير

الدول الموقعة على إعلان أبوظبي للقضاء على داء دودة غينيا تلتزم بتكثيف جهودها من جديد من أجل القضاء على المرض بحلول عام 2030.

اجتمع ممثلون من الدول الأفريقية السبع التي شهدت حالات الإصابة القليلة المتبقية بداء دودة غينيا في العالم في مدينة أبوظبي لإعادة التأكيد على التزام دولهم بالقضاء على هذا المرض القديم والمُسبب للعجز بحلول عام 2030.

وقد اشترك في استضافة "القمة العالمية للقضاء على داء دودة غينيا 2022" مركز كارتر ومبادرة "بلوغ الميل الأخير"، وهي مجموعة من برامج الصحة العالمية التي يمولها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي.

وقد سعت القمة التي حضرتها وفود وزارية وتقنية من كل من أنغولا وتشاد والكاميرون وجنوب السودان والسودان وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى تسليط الضوء على الريادة القطرية وتعزيز الاستراتيجيات الرامية إلى القضاء على آخر ما تبقى من هذا المرض الموهن والذي يمكن تجنبه والوقاية منه.

وانتهى الحدث بتوقيع الدول السبع على "إعلان أبو ظبي للقضاء على داء دودة غينيا"، مؤكدة بذلك على موافقتها على مجموعة من الأهداف السياسية والتقنية والمالية التي تستهدف القضاء على المرض.

وتتراوح الالتزامات المدرجة في الإعلان من توفير المياه الآمنة وتخصيص ميزانية كافية للقيام بالتدخلات المناسبة، إلى تكثيف التعاون عبر الحدود وتوفير ممرات آمنة للعاملين الصحيين في مناطق النزاع.

وحضر حفل التوقيع الذي عُقد في "قصر الوطن" الدكتور ﺗﻳدروس أدﻫﺎﻧوم ﻏﻳﺑرﻳﺳوس، مدير عام منظمة الصحة العالمية، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير الدولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، وجايسون كارتر، حفيد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، ورئيس مجلس أمناء مركز كارتر.

وفي وصفه للحدث، قال كارتر: "إنها لحظة مهمة للغاية أن نشهد بداية القضاء على هذا المرض"، وأضاف قائلاً: "سنتذكّر دائماً أننا اجتمعنا هنا مع الدول التي بلغت الميل الأخير ... ونحن مقتنعون أنها ستكون النهاية".

وكان عام 2021 قد شهد تسجيل 15 إصابة فقط بالطفيليات المنقولة عن طريق المياه على مستوى العالم. ويعتبر ذلك تدنياً تاريخياً في عدد الإصابات ويمثل انخفاضاً بنسبة 99.9 في المئة من أكثر من 3.5 مليون إصابة بشرية مسجلة في عام 1986، عندما بدأ مركز كارتر حملته لأول مرة.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن داء دودة غينيا بات في طريقه ليصبح المرض البشري الثاني - بعد الجدري - الذي يتم استئصاله من العالم.

من جانبه، قال الدكتور ﻏﻳﺑرﻳﺳوس، الذي حضر فعاليات القمة التي استمرت لمدة يومين في العاصمة الإماراتية: "إنه إنجاز مذهل ... لقد حققنا الهدف الذي اعتقد الكثيرون أنه مستحيل".

مع ذلك، قال مدير عام منظمة الصحة العالمية أن "الميل الأخير هو الأكثر صعوبة"، وحذر الوفود قائلاً: "حتى ونحن نحتفل بنجاحاتنا، لا بد أن ندرك أن العمل لم ينته بعد. فقد نخسر بسهولة هذه المكاسب التي تحققت بشق الأنفس. لا يزال هذا العمل بحاجة إلى تبني نهج شامل يضم وزارات الصحة والمياه والمسؤولين الإقليميين والمجتمعات القروية".

ويعد داء دودة غينيا واحداً من أكثر من عشرة أمراض تعرف بالأمراض المدارية المهملة، من بينها العمى النهري والجذام، التي تتسبب سنوياً بفقدان البصر والتشوهات الجسدية والإعاقة للملايين من أشد الناس فقراً في العالم، ما يحول دون قدرتهم على العمل أو الذهاب إلى المدرسة ويؤدي إلى خسارة مليارات الدولارات بسبب فقدان الإنتاجية.

ولا يوجد لقاح أو علاج لداء دودة غينيا الذي يصيب الشخص لدى ابتلاعه يرقات طفيلية تعيش في مصادر المياه الملوثة، على الرغم من إمكانية الوقاية منه. ويتم ذلك بصورة أساسية من خلال التوعية المجتمعية التي تهدف إلى التثقيف حول أهمية تصفية المياه، والإبلاغ عن الحالات المشتبه بها، ومعالجة المياه بمبيدات اليرقات عندما تستدعي الحاجة.

 

بدأ العمل لمكافحة داء دودة غينيا في ثمانينيات القرن الماضي بقيادة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وبدعم مبكر من المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الوالد المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد كانت المعركة طويلة ومضنية، تخللها الكثير من العقبات، من بينها الصراعات وضعف البنية التحتية، وفي الآونة الأخير، ظهور إصابات جديدة لدى الحيوانات.

وعلى الرغم من هذه التحديات، لم يتم الإبلاغ سوى عن 15 حالة إصابة بين البشر في عام 2021 في أربع دول فقط هي تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومالي.

وما يبعث على التفاؤل أن أنغولا، التي سجلت أول حالة إصابة بداء دودة غينيا في عام 2018 (والتي تم اكتشافها خلال حملة للتطعيم ضد شلل الأطفال)، لم تبلغ عن أي إصابة العام الماضي، بينما سجلت الكاميرون عدداً قليلاً جداً من الإصابات بين الكلاب والتي يُعتقد أنها انتقلت عبر الحدود من تشاد.

علاوة على ذلك، قدّم كل من السودان، الذي لم تُسجَّل فيه أي حالة منذ على 2013، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، التي لم تبلّغ عن أي إصابة على الإطلاق، طلباً إلى منظمة الصحة العالمية للحصول على شهادة مصادقة على خلو البلاد من المرض.

"لقد حان الوقت وهناك الكثير من الزخم ... فإما أن نحقق هدفنا اليوم أو لا نحققه أبداً".

آدم فايس، مدير برنامج القضاء على دودة غينيا، مركز كارتر.

 

وقالت سارة إلياس الأمير، المستشار الفني لوزارة الصحة السودانية، أنها تأمل أن يحصل السودان على شهادة خلو البلاد من المرض بحلول عام 2023. وأضافت قائلة: "إنه إنجاز كبير بالنسبة لنا، كما أننا ممتنون للدعم والشراكات التي أتيحت لنا لمساعدتنا في الوصول إلى هنا".

لكن مقابل كل التقدم المحرز في المعركة الطويلة ضد دودة غينيا قد نخطو في بعض الأحيان إلى الوراء، لا سيما أن الحالات القليلة المتبقية عادة ما تكون في المناطق التي يصعُب الوصول إليها.

فعلى سبيل المثال، شهد جنوب السودان، الذي سجّل أكثر من 20,000 إصابة عام 2006 وتم الاحتفاء به عام 2018 عندما ساد اعتقاد بأنه قد أوقف تماماً انتقال العدوى، أربع إصابات مؤكدة في الأشهر الـ 12 الماضية.

واستجابة لهذه النكسة، تعمل الدولة جاهدة للشروع في المزيد من الرصد على مستوى المجتمعات المحلية وتكثيف الجهود المبذولة عبر الحدود. وفي هذا الإطار، قال الدكتور جون رومونو باسكوال، المدير العام للصحة الوقائية والعامة في وزارة الصحة الوطنية بجنوب السودان أنه "يأمل" أن تتمكن بلاده من القضاء على المرض بحلول عام 2030.

وأوضح باسكوال بالقول: "تشكل هذه القمة وهذا الإعلان مناسبة مهمة للغاية. وهي تعني الكثير بالنسبة لنا في جنوب السودان إذ أصبحنا قريبين جداً من خط النهاية في السباق ضد مرض دودة غينيا".

وأضاف قائلاً: "لقد كانت رحلة طويلة واجهنا خلالها الكثير من التحديات. فدولتنا قد خرجت لتوها من الحرب ولا تزال بنيتها التحتية تتسم بالضعف، كما أن أقل من 50 في المئة من سكانها يحصلون على الرعاية الصحية في دائرة نصف قطرها خمسة أميال فقط".

قوة الشراكات

في اجتماع عقد عام 1990، أقنع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الوالد المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة، بدعم جهود القضاء على دودة غينيا. وكانت الهبة الأولى التي قدمها الشيخ زايد إلى مركز كارتر آنذاك بداية رحلة طويلة لشراكة امتدت لعقود من الزمن قدمت خلالها دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من 35 مليون دولار من أجل مكافحة دودة غينيا، بما في ذلك تبرع جديد بقيمة 10 ملايين دولار تم الإعلان عنه العام الماضي.

وبعد وفاة الشيخ زايد، حمل نجله الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي الراية من بعده وقام بتركيز عطائه وتأثيره على القضاء على الأمراض التي يمكن الوقاية منها، من خلال صندوق بلوغ الميل الأخير الذي يتبنى مجموعة من البرامج الصحية على مستوى العالم.

وقال الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير الدولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي في دولة الإمارات: "نفخر بأن نواصل الاستثمار في إرث مؤسس دولتنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان يؤمن بضرورة الوقاية من الأمراض ... ونحن نتطلع إلى تحقيق هدفنا المنشود وبلوغ الميل الأخير والقضاء على داء دودة غينيا".

من جهته، قال جايسون كارتر، الذي أحضر ابنه هنري البالغ من العمر 15 عاماً، قمة القضاء على دودة غينيا، مؤكداً على الصداقة المتينة التي تجمع أسرته بآل نهيان منذ عدة أجيال: "في هذه اللحظة، وفي هذا اليوم، وهنا في هذا المكان وفي ظل الشراكات التي أقمناها، نحن على يقين بأننا سنشهد نهاية هذا المرض".

بدورها، قالت عبير الفوتي، المدير التنفيذي للمبادرات العالمية في مؤسسة الوليد للإنسانية في المملكة العربية السعودية، الجهة المانحة منذ مدة طويلة للبرامج الصحية التي يقوم بها مركز كارتر: "إنه انعكاس رائع لفعالية الشراكات وكيف يلتقي الأشخاص المؤثرون [لتحقيق الغايات النبيلة]. كما أنه يرسل رسالة قوية حول أهمية الالتزام والتعاون مع الآخرين من أجل تحقيق رؤيتك".

وتقديراً للجهود التي تبذلها الدول لمكافحة هذا المرض، قال آدم فايس، مدير برنامج القضاء على دودة غينيا في مركز كارتر، أنه لا يمكن المغالاة في أهمية التقدم الذي أحرزته الوزارات في الدول التي لا تزال متضررة من المرض.

وأضاف فايس في حديث مع ’زمن العطاء‘: "لقد حان الوقت. فهناك الكثير من الزخم على مستوى المجتمعات المحلية والكثير من الزخم السياسي كذلك، فإما أن نحقق هدفنا اليوم أو لا نحققه أبداً. هذه فرصتنا لبذل قصارى جهدنا وإنجاز العمل في أسرع وقت ممكن".

وأضاف قائلاً: "إن الشوط الذي قطعه هذا البرنامج مذهل حقاً. فنحن نشهد اليوم أقل عدد من الحالات في التاريخ الموثق، وندرك أيضاً أننا استطعنا تفادي ما لا يقل عن 80 مليون إصابة".

وبالإضافة إلى الالتزامات الرفيعة المستوى، يسّرت قمة القضاء على دودة غينيا التواصل الثنائي الذي تشتد الحاجة إليه، لا سيما فيما يتعلق بانتقال العدوى عبر الحدود.

"فهذه هي المرة الأولى منذ أكثر من عامين التي يتمكن فيها الناس من الاجتماع وجهاً لوجه"، كما أفادت بيج ألكسندر، الرئيس التنفيذي لمركز كارتر التي أضافت: "بفضل هذه المحادثات الثنائية تمكنا الآن من التعرف على العقبات بشكل مباشر من الوزارات في الدول المتضررة وكيف يمكننا كمانحين أن نكون أكثر فائدة والتوصل إلى فهم أفضل للدعم الذي تحتاج إليه هذه الدول للوصول إلى خط النهاية".-PA