درهم وقاية خير من قنطار علاج

الناشطة الكينية في مجال المناخ إليزابيث واتوتي توضح أسباب الترابط بين أزمة المناخ وقضايا الصحة.

نجد أنفسنا اليوم وسط أزمة مناخية وهي أيضاً أزمةٌ صحية. وتعد الاستجابة العاجلة لهذه الأزمة أمراً بالغ الأهمية من أجل تأمين مستقبل آمن وملائم للعيش لنا وللأجيال القادمة. ولا يمكن التأكيد بما فيه الكفاية على ضرورة العمل واتخاذ الإجراءات المناسبة لأنه كما يُقال ’درهم وقاية خير من قنطار علاج‘.

تؤكد الكثير من الأبحاث على الآثار المدمرة لتغير المناخ على صحتنا، لا سيما تأثيره على تفشي الأمراض المعدية، وتعطل النظم الغذائية، وتلوث الهواء الذي نتنفسه والمياه التي نشربها.

وليس ثمه بلد في مأمن من التهديدات المتزايدة لتغير المناخ في وقت تتحمل فيه المجتمعات المحلية والضعيفة على الخطوط الأمامية - مثل بلدي - عبئاً غير متناسب بسبب هذه التهديدات.

لكن في خضم هذه التحديات، اسمحوا لي أن أقدم صورة واضحة لقدرتنا على إحداث التغيير من خلال قصة امرأة شابة التقيت بها في كيبيرا، أحد الأحياء العشوائية في نيروبي في كينيا.

لقد أخبرتني هذه السيدة عن تأثير تلوث الهواء الداخلي الناتج عن استخدام الزيت للإضاءة على صحة أطفالها. فقد كان احتراق الزيت من أجل الإضاءة يطلق الدخان مما يسبب حرقة في العيون وسعالاً لدى أطفالها.

غير أن صحة الأطفال تحسنت عندما نجحت والدتهم في التقدم بطلب لتركيب ألواح الطاقة الشمسية المنخفضة التكلفة بعد أن حصلت على قرض لذلك. وقد لعب الوصول إلى حل الطاقة النظيفة والمنخفض التكلفة هذا دوراً مهماً في تنقية الهواء الذي يتنفسه أطفالها.

ونظراً للأحوال الجوية المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، شهد بلدي كينيا ارتفاعاً كبيراً في حالات الإصابة بالكوليرا بسبب نقص المياه النظيفة وانتشار سوء التغذية الناجم عن انعدام الأمن الغذائي. والنساء الحوامل والأطفال هم أكثر من يتحمل وطأة هذه التحديات. فقد أخبرتني الأمهات كيف أعاق الجوع الشديد، وهو حالة طوارئ سببها الجفاف الناجم عن تغير المناخ في جميع أنحاء القرن الأفريقي، قدرتهن على إنتاج ما يكفي من الحليب لإرضاع أطفالهن.

وهذا يؤكد على الأهمية البالغة لوضع الصحة في صميم المناقشات التي تدور حول العدالة المناخية والاسترشاد بالإمكانات الهائلة للتعاون المبتكر والمتعدد القطاعات في المناطق المتضررة لإحداث التغيير.

الناشطة الكينية في مجال المناخ إليزابيث واتوتي توضح أسباب الترابط بين أزمة المناخ وقضايا الصحة.

الناشطة الكينية في مجال المناخ إليزابيث واتوتي

image title

ولا يجب أن نغفل عن السبب الرئيسي لهذه الأزمة أثناء مشاركتنا في مؤتمر الأطراف (COP28) ألا وهو اعتمادنا الكبير على الوقود الأحفوري. ففي عام 2019، فقد أكثر من مليون شخص في أفريقيا وحدها حياتهم بسبب تلوث الهواء. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن تلوث الهواء - الذي تفاقم إلى درجة كبيرة بسبب استخدام الوقود الأحفوري - مسؤول عن سبعة ملايين حالة وفاة مبكرة سنوياً. 

علاوة على ذلك، يؤثر انخفاض جودة الهواء سلباً على البنى التحتية الصحية. فقد كشف تحليل صدر مؤخراً أن المستشفيات في جميع أنحاء العالم تواجه عمليات إغلاق واسعة النطاق أثناء الكوارث الجوية ما لم يتم التخلص تدريجياً من الوقود الأحفوري.

إن الرسالة التي يوجهها مجتمع الرعاية الصحية الأوسع لا لبس فيها وتدعمها أدلة علمية لا يمكن إنكارها. ومفتاح حماية صحة الإنسان يكمن في الالتزام والاستثمار بالانتقال العادل والمنصف بعيداً عن الوقود الأحفوري بما يضمن أيضاً حصول الجميع على الطاقة النظيفة.

مع ذلك، لتحفيز هذا الانتقال التحويلي، ثمة حاجة إلى دعم مالي على جميع المستويات بدءاً بالمجتمعات المحلية وانتهاءً بالمؤسسات الدولية. وإلى جانب هذا التمويل، يجب أن يكون هناك وعي بقدرة المجتمعات المحلية والمبادرات الشعبية على قيادة التغيير الذي نطمح إلى رؤيته، والتصدي بفعالية لتغير المناخ على الصعيد المحلي.

إن التحول إلى الطاقة النظيفة والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة ليس مجرد حل بل إنه بمثابة طوق نجاة من شأنه تقليص أوجه التفاوت وتوفير فرص عادلة للجميع، لا سيما للأشخاص الأكثر تضرراً.

ويمكن للحكومات، من خلال معالجة قضايا الصحة وتغير المناخ في وقت واحد، أن تطلق العنان لعدد لا يحصى من الفوائد لمواطنيها، من توفير المياه النظيفة إلى رفع متوسط العمر المتوقع وتحقيق النمو الاقتصادي المطرد.

ويعد الاعتراف بالطبيعة المترابطة لهذه التحديات أمراً بالغ الأهمية، كما يجب أن تعكس حلولنا هذا الواقع. من هنا يتوجب لا ينبغي أن نستمر في معالجة هذه القضايا بمعزل عن غيرها، بل أن نتعامل معها باعتبارها قضية واحدة ووجهين لعملة واحدة.

وفي مؤتمر الأطراف، دعونا لا نكتفى بمجرد تقديم التعهدات بل ليدفعنا الالتزام الثابت بالعمل. فالعمل هو ما سيساعدنا على التصدي للتحديات التي تواجه البشرية اليوم وهو أيضاً ما سيساعدنا على ضمان بقاء البشرية بغض النظر عن التحديات التي نواجهها.

يتمتع كل واحد منا بالقدرة على إحداث التغيير، وتشكيل مستقبل أكثر إشراقاً، وتعزيز عالم يتمتع بالمزيد من الصحة. دعونا نعمل بقلوب مخلصة، وعزم ثابت، ورؤية مشتركة لعالم نعطي فيه الأولوية لصحة كوكبنا ورفاه سكانه.