عصر الإيمان والتكنولوجيا

عظيم كيدواي، رجل الأعمال الاجتماعي ذو السجل الحافل في إطلاق المبادرات المؤثرة يشاركنا أفكاره حول أهمية دعم الجيل القادم.

 

تعرف منطقة الخليج بكرمها الاستثنائي، في حين تكرس المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم نفسها بلا كلل لتنمية المجتمعات. وتعود بداية هذا الالتزام إلى القرآن الكريم الذي يضم دعوات متكررة - وتؤيده السنّة النبوية الشريفة - لحث المؤمنين على مواجهة التحديات والمشاركة مع الآخرين والسعي لتحقيق السعادة من خلال خدمة الإنسانية.

ولا يؤدي هذا الالتزام بالعطاء - والاهتمام بالآخرين - إلى إحداث تغيير إيجابي على مستوى العالم فقط، بل يولّد أيضاً جيلاً جديداً من روّاد الأعمال الاجتماعيين الذين يوجهون نواياهم النابعة من الإيمان إلى فضاء ريادة الأعمال.

وفي الآونة الأخيرة، التقيت برواد أعمال من الشباب كانوا أكثر إلهاماً وثقة ونجاحاً من أي وقت مضى، جمعتهم الرغبة في رد الجميل والسعي نحو رضوان الله جل جلاله.

ولم يتجل ذلك بشكل أفضل من الطلبات التي تلقيناها للمشاركة بجائزة سبارك، المسابقة الجديدة التي أطلقتها ’كوليكتيف كونتينيوم‘ Collective Continuum، وهي مجموعة من المستثمرين المؤثرين المهتمين بتقديم التمويل الأولي للشركات والمشاريع الناشئة التي تركّز على المبادرات التي تتمحور حول الإنسانية، والتي أشعر بالفخر بكوني رئيسها.

لقد تلقينا أكثر من 500 إشعار للتعبير عن الاهتمام وأكثر من 330 طلباً رسمياً للمشاركة من 28 دولة من مختلف أنحاء العالم، قدمها مجموعة من روّاد الأعمال المدفوعين بوازعهم الإيماني. وتنوعت مشاركات هؤلاء بين الأفكار الناشئة والمؤسسات العاملة بكاملّ طاقتها، والتي حركتها أسئلة من قبيل: "ماذا يريد الله منا؟" و"كيف يمكننا من خلال أتباع خطى الرسول الكريم التغلّب على التحديات الاجتماعية؟

ذهبت الجائزة الأولى إلى ’روح كير‘ Ruh Care، وهو دليل عبر الإنترنت لمقدمي الرعاية الصحية النفسية للمسلمين، تمثلت الغاية من إنشائه في الاهتمام بالصحة النفسية للمسلمين عبر توفير الدعم الذي يتوافق مع تعاليم الإسلام. أما المركز الثاني فكان من نصيب ’دين ديفيلوبرز‘ Deen Developers، وهي منظمة غير حكومية يقع مقرها في المملكة المتحدة تجمع روّاد الأعمال المسلمين في مجال التكنولوجيا من أجل الخير للمشاركة في فعاليات الهاكاثون وغيرها من الفعاليات المرتكزة إلى الحلول.

image title

أما أنا فيسعدني أن أرحب بكم في عصر جديد أحب أن أسميه ’عصر الإيمان والتكنولوجيا‘. فعلى الرغم من التوقعات الاقتصادية العالمية القاتمة، وتصاعد معدلات الفقر، وتدهور المؤشرات الصحية التي أدت جميعها إلى تقويض عقود من التقدم المحرز، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، فإن الشباب يرفضون الاستسلام. بل بدلاً من ذلك، نجدهم يسخّرون قوة إيمانهم إلى جانب التكنولوجيا لخلق فرص جديدة.

وفي العامين فقط منذ أن أطلقنا ’كولكتيف كونتينيوم‘، شهدنا طفرة في أعداد روّاد الأعمال الشباب ذوي الإمكانات العالية الذين يبحثون عما نطلق عليه اسم ’المال الجيد‘، وهو رأس مال لا يدعم مشاريعهم فحسب بل يعزز التغيير الإيجابي في العالم وذلك بمساعدة شبكة من الأفراد المهتمين بدعم المبادرات الخيرية.

كما قمنا مؤخراً بالاستثمار في تطبيق ’نية‘، لما لمسناه من شغف وإيمان عميق في مؤسسه شيناز. فشيناز الذي يتمتع بخلفية قوية في قطاع رأس المال الاستثماري، ترك كل ذلك وراءه لإطلاق شركة ناشئة مخصصة لمساعدة المسلمين على تعميق فهمهم لعقيدتهم وعيش حياة يملؤها عمل الخير.

والتقينا أيضاً بالدكتور محمد مهيوب، صاحب الرؤية وراء ’وقف فينيتي‘ ، وهي أول منصة للوقف في العالم تقوم على التمويل الجماعي. وتهدف هذه مبادرة الجديرة بالثناء إلى إتاحة الوصول إلى إنشاء الأوقاف.

ومع ارتفاع عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً في العالم إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، لاسيما في الاقتصادات الناشئة التي تضم مجتمعات إسلامية كبيرة، فإننا أمام فقاعة شبابية. لكن بدلاً من الامتعاض من هذا التحدي، دعونا نستغل مهارات هؤلاء الشباب وطاقتهم وقدرتهم على التواصل وتزويدهم بإمكانية الوصول إلى رأس المال لتمكينهم من صياغة خطاب يركّز على خلق القيمة ويعزز التمكين والإلهام.

دعونا نعتبر شغفهم وشهيتهم للعمل أصولاً وليس التزامات، ولنزودهم بالتكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية التي يحتاجون إليها لتغيير عالمنا نحو الأفضل.

إن دعم الشباب من روّاد الأعمال في توجيه طاقتهم نحو تحقيق نتائج إيجابية يفيدنا جميعاً. وفي حين نعلم جميعاً ذلك، إلا أن نماذج الأعمال التي تسعى لتحقيق أثر إيجابي في المقام الأول قد عانت تاريخياً في تأمين التمويل لأنها لا تستطيع أن تعد بتحقيق عائدات عالية وسريعة التي يحبذها رأس المال الاستثماري.

"نحن بحاجة لأن تنهض الحكومات وروّاد العطاء والمستثمرون والشركات لدعم هذا الجيل الجديد في سعيه للتصدي للقضايا الاجتماعية الملحّة في عصرنا".

image title

من هنا جاء تأسيس ’كوليكتيف كونتينيوم‘ وكان نابعاً من الرغبة في الابتكار وقيادة حركة جديدة تركّز على تمويل المشاريع الاجتماعية الشديدة التأثير برأس مال صبور.

وانطلاقاً من رغبة قوية بتوحيد الناس بنور الإيمان نسعى لبناء بيئة من الشركاء ذوي الأداء العالي للتعاون مع روّاد الأعمال الاجتماعيين ومساعدتهم على تحويل أحلامهم إلى واقع ملموس.

ويشمل نهجنا قطاعات متعددة حيث نعطي الأولوية للاستثمار في روّاد الأعمال أنفسهم ومن ثم في أفكارهم. فهدفنا النهائي هو إلهام ودعم صانعي التغيير هؤلاء في صياغة عالم يعكس مُثُلهم - أي عالم أكثر أماناً وتماسكاً وسعادة.

كما نفخر في ’كوليكتيف كونتينيوم‘ بأننا نخلق الفرص ونسهّل وصول صانعي التغيير الذين اختاروا مواجهة التحديات بدلاً من الاستسلام لها إلى رأس المال والارتقاء بعقولهم إلى مستوى الدور الذي يمكن أن يلعبوه للمساهمة في عالم أفضل.

مع ذلك، فإن مهمتنا تتطلب جهداً جماعياً. ولذلك نحن بحاجة لأن تنهض الحكومات وروّاد العطاء والمستثمرون والشركات لدعم هذا الجيل الجديد في سعيه للتصدي للقضايا الاجتماعية الملحّة في عصرنا.

وعلى الرغم من انطلاق مبادرتنا بمبلغ لا يتجاوز الـ 10 ملايين دولار، إلا أن الطلب على رأس المال وشبكتنا كان غير مسبوق. فنحن نتلقى طلبات لا حصر لها من روّاد يتوقون لأن يكونوا جزءاً من مجتمعنا، حتى قبل استكشاف آفاق الاستثمار. ولذلك نرى أنه لا بد لنا من تبني هذه الروح، كما لا بد أن تكون جهودنا لجمع أفضل المواهب هي الخيار المفضل للجهات الفاعلة في المجتمع المدني للتعلم وبناء مستقبل أكثر إشراقاً.

تعد منطقة الخليج حضناً للمواهب، وهناك أيضاً الابتكارات التي تقدمها المجتمعات الإسلامية في مختلف أنحاء آسيا، فضلاً عن جيل جديد من الروّاد الدينيين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. إنهم جميعاً يسترشدون بمبادئ القرآن الكريم، ويتواصلون مع بعضهم البعض من خلال التكنولوجيا في عالم تتلاشى فيه الحدود، ويدعمون شبكات قوية تمتد عبر بلدان الأقليات المسلمة.

وخلال فعالية لتنمية المهارات القيادية حضرتها مؤخراً في اسطنبول، المدينة الضاربة في أعماق التاريخ والإلهام، وجدت نفسي أتساءل: من الذي سيصبح السلطان أحمد القادم؟ ما هي الروائع المعمارية التي سيبنيها معمار سنان العصر الحديث؟ وربما الأهم من ذلك، ما الذي يمكننا القيام به لتقديم دعمنا لمثل هؤلاء الأشخاص؟