علينا أن نتحرك على الفور

طيبة أختر تتحدث عن الحاجة الملحّة لأن يقدم المجتمع العالمي الدعم للأشخاص على خط المواجهة مع أزمة المناخ.

خلال الصيف الماضي، كان ثلث مساحة باكستان تحت الماء. ففي تلك الفترة كان بلدي، الذي يحتضن وادي السند، أحد أقدم الحضارات في العالم، مغموراً بالمياه بعد أن شهد أغزر هطول للأمطار في تاريخه.

تسببت هذه الأمطار بتدمير المنازل والمدارس وسُبل عيش ملايين الأطفال وأسرهم، ووصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأنها "أمطار موسمية كارثية" و"مذبحة مناخية".

فقد أدى مزيج من ذوبان الأنهار الجليدية والأمطار غير المسبوقة إلى حدوث فيضانات هائلة أودت بحياة أكثر من 1,700 شخص، بما في ذلك المئات من الأطفال.

وأصبحت آلاف الكيلومترات من الطرق غير صالحة للاستخدام، ونفق مليون رأس من الماشية، وتعرضت المستشفيات والمدارس للتدمير، ونزح 50 مليون شخص، معظمهم من النساء والفتيات.

وبعد مرور عام على هذه الكارثة، لا تزال الاحتياجات الإنسانية العاجلة للأطفال والأسر مستمرة. وفي حين أن الناس في باكستان لم يتسببوا بهذه الكارثة، ما يزال أطفالهم يدفعون الثمن غالياً ويعانون من تبعاتها حتى اليوم.

وما نحن على يقين منه أن هذه الكارثة لم تكن كارثةً عادية؛ وأن تأثير تغير المناخ قد وصل إلى بلد ذي بصمة كربونية تكاد لا تذكر. وعلى الرغم من أن الأعداد الهائلة للمتضررين تتجاوز قدرة أي دولة على التعامل معها بمفردها، لم تكن استجابة المجتمع الدولي كافية. ويكاد يكون من المؤكد أن باكستان ستستمر في مواجهة تداعيات أكثر تكراراً وخطورة لأزمة المناخ، وهي أزمة ليست تواجهها لوحدها فقط بل إنها أزمة عالمية.

لقد زرت باكستان العام الماضي وكانت تجربة مؤسفة رأيت خلالها بنفسي مستويات من الضعف تكاد تستعصي على الوصف. كما زرت إقليم السند الذي يعتبر أحد الأقاليم الأكثر تضرراً، وتحدثت مع الأطفال الذين ما تزال آثار الصدمة بادية في عيونهم. والتقيت بشركائنا العاملين على الأرض، بما في ذلك الحكومة الباكستانية، لتقييم احتياجات السكان المتضررين واكتساب فهم أعمق لكيفية الاستجابة لها.

وعلى النقيض من الأزمات الأخرى، لم يستجب العالم بنفس القدر من الإلحاح لدعم الاحتياجات في باكستان. وبينما كان من المفرح والمشجع رؤية أفراد عاديين من جميع أنحاء العالم يساهمون في جهود الإغاثة من الفيضانات من خلال نداءات جمع التبرعات، كان الدعم الشامل من المجتمع الدولي الأوسع ووسائل الإعلام الغربية محبطاً.

مع ذلك، فإن الشعور بالأمل يسطع في كل شخص التقيت به في باكستان. لنأخذ على سبيل المثال إمام* وشقيقه الأصغر نظام*، اللذين فقدا كل شيء بعد أن غمرت مياه الفيضانات قريتهما، لكنهما وسط حالة عدم اليقين هذه أشعلا من جديد شغفهما بلعب الكريكيت. فخلال النهار، يذهب الصبيان إلى مركز تعليمي مؤقت تديره منظمة "إنقاذ الطفولة " وينظمان بحماس مباريات الكريكيت لأطفال القرية. ويستمر الاستمتاع بالطفولة حتى في أصعب الظروف.

ولنتأمل في معاناة زويا البالغة من العمر أربع سنوات ووالدتها فاطمة. فعندما اجتاحت مياه الفيضانات منزلهما، تركت فاطمة يد ابنتها لفترة وجيزة، فسقطت زويا في الماء. ولحسن الحظ، تمكنت فاطمة من إنقاذها طفلتها بالضغط بشكل متكرر على صدرها. وبعد أسابيع من تلقيها الرعاية الطبية، تعافت زويا تماماً. وتحتضن فاطمة ابنتها بقوة، هي التي فقدت أفراداً آخرين من عائلتها فضلاً عن منزلها وممتلكاتها وتقول: ’لا ينقصني شيء لأن ابنتي الصغيرة في أمان‘.

"ما لم نتصد للتهديد الوجودي الذي يفرضه تغير المناخ، فسوف نجد أنفسنا نستجيب لحالات طوارئ مثل هذه، بل والأسوأ من ذلك، بوتيرة متزايدة".

والآن أكثر من أي وقت مضى، هناك إجماع واسع النطاق على أن التحديات الهائلة التي تواجه البشرية وكوكبنا، والتي تشمل قضايا مثل الفقر والرعاية الصحية وأزمة المناخ، تتجاوز قدرة الأفراد أو قطاعات محددة على حلها بمفردهم. وهناك اعتراف ضمني بالترابط بين هذه القضايا وبين أولئك الذين يقودون التغيير والمجتمعات ككل. وللشروع في التصدي لهذه القضايا، من الضروري اتباع نهج شمولي ينطوي على الاستثمار في جميع القطاعات.

تنشط منظمة إنقاذ الطفولة، التي تتمتع بحضور عالمي في 120 دولة، في باكستان منذ عام 1979. ومن خلال التعاون الوثيق مع الحكومة الباكستانية والاستفادة من خبرات شركائنا المحليين ومعرفتهم، كنا أول منظمة دولية غير حكومية تستجيب للفيضانات المدمرة التي ضربت البلاد العام الماضي. وقد نجحنا حتى الآن بمساعدة أكثر من نصف مليون طفل وعائلاتهم.

مع ذلك، تبقى الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن هذه الاستجابة الإنسانية لا تزال تعاني من نقص كبير في التمويل، مما يحد من قدرتنا على الوصول إلى العديد من الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة. لقد حان الأوان لأن يقوم روّاد العطاء والشركاء عبر القطاعين الخاص والعام والمنظمات الدولية والحكومات بالتعاون معاً وتوظيف قدراتهم الفريدة لتطوير حلول مستدامة وطويلة الأجل بهدف دعم المجتمعات الأكثر عرضة للكوارث المرتبطة بالمناخ.

وما لم نتصد للتهديد الوجودي الذي يفرضه تغير المناخ، فسوف نجد أنفسنا نستجيب لحالات طوارئ مثل هذه، بل وأسوأ منها حين يحدث ذلك بوتيرة متزايدة.

خلال زيارتي لباكستان، ألقيت نظرة على المستقبل، وكانت الصورة مقلقة للغاية. يتحمل أطفال باكستان  العبء الأكبر بسبب تقاعس العالم عن مواجهة أزمة المناخ. وإذا فشلنا في اتخاذ الإجراءات اللازمة فسنترك وصمة عار في ضميرنا العالمي.