نظرة مستقبلية قاتمة للشباب في جميع أنحاء الشرق الأوسط

استطلاع تم أجراؤه عام 2018 يكشف أن الشباب العربي متعطش لتحقيق التقدم - اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً - مع اتساع الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة.

كشف استطلاع للرأي أن غالبية الشباب العربي يعتقدون أن بلدانهم سارت في الاتجاه الخاطئ خلال العقد الماضي وكان الشباب في بلاد الشام الأكثر تشاؤماً بشأن المنطقة.

وقد أظهر الاستطلاع السنوي لرأي الشباب العربي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في 16 دولة عربية أن 55 في المئة من المشاركين يعتقدون أن المنطقة قد انزلقت بعيداً عن مسارها في أعقاب ثورات الربيع العربي وظهور داعش.

وكانت النظرة السلبية ملحوظة بشكل أكبر في دول مثل لبنان والأردن، إذ أفاد نحو تسعة من كل عشرة أشخاص من الشباب هناك أنهم غير راضين عن المسار الذي اتخذه بلدهم.

وقد زاد هذا التصور بشكل كبير خلال العامين الماضيين اللذين شهدا تصاعد أزمة اللاجئين في بلاد الشام الناتجة عن الاضطرابات في سوريا والعراق.

وفي عام 2016، عندما طرح الاستطلاع السؤال: "إن أفضل أيامنا  ..."، اختار غالبية الشباب في بلاد الشام الإجابة "أمامنا". لكن في الأشهر الـ12 التي تلت ذلك، انخفضت نسبة الأشخاص الذين اختاروا هذه الإجابة إلى 32 في المئة. وفي الاستطلاع الأخير، اختار نحو ثلاثة أرباع الشباب الإجابة "خلفنا".

بالمقارنة، أفاد 91 في المئة من شباب دول مجلس التعاون الخليجي أنهم سعداء بالتقدم الذي أحرزته بلدانهم، وأعرب معظمهم عن تفاؤلهم بالمستقبل.

من جهته، كتب أفشين مولافي، زميل معهد السياسة الخارجية في جامعة جون هوبكنز، في مقال نُشر بالتزامن مع التقرير: "لقد قطعنا شوطاً كبيراً منذ الأيام التي شهدناها في ميدان التحرير، عندما بدا فجر عالم جديد يلوح في الأفق" ... لكن التحول الكبير الذي وعدت به الثورات العربية قد تسبب عوضاً عن ذلك في انحراف كبير".

 من جهته، قال الصحافي الأردني أسامة الشريف أن "اليأس بين الشباب يكشف الكثير عن مستقبل هذه المنطقة المهمة والمتقلبة في العالم العربي ... فهو يفسر انطلاق شرارة الربيع العربي في أيامه الأولى على أيدي الشباب المحرومين قبل أن يختطفه الانتهازيون ذوو الدوافع الأيديولوجية".

image title
أفاد نصف الشباب العربي الذين شملهم الاستطلاع أنهم يعتقدون أن الشرق الأوسط قد ضل طريقه. الصورة: سيليا بيترسون.

كما أظهر التقرير أن الشباب العربي يؤيدون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأجندته الإصلاحية. كما يعتبره الكثيرون – فضلاً عن رؤيته للمستقبل ’رؤية السعودية 2030‘ - من العوامل التي ستشكل مستقبل المنطقة العربية على مدى العقد المقبل.

ويعتقد أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع أن ولي العهد يسير بالسعودية في الاتجاه الصحيح، بينما أيد 86 في المئة حملته ضد الفساد.

وفي داخل السعودية نفسها كانت شعبية ولي العهد أعلى، حيث يرى 97 في المئة من الشباب السعودي أنه "قائد قوي" ويشعر 92 في المئة منهم بالثقة حيال المخطط الاقتصادي الذي وضعه للنهوض بالمملكة.

وبالنسبة للمشاركين في الاستطلاع من دول مجلس التعاون الخليجي، كانت شعبية الأمير محمد أعلى بكثير من شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (25 في المئة مقابل 16 في المئة لترامب) باعتباره الشخص الذي يعتقدون أنه سيترك التأثير الأكبر على المنطقة خلال العقد المقبل. كما أحرز ولي العهد السعودي نقاطاً أعلى بين مجموع المستطلعين مقارنة بأي زعيم عربي آخر.

ويعتبر ذلك تأييداً كبيراً لأجندة ولي العهد الطموحة التي تضمنت إصدار قانون يسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارات. ويؤيد الشباب العربي هذه الخطوة بأغلبية ساحقة حيث أفاد 88 في المئة من المشاركين في الاستطلاع أنهم يوافقون على هذه الخطوة. أما داخل السعودية نفسها، فتبلغ نسبة تأييدها 81 في المئة.

على الرغم من ذلك، يشعر الشباب السعودي أنه لا بد من القيام بالمزيد من الجهود لدعم حقوق المرأة، بينما يؤيد 92 في المئة من الشباب في المملكة توسيع نطاق هذه الحقوق.

بدوره، قال تركي بن ​​عبد الله الدخيل، مدير عام قناة العربية الإخبارية، أن جزءاً من انجذاب هذه الفئة السكانية إلى الأمير حقيقة أنه واحد منهم، ويفكر مثلهم، فضلاً عن قدرته على تقديم نفسه كزعيم سياسي ذي فكر تجاري حاذق.

وأوضح الدخيل بالقول: "نحن نعلم أن نحو 60 في المئة من سكان المنطقة العربية تقل أعمارهم عن 30 عاماً، ما يعني أن هذا القائد هو واحد منهم ويفكر مثلهم". وأضاف: "لقد كان سعر النفط 38 دولاراً عندما أصبح ولياً للعهد، ما يعني أنه أدرك أهمية فتح أبواب جديدة وليس فقط الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات".

"مستويات الإحباط التي نراها بين الشباب في شمال أفريقيا وبلاد الشام لا يمكن تحملها، سياسياً وأخلاقياً".

أفشين مولافي، زميل معهد السياسة الخارجية في جامعة جون هوبكنز.

في تحول بدأ في الظهور عام 2017، أصبح الشباب العرب ينظرون بشكل متزايد إلى روسيا على أنها حليفتهم ويفضلونها على الولايات المتحدة. وقد سمى خمسهم روسيا أكبر حليف لبلادهم بينما اختار 13 في المئة منهم فقط الولايات المتحدة.

وفي بلاد الشام، يرى 65 في المئة من الشباب أن الولايات المتحدة عدوهم، بينما أفاد أكثر من نصفهم (55 في المئة) في دول مجلس التعاون الخليجي أنها تعد كذلك بالنسبة لهم. ويشكل ذلك تغيراً جذرياً عن عام 2016 عندما حصلت الولايات المتحدة على 25 في المئة في هذا الاستطلاع مقابل 9 في المئة لروسيا.

وربما يعود السبب المباشر في ذلك إلى إدارة ترامب حيث أفاد غالبية المستجيبين أن انتخاب ترامب ورئاسته كان له تأثير سلبي على المنطقة. مع ذلك، وعلى الرغم من معارضتهم السياسية لها، قال 17 في المئة من الشباب العربي الذي من شملهم الاستطلاع أن الولايات المتحدة هي الدولة التي يرغبون في أن تقتدي دولتهم بها بعد الإمارات العربية المتحدة.

بدوره، يقول البروفيسور توم فليتشر، أستاذ العلاقات الدولية الزائر في جامعة نيويورك أبوظبي، الذي تحدث أيضاً خلال إطلاق الاستطلاع، "بالنسبة لجيلي، وبصفتي مواطناً بريطانياً، نريد جميعاً أن نصدق أن أمريكا هي تلك المدينة المتألقة على التلة، ويعتقد العديد من المجيبين [على الاستطلاع] أن الشعب الأمريكي يمثل ذلك، باعتباره منارة للأمل والحرية في العالم".

وتعتبر أولويات الشباب العربي للمستقبل واضحة. فمع تزايد زخم الثورة الرقمية – بات عدد أكبر من الشباب العربي ولأول مرة يحصلون على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من أجهزة التلفاز، ولذلك يجب على الدول التركيز على مكافحة الإرهاب، وخلق فرص العمل، وإصلاح نظام التعليم ومكافحة الفساد.

وكتب مولافي في مقاله قائلاً: "إن خلق الوظائف في عصر مدفوع بشكل متزايد بالأتمتة والروبوتات سيكون تحدي عصرنا العالمي ... لكنه تحد لابد من التصدي له. فمستويات الإحباط التي نراها بين الشباب في شمال أفريقيا وبلاد الشام لا يمكن تحملها، سياسياً وأخلاقياً".

وأنهى فليتشر حديثه بالقول: "لا يتعلق الأمر فقط بإلحاق الملايين من الأطفال بالمدرسة ... بل بجودة التعليم أيضاً. نحن بحاجة إلى إيجاد طريقة لغرس روح المبادرة، وكذلك الإبداع في المنطقة، ما سيوفر مئات الآلاف من الوظائف التي نحتاج إليها في القرن الحادي والعشرين". - PA

اقرأ المزيد